أصداء صوت خافت تنبعث منه رائحة الخوف قادمة من بعيد... تتسلل تلك الأصداء تباعا الي مسامع الرجل الراقد في فراشه بالطابق الأعلي من القصر .... يتململ الرجل وقد بدا الانزعاج يغشي ملامحه بالرغم من انه لايزال يغط في نومه العميق... بينما تتزايد قطرات العرق المتساقطة من جبهته الشاحبة مع تزايد الاصداء واقترابها... تتسارع انفاسه المضطربة ... ترتعد فرائصه المرتعشة... يفتح جفنيه بغتة محاولا الافلات بقوة من ذلك الكابوس الوحشي الذي يبتلعه...
ينتفض جالسا في فراشه الوثير محاولا استيعاب اللحظة.. يلتقط انفاسه ببطئ وقد تجمد الدم في عروقه... ثمة صوت طرقات مدوية تأتي من خلف الباب الحديدي الموصد بالخارج .... ينصت للحظة متمنيا ان تكون تلك الطرقات جزأ من الكابوس الذي فارقه لتوه...... تعود الطرقات تدوي من جديد... يدرك علي الفور انه لامحالة في عالم اليقظة الان..... ... يعلو صوت الطرقات يغمض عينيه... يتمتم محدثا نفسه/ وجوع البلا ولا انتظاره يا هواري... وجوع البلا ولا انتظاره ياخوي.... يفتح عينيه مستجمعا كل ما بقي لديه من شجاعة ... ينهص من فراشه متمتما/ وجوع البلا ولا انتظاره ياهواري وجوع البلا ولا انتظاره ياخوي.... يتجه مسرعا الي اسفل في خطوات هستيرية متخبطة.... يسرع الخطي في طريقه الي الباب الخارجي .... يقف واجما قبالة الباب للحظة ... يغمص عينيه يتمتم/ وجوع البلا ولا انتظاره يا هواري... يفتح عينيه... تمتد يده المرتعشة ليفتح متراس الباب الحديدي الموصود... يحدث المتراس صريرا عاليا يشق هدئة الليل .. يرتطم صداه بجميع جنبات القصر الكبير... يفتح الباب علي مصرعيه .. يفتح هواري عينيه متوجسا ... يستجمع كل ما بجعبته من شجاعة... يحاول ان يزج بقدميه المتثاقلتين الي الخارج يدفع بنفسه بقوة الي خارج القصر... يلتفت صمينا وشمالا ... لا احد في الشارع علي الاطلاق ... العتمة والسكون يخيمان علي كل شئ ... يخطو خطوة اخري للامام امعانا في الثقة ... يجول بناظريه في جميع ارجاء الشارع ... لاشئ ملفت للانتباه مطلقا ... يسير في خطوات عصبية حتي منتصف الطريق ... يعتلي الرصيف الذي يتوسط الطريق قبالة قصره... يرمق قصره بنظرة شاردة ... السيارات تنطلق بسرعة مذهلة في نهري الطريق في اتجاهين متعاكسين... يعرج بمقلتيه الساهمتين في السماء ..تتراقص عيناه بين النجوم في حركات هستيرية ... يرفع ذراعيه للأعلي .. يصرخ بأعلي صوته.../ وجوع البلا ولا انتظاره ياهواري ... وجوع البلا ولا انتظاره يا خوي .. واللي مكتوب عالجبين لازم تشوفه العين ياهواري ... اللي مكتوب عالجبين لازم تشوفه العين .... ويهوي هواري بمقلتيه من عنان السماء الي اجانب الاخر من الطريق لترتطم عيناه هنالك بشخص قابع بالظلام بينما ينتفض جسد هواري منتشيا وهو يشعر بطلقات الرصاص أشبه ماتكون بزخات من الثلج تنعش اوصاله...... ...... يتنفس الصعداء .. وهو يتمتم مخاطبا نفسه ... اخيرا مت يا هواري وارتحت ... يبتسم ابتسامته الاخيرة محاولا ان يفتح عينيه ليكتشف تدريجيا انه لا يزال حيا بفراشه الوثير بغرفته بالطابق العلوي بقصره الكبير.