يعد التنوع في توظيف الشكل والمضمون من بين عدة اساليب فنية اختارها الفنان جبر علوان ليؤكد قدرته على ان يلتقي مع العالم في نقطة الابداع .
ان تدفق اللون بغزارة على السطح التصويري هو بمثابة نزف فكري ونفسي واجهاض لهم ٍ ذاتي وكوني فكلما فاض به هذا الهَم وانحبس تكثفت كتل اللون على سطح خامته وعلى اشلاء ضحاياه وعلى مكوناتهم واشيائهم بل على اجسادهم الممزقة والمتشظية بين الواقع الظاهري والواقع التصوري المجسد بفرشاة واصابع مشاكستين وانثيالات ادوات معنية بفن التشكيل احيانا وفي احايين كثيرة قد تكون ادوات تركها الفنان بين احشاء مكانه لها علاقة باللوحة او قد تكون لها علاقة بشيئيات جبر علوان الانسان
لم يجسد الانثى المتخيله ( المرأة الحلم ) بل جسد ضحاياه – ليس بمعنى الارتكاب الشخصي بل ضحايا ثيمة لوحاته .
ان جبر علوان اختزل العالم التصويري المرئي بالانثى أي انه اسقط افرازاته الثقافية والنفسيه والاجتماعية بكتلة لونية تشير الى انثى ذات خصائص مختلفة وهذه الخصائص تمثل الاشكالية التي نحن بصددها .
المرأة لديه معزولة ومنتظرة تحيطها الجدران ومشوهة النظرة وجهها غير مرئي ، اما تكون بعيدة عن الادراك الحسي للمتلقي ، او مرسومة بخدعة بصرية انها نائمة بخدر الترقب والانتظار او ناعسة اتعبتها الاقدار ، لّطخ وجهها بفعل الفرشاة او بفعل ذاتي ، تخفي نظراتها بيديها من دنس قد ارتكبته او من خجل المواجهة مع القدر ، لقد ادمنت الوقوف خلف نافذة او في مدخل باب او بجوار جدار ، تترقب منفذا للحياة او لوظيفة انثوية قد تؤديها برغبة الموت والانتحار والخلاص.
لقد تعمد الفنان من وخز انثاه بأفيون الاستسلام واستلب منها جرأة التمرد والانفلات ، المرأة هنا متلاشية بلو ن الثلج والبياض والعدم أي ليس لها كيان وكينونة في هذا العالم ..
انثى جبر علوان مستسلمة للانتظار والاداء السلبي بوصفها انثى ، انها تتكأ على مسند او جدار او على اكتاف رجل استلبها وكبلها لقيود واودعها الدهاليز المعتمة.
اللون الاحمر كما نشاهده على سطح لوحاته بكثافة يشير لمحرمات الحلم للافلات من قبضة قدر بيئوي وحياتي ومثيلوجي .
انثى جبر علوان شرقية الملامح والبيئة وقد اضاف لها سحنات وصفات (الاخر) فارعة الطول والبياض والشقرة والعرّي ، بتعبير اخر اختلطت سمات انثاه المجسدة فالواقع الحسي البصري للنظرة الاولى توحي بان هذه الانثى ليست شرقية ولكن بنظرة فاحصة تكتشف تكنيكا قد اوهم فيه المتلقي بان سحنات وسمات الانثى تنتمي الى بيئة اخرى و بالرغم من ترف ملامحها ومكوناتها تكتشف فيها بؤس الشرق طاغيا على هذا الترف الصنيع ورغم الوهج اللوني وطرافة التجسيد ودهشة المتلقي للفضاء السحري للوحته .
ان الاغتراب بدلالات الاختلاف الشكلي للانثى وسيميائية الملابس والاكسسوارات وملء فراغات سطح اللوحة بالديكورات والاثاث ليؤكد على حقيقة هذه الغربة المرسومة على وجه اناثه ودلالاته النفسية والاجتماعية والفكرية وهي اختزال لذاتية فردية التي توحي الى معاناة الفنان من قسوة الاغتراب ، فاقصاء المرأة ونفيها خارج الحياة هي بحقيقة الامر تأكيد من الفنان بوعي او دون وعي على هذه القساوة.
لم تشر لوحاته الى المرأة بوصفها أم أي قد اعطاها جدب وجور للامومة وهو تاكيد على الجمود وعدم فاعليتها وتجريدها من المشاركة الحياتية الايجابية أي ان المرأة هنا تلتقي عند نقطة السكون لا الحركة أي اراد ان يقول ان الذات مهما تعددت اشكالها فهي متقوقعة غير منتجة حضاريا وفكريا ووجوديا ، أي ان الذات خرجت بالاقصاء من لعبة المشاركة في البنية والصيرورة الاجتماعية والثقافية وهذا مجسد من خلال استغراقه للابعاد الثلاثة في لوحته ، انه لم يطلق الذات الانسانية ان تعتمل وتشارك في المحيط بل على العكس انه اوغلها في الداخل وكبلها وجردها من الحضور الانساني ليؤكد حقيقة العزلة بالاكراه وجرد الذات من الانتماء للمحيط حيث جعل من الثيمة( المرأة) واللون والفضاء ادوات فنية تعبيرية مجردة عن حقيقتها الانسانية المتعايشة بل جعل من الياته ادوات فنية يكررها ويستنزفها من هذا التكرار ، وخاصة عمل على استنزاف اللون عن طريق اعتصام اللون وبكثافة وحدّة للتعبير عن التظاهر والاحتجاج والاملاء على سطح اللوحة بالقسر المتوائم مع موضوعته ( التغيب والتهميش للمرأة – الانثى الحلم - ) للارائك والملابس والاكسسوارات الاعنف انوثة ، اما الجدران والنوافذ فأنها هامدة أي لاتؤدي وظيفتها كأشياء صنيعة للنفاذ والاحتماء والاحتفاء والاستقرار والديمومة والولادة ، انه يفصح من خلال ذلك ان شيئيات لوحاته هي نقطة البداية – الولادة- للنفاذ الى الفضاء الخارجي (المحيط) ليعبر عن ذاتيته والعالم الانساني ولاسيما اصرار الفنان على الانتماء للمحيط كمدخل لفعل المشاركة بالحضارة الانسانية كفن وفكر وجمال وبناء.