قبل ان أخوض بموضوعي هذا أورد لكم حكايه لطيفه أحببت أن أرويها لكم لعلني فهمت منها مدى فهمنا لموضوع القوامه او عدم فهمه بمعناه الذي يجب على الجميع فهمه سواء كنا رجالا ونساء ، فقد روي :أن أعرابياً لماسمع النداء للصلاة ذهب إلى محل الوضوء الملاصق للمسجد، وأخذ يتوضأ للصلاة، فجاءهرجل آخر فضربه، فهب الرجل يسأل عن السبب، فقال له: إنك لم تصلِّ، فأجابه بأنهيتوضأ للصلاة، وأن الأذان ما زال قائماً لم ينته فرد عليه الرجل ببساطة: أعرف ذلكولكني استثقلك ولا أحبك. وهنا رد عليه الأعرابي بضربة أسقطته على الأرض، وقال: هذه بتلك. فمهما قيل لهؤلاء عن هذه المسألةفلن يقبلوا؛ لأن عقولهم ترفض الحجج والأدلة، مَثَلُهم في ذلك مثل من خاطب اللهفيهم نبيه ورسوله محمدا ً بقوله -عز ذكره- وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بهاحتى" إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين (1).
هذه الحكاية تنطبق على المغرضين الذين يوردون الشبه في مسألة قوامة الرجل على المرأة في الإسلام، ومنهم قلة من المتأزمينمن قومنا ممن أغرتهم بعض مؤلفات الاستشراق فغرقوا فيها
أما الجواب فإن القوامة تعني المحافظة، ومنه قوله تعالى إلا ما دمت عليه قائما (2). أيراعياً وحافظاً. والفقهاء إنما تطرقوا -رحمهم الله- إلى القوامة من جوانبها القضائية التي مناطها حقوق الزوجة من نفقة وحضانة وخلافهما.
والأصل في القوامة قول الله تعالى الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على" بعض وبما أنفقوا من أموالهم (3). وقد نزلت هذه الآية فيسعد بن الربيع أحد نقباء الأنصار وامرأته حبيبة بنت زيد بن أبي زهير فقد نشزت علىزوجها فلطمها فقال رسول الله : (لتقتص من زوجها). فانصرفت مع أبيها لتقتص منه،فقال رسول الله (ارجعوا، هذا جبريل أتاني) فأنزل الله -عز وجل- هذه الآية فقال رسول الله (أردنا أمرا وأراد الله أمراً وما أراد الله هو خير)(4). وقد يسأل الذينيوردون الشبه القوامة خاصة أن كثيراً من النساء -كما يقولون- أكثر قدرة في التدبيروالتصرف من بعض الرجال، وأن إعطاء الرجال هذه السلطة عليهن يعطل قدراتهن ومهاراتهن، ونحو ذلك من الشبه الكثيرة التي ما زالت تصك أسماعنا، ناهيك أن أصحابها جعلوا من هذه القضية أهم القضايا، خاصة في الدول المستضعفة، فصاروا ينادون بإفساح المجال للمرأة فيها لتعمل كل ما تريد دون أي حواجز، وهذه شنشنة نعرفها من أخزم، كمايقول المثل.
والرد على هذه الشبه يتمثل قطعاً في حكم الله الوارد في الآية الكريمة، وقد بين الله فيها أن لهذا الحكم سببين هما "التفضيل" و"الإنفاق". أما التفضيل فسببه الخصائص الطبيعية المتفاوتة بين الذكر والأنثى التي لا خيار لأي منهما فيها. ولا إخال أحداً له فكر وعقل ينفي هذه الخصائص، فالمرأة لا تستطيع العمل في الظروف والأوقات الصعبة، كما يعمل الرجل في أعماق البحار، وفي شواهق الجبال، وفي ظروف المناخ المختلفة، وفي قيادة الآلات الصعبة؛ لأن العمل على هذا النحو فوق طاقة المرأة بحكم خصائصها الجسمانية، حتى لو أرادت أو أريد لها ذلك. لقد حاولت قلة من النساء في بعض البلاد الغربية أن يسترجلن، فوضعن الوشم على أذرعتهن وأكفهن وأردن قيادة القطارات تحت الأنفاق، وقيادة السيارات الكبيرة وقيادة الطائرات ولكن هذه المحاولة لم تتعدى عدة نساء، لا تعد محاولتهن شيئاً يذكر فيمجال المقارنة مع قدرات الرجل وطاقته؛ ذلك أن الله لم يرد للمرأة أن تكون على هذه الصورة، بل أراد لها مجالاً آخر تختص به وتقدر عليه ولا يقدر عليه الرجل، فهي في هذا المجال مفضلة عليه كما سنرى .
أما السبب الثاني فهو الإنفاق، فإذا كان السبب الأول طبيعياً فهذا السبب سبب حكمي واجب على الزوج وحق للمرأة، فالزوج يترتب عليه مهر زوجته وهذا تكريم لها، ويترتب عليه نفقتها فيما تحتاجه من أنواع النفقة، فلو تخلف عن هذا الواجب حق لها طلب الطلاق منه، وعلى القضاء تمكينها من ذلك.
وكون المرأة تحت قوامة الرجل لا يعني أن ذلك حق يجعله يتسلط عليها أو يكرهها أويهينها أو يسلبها إرادتها، وإنما القوامة تمثل معنى الرعاية والإرشاد والتفاهم لمافيه صلاح بيت الزوجية، الذي يشترك فيه الزوج وزوجته معاً، ويكونان أسرة هي نواةالأمة وجهازها. وقد بيَّن الله هذه القواسم بقوله -جل ثناؤه- ولهن مثل الذي عليهنبالمعروف وللرجال عليهن درجة (1). كما بيَّن الأحكام المصاحبة للقوامة في قوله -عز ذكره- وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى" أنتكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا (2). وقوله -جل ثناؤه- فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان (3).
والذين يطعنون في قوامة الرجل على المرأة لا يستطيعون القول إن بيت الزوجية يسيّرنفسه دون قيّم قادر يقوم عليه، ولا يستطيعون أن يقولوا إن المرأة تقدر على تسييرها وحدها؛ لأنهم يعرفون أن طبيعتها وخصائصها لا تمكنها من ذلك، فلن تقدر على رد الاعتداء إذا حدث، ولن تقدر على تحمل تكاليف البيت وأعبائه إلا في حدود قدراتها،وهذا يتمثل في عدد من الأعمال، منها قوامتها على تربية الولد في صغره لتجعل منه أسرة صالحة ومستقيمة، ومنها تدبير شئون المنزل في داخله. والزوج بحكم طبيعته وخصائصه لا يستطيع القيام بهذه الأعمال؛ لأنها بطبيعتها من خصائص المرأة، فهذه في حقيقتها قوامة للمرأة في بيتها، ناهيك أنها قد تكون هي القيّمة في أحوال معينة، كسفر الزوج أو مرضه أو وفاته، فتكون حينئذٍ هي المسئولة.
وكما أن للقوامة تبعات على الرجل، فإنلها حقوقاً تتمثل في حقه في صيانة محل قوامته ورعايته؛ فإذا خرجت امرأته عن طاعتهفيما هو من غير حقها، كنشوزها أو إساءة معاملته كان له حفظ حقه، مَثَلُه في ذلك مَثَل الحاكم الذي يرعى شئون أمته ويصونها، وهذا يقتضي منها طاعته، وإلا تحول محل الحكم إلى فوضى، فهل يقول هؤلاء المشبِّهون بترك الأمة دون حاكم يحكمها ويصون حقوقها؟ وهل يكون هناك حاكم دون أن يكون له نظام يحكم به؟ فإذا قالوا هذا لا يجوز فالأمر كذلك للمرأة، إذ لا يجوز بأي حال أن تكون دون قيّم يقوم عليها، وإلا تحولت الأسرة إلى فوضى، وفي هذا قال عمرو بن كلثوم:
يَقُتن جيادنا ويقلن لستم *** بعولتنا إذا لم تمنعونا
من هنا تتهافت شبه المشبهين والمأزومين في هذه المسألة.
وخلاصة المسألة ان الأصل في قوامة الرجل على المرأة التفضيل والإنفاق. أما التفضيل فالسبب فيه تفاوت الخصائص الطبيعية بينهما، وهذه الخصائص فطرية لا يمكن تغييرها؛لأن الخالق جل وعلا قدّرها وقضاها. وأما الإنفاق فالسبب فيه حكمي أو كسبي وهو قدرةالرجل على الإنفاق على المرأة، فالزوج يترتب عليه مهر زوجته ويترتب عليه نفقتها،فلو تخلف عن هذا الواجب حق لها طلب الطلاق منه، وعلى القضاء تمكينها من ذلك.وقوامة الرجل على المرأة لا تعني تسلطه عليها أو سلبها إرادتها، وإنما تتمثل فيرعايتها وإرشادها والتفاهم معها فيما يصلح بيتهما، وقد بيّن الله قواسم القوامة بينهما في قوله -عز وجل- ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف (1).
وكما أن للقوامة تبعات على الرجل، فإن لها حقوقاً تتمثل في حقه في صيانة محل قوامته ورعايته، فإذا خرجت الزوجة عن طاعةزوجها فيما هو من غير حقها، كنشوزها أو إساءة معاملته كان له حفظ حقه، مثله في ذلكمثل الحاكم الذي يرعى شئون أمته ويحافظ عليها. والمراد أن شبه المشبهين تتهافت في هذه المسألة؛ لأن غايتهم كره أحكام الله وما لهم في ذلك من ولي ولا نصير.