النثر العربى بين الحداثة والقدم
الناظر فى تاريخ الادب العربى عامة يجد أنه قد تطور بشكل ملحوظ ، فأصبح أكثر تعبيراً عن الحياة والفكر ، كما تطورت أجناسه الأدبية وأصبحت ذات خصائص فنية وأسلوبية .
فالنثر العربى على سبيل المثال شهد تطوراً كبيراً فى الإسلوب والخصائص الفنية ، فمن مظاهر التطور التى نلحظها فى الإسلوب النثرى الحديث حلول ألفاظ جديدة لاعهد للعربية بها ، حيث حلت مكان الألفاظ القديمة التى إندثرت أو قل إستعمالها ، فنجد أن المصطلحات العلمية ومصطلحات الحضارة قد شاعت بكثرة فى النثر العربى الحديث .
فإن لتطور الزمن أهمية كبيره فى تطور الألفاظ حيث أن لكل زمن مصطلحاته الخاصه به التى تعبر عن الحياة اليومية والأدبية والعلمية الشائعة فى هذا الزمن أوذاك ، ويعد التطور العلمى ومستحدثات الحياة اليومية من أهم العوامل فى إنتاج مصطلحات جديدة تعبر عنها .
وقد لاحظ الباحثين مظهراً اخر من مظاهر تطور الإسلوب النثرى إذ دخلت الألفاظ الأجنبية بشكل ملحوظ فى إسلوب الكتابات النثريه الحديثة فمنها الذى ترجم عن لغات أجنبية أمثال لفظة "القطار" فهى فى الإنجليزية Train" " ، ومنها الذى تم تعريبه أمثال لفظة "كمبيوتر" فهى لاتختلف فى نطقها فى العربية عن مثيلتها فى الإنجليزية ، ولكن الإختلاف يكمن فى تغيير شكل وحروف اللفظة من لغه إلى أخرى.
وينطبق هذا التطور على التراكيب أيضاً فهناك تراكيب جدت وأخرى كانت موجوده ولكن زاد إنتشرها ، كل هذا على حساب الألفاظ التى أستعملت سابقاً فقد قل إستعمالها ، أو قل إندثرت واختفت .
كما كثرت الأخطاء اللغوية بشكل جداً ملحوظ فى الكتابات الأدبية من صرفية ونحوية ومعجمية ، رغم أن تعلم الأمور اللغوية الأن بات أسهل بكثير من الماضى حيث ألفت كتب كثيرة الأن تراعى السهولة واليسر فى تعلم العربية وقواعدها اللغوية ، إلى جانب إنتشار الركاكة اللغوية فى كتابات الكثير من الأدباء .
كما أن قدرة النثر العربى الحديث على التخلص من السجع والإزدواج وغيرها من المحسنات البديعية المختلفة ظاهرة تستحق الوقوف إزائها ، حيث كان الادباء يعدونها سمة من سمات النثر وخاصة فى العصر العباسى وأمتلئت أعمال الناثرين بتلك السمة ، فكان النثر القديم يطلق عليه النثر المسجوع أما بعد التخلص من المحسنات البديعية فعرف بإسم النثر المرسل ، والنثر المرسل لايحتاج إلى روية وتفكير على العكس من النثر المسجوع الذى يحتاج إلى قدر من الصبر والروية وعصر الذهن ، وقد ساعد على هذا التحول ظهور الصحافة التى تحتاج إلى السرعة فى الكتابة ، وغيرها من العوامل التى ساعدت على إنتشار الشعر المرسل .
وقد طغت العامية على الكتابات النثرية الحديثة بشدة على عكس النثر القديم بشكل خاص والأدب بشكل عام الذى كان للفصحى فيهما نصيب الاسد ، وقد ظهرت العامية فى الكتابات الادبية نظراً للدعاوى المتكررة باللجوء للعامية لأنها الأقرب للتعبير عن حياة العصر ومستحدثاته وأصدق من الفصحى فى التعبير عن النفس الإنسانية والحياة اليومية .
وتعد تلك الإ تهامات الموجهه للفصحى ليس لها أى أساس فالعربية قادرة على التعبير عن كل مايحتاجه المتحدث بها فى حياته اليومية ، حيث أن للعربيه وسائل عديدة تمكنها من تجديد نفسها بإستمرار كالإشتقاق والنحت والتعريب والترجمة والجذور اللغوية المهملة ، ثم أن العامية الداعين لها ليس لها تاريخ واضح لأن القدماء أهتموا بشكل كبير بالفصحى لغة القرأن التى تحدتهم وأعجزتهم ، فاللهجات العامية كثيرة جداً فعلى سبيل المثال مصر بها العديد من اللهجات العامية سواء فى ريفها أو قراها أو مدنها ، كما ان اللهجات العامية يصعب دراستها لإعتبارات عديدة ليس هناك متسع أن نذكرها الأن .
وقد ظهرت الدعوى للعامية عندما وقعت بعض البلاد العربية فى قبضة الاحتلال الأوروبى , وقدم المستشرقون للعمل والإقامة ومنهم القاضى الانجليزى لمور الذى دعى للعامية فى أحد كتبه عام 1902 ، وقد دعت أيضاً جريدة المقتطف إلى العامية عام 1881 ، وقد اقتصرت بعد ذلك العامية على أجناس أدبية بعينها كالقصة والمسرحية والشعر المرسل .
وشهد النثر الحديث مظهر اخر من مظاهر تطوره وهو الكتابة باللغه الأجنبية وقد أستخدمها بعض الأدباء ضمن كتاباتهم دون العربية ومنهم من أستخدمها الى جانب العربية ، ويرجع ظهور هذه الظاهره إلى المحاولات الجادة من الإستعمار لطمس كل الملامح العربية وقتل العربية فى نفوس وقلوب أبنائها ، لأنهم على علم تام أن العربية هى التى توحد العرب إلى الأن وإن كانت وحده شكلية حيث نجحوا بشكل كبير فى طمس معالم العروبة فى بعض البلدان العربية أمثال الجزائر والمغرب ، أما بقية الدول فيتفاخر أبنائها بتحدثهم للإنجليزية والفرنسية وغيرها من اللغات فى حين أنهم أهملوا العربية بل ويستعروا منها ، ولو علموا أنها السبيل إلى تقدمنا ووحدتنا مابعدوا عنها وأهملوها بهذا الشكل المؤسف .
وهناك من الأدباء من ينظمكتاباته باللغة الاجنبية لانه يقطن ويعيش فى هذه الدولة أو ذاك كى يفهم أدبه كشعراء المهجر وكان منهم ميخائيل نعيمة وجبران خليل جبران ، ومن مصر نجد الكاتبة أهداف سويف وغيرها من الادباء المصريين .
وسنكمل حدثينا المقالة القادمة عن أبرز الفنون النثرية التى نتجت عن تطور النثر العربى .
Posted from my iPhone using Joomla Admin Mobile!