الموت قدر الأحياء وقدر القدر أن يقع في يومك أو في غير يوم ولكنه واقع بالصورة التي لابد أن يكون فيها,,وهذا التسليم لا مفك منه ولا حيلة لنا في تجاوزه إلا ما أراد الله من تمديد لها على وجه أخر ,في صورة تكوينية أخرى بعيدة عن ذهنية من لا يرعاها أو يعيها,,تلك هي حياة الشهادة في سبيل الله وفي سبيل كل ما يتصل بالله أو يتواصل معه على خط النتيجة أو أساس العلة ويعني ذلك لا يمكن الهروب من الموت من خلال التمسك بالحياة,ولكن من خلال طلب الشهادة ,اطلب الموت توهب لك الحياة ,وهذه المعادلة تبدو للبعض غير
مستقيمة ولا عقلانية متمسكين بنظرية لا ترمي نفسك بالتهلكة!!!.
اليوم هو العاشر من محرم يوم الشهادة وهو يوم الحياة أيضا لان بطلها بدمه وهب لنفسه وللآخرين البعيد عته والقريب منه وهبهم جوهر الحياة التي بدوامه تدوم الحياة,يوم الإيثار والإخلاص للروح التي أودعها الله فينا أذنا منه لبدء حياة الخلائق لحركة الكون رمزا للحيوان الأكبر لو كنتم تعلمون.
يوم الطف وحدث عاشوراء ساعة السعادة لحظة اللقاء عنوان البقاء للأخير,فالتسليم لقوانين ما قبل لحظتها بوصف الحسين عليه السلام لها برما وألما وطأطأة لشواخص الشيطان وتسليم لإرادة الموت المفني وليس للموت الذي يصنع الحياة وما أكثر ما يفني ويهلك في هذه الحياة وما اقل ما يحيها,لذلك قال الله تعالى (ثلة من الأولين وقليل من الآخرين) قانون يعكس بشموليته جدلية الموت والحياة بمواردهما وبالمقدمات التي توصل لنوع الإرادة الفانية أو الباقية.
في طف كربلاء في عاشوراء كانت تتمة الفصل النهائي بين حوار الخير والشر الذي بادر به من قال(خلقته من تراب وخلقتني من نار) وهو لا يعلم أن التراب يبقى حاضنة الحياة والنار مهلكة حارقة لا تبقي من ورائها إلا الرماد,الذي تذروه الرياح من فوق التراب حتى لم يكن وجود ما كان إلا ما يكون من جوهر الرماد الفاني,هنا تنتصر قيمة التراب الأبدية على حقيقة النار الواهمة, تنتصر قيمة الحياة الأبدية على لواعج النار المتهالكة التي تفني وتفنى في مدار واحد هو مدار قدرة الله التي قدرها.
لم يكن سهلا على من هو غير الحسين ع ومن هو في مسيرة الحسين أو على خط فهمه أن يدرك المعادلة ويشخص ببصره نحو السماء ليعطيها ما أعطته طامحا بيقين غير مراء ولا مبال بزخرف دنيوي أو حرص على حظها ليقول لرب السماء اللهم هذا ما عندي وهبته ملكك فهب لي مما وعدتني على لسان حقك رضا وقبول ومزيد منك إلينا واصل فإنك الحق ومنك الحق,لا رغبة في حطام ولا رهبة من انتقام,فأنت أنت كما أنت,تقدر ولا نقدر وتعط ولا تمنع,فلبيك اللهم لبيك سعد من كان من أهل عطاياك وخاب وخسر من هرب منك إلى دنياه.
في كربلاء الطف حازت الحقيقة وليس لها غير وجه واحد على الخلود تاركة الذل لمن ناواها وعاداها بزهو الشهادة والتضحية فأشرقت بنور ربها هادرة ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا ) بل من مات كان من رفع السيوف بوجه الله وبكلماته ليحرف الكلم عن مواضعه مبتدأ من قابيل ونمرود وفرعون ومن شبه لهم أنهم قتلوه وما هم بقاتليه ليتواصل الزحف إلى دار النبوة ومهبط الوحي مرورا بمسجد الكوفة ودار الحسن بن علي ليتجمع الجمع في صعيد الفرات بين النهر والرمل يوم العاشر من محرم الحرام ,وقد كانت الناس تحرم فيه القتال لمن عاداهم ونصب لهم الحرب حتى ينصرم,فكيف بمن والاهم وأستولاهم بأمر الواحد المعبود.
في عذابات كربلاء ولد الأمل وأشرقت روح اليقين الذي لم يمت لحظة ولا انطفأت أنواره برغم العجيج والضجيج وسحائب الدخان المركوم على الأعين والنفوس,فأزالتها شمس ضحى الحسين وثلة أصحاب الحسين والقليل من كان على منهج الحسين,من بين رحم الوجع ووجع الرحم تولد الحياة وهذه سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا,فإن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني إلى ربي لأشكو ما فعل الجاهلون الغارقون بغيهم وغرور الشيطان مولاهم.
في نجيع كربلاء الدامي سارت في الحياة وفي شرايينها اليابسة دماء المخَلصين المُخلصين من عروق هالها أن ترى أمر الله لا يعمل به ونهيه لا يترك,فتقدمت وقدمت وجادت غاية الجود بالنفس والأهل لترى في أمل قادم أن الأمة وقد اصحتها الصدمة من غيها ومن نومتها ومن سباتها المصطنع لترى نور ربها وتقول نفس لنفسها يا ليتني لم أتخذ فلان خليلا أو يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا,لترى في يوم من يقول علمني الحسين أن أكون مظلوما لأنتصر.
لقد شيد الحسين في كربلاء مدرسة الوجود الدائم قبالة وهم الوجود المادي الذي هو أوهن من بيت العنكبوت ,فتمزقت بيوتهم وهوت وخربت وبقيت مدرسة الحسين تتعالى لأفق فاق مداها حدود المعقول لأنها من نسيج دائم وجوهر تكويني غير قابل للنسيان أو الهرم ولتصبح كل أرض في هذا العالم كربلاء وكل يوم تشرق عليه الشمس عاشوراء,وكل شهيد حسين وكل لتكون الأمة غدا كلها حسين لتهتف مجموعة على صعيد واحد أبد والله ما ننسى حسيناه.