توقفت طويلاً عند مقال بعنوان ( لقاء الدوحة أكبر مؤامرة على القضية الفلسطينية ) والمنشور في ( الكوفيه برس ) بتاريخ 16/1/2009 نقلاً عن مقابلة كانت قد أجرتها فضائية ( العربية ) مع السيد صالح القلاب – وزير الإعلام الأردني السابق والذي وصف ( قمة غزة ) بأنها أكبر مؤامرة على القضية الفلسطينية!!!، فإذا كانت قمة غزة حسب وجهة نظر السيد القلاب أكبر مؤامرة على القضية الفلسطينية فما هي وجهة نظره إذن تجاه كامب ديفيد بعد زيارة السادات لدولة صهيون !؟، ثم كيف سيفسر تداعيات أوسلو ومدريد ومن ثم أنابوليس على القضية الفلسطينية برمتها!؟، وأخيراً ما وجهة نظره أيضاً إزاء ما يجري من تدليس وتواطؤ عربي رسمي تجاه المذابح في غزة !؟.
لقد تباكى السيد القلاب عبر مقابلته تلك مع الفضائية ( العربية ) على منجزات منظمة التحرير الفلسطينية مؤكداً من أن تكريساً للانقسام قد بُـيـّتَ له في هذه القمة متناسياًً تماماً من أن تلك القمة التي نادى بها أمير قطر إنما جاءت تلبية وانصياعاً واستجابة لنداء الشارع العربي والإسلامي والدولي المتعاطف مع قضايانا المصيرية ومتجاهلاً في الوقت ذاته من حقيقة أن قمة غزة قد جاءت تداركاً لحالة الشلل الذي أصاب كلاً من جامعتنا العربية وأنظمتنا العربية على حد سواء إزاء ما يجري في غزة من مذابح صهيونية بحق أبنائنا الصابرين الصامدين رغم مرور أكثر من عشرين يوماً على بدء مجزرة غزة!!!.
لقد تحدث السيد القلاب حسبما نقله الموقع آنف الذكر عن منظمة التحرير الفلسطينية واصفاً إياها بأنها الممثل الشرعي والوحيد لشعب فلسطين ومنوهاً بأن هناك مؤامرة مبيتة لسرقة وطمس هذا الدور ، كما واستكثر السيد القلاب دعوة أمير قطر لقادة بعض الفصائل الفلسطينية الوطنية التي أخذت على عاتقها مهمة التصدي للمجزرة الصهيونية في غزة الصمود والإباء والشمم فوصف حضورهم ( في ظل قرار رئيس السلطة الفلسطينية عدم الحضور ) بأنه ترسيخ للانقسام الفلسطيني أولاً ومحاولة لطمس دور منظمة التحرير الفلسطينية ثانياً متناسياً بل ومتجاهلاً للحقائق التالية :
1- غياب شبه كامل لمنظمة التحرير الفلسطينية عن أداء أي دور دولي أو عربي قبل أن تقترف إسرائيل مجزرتها في غزة وأثناءها!؟.
2- كان أمراً طبيعياً جداً ومنطقياً أن تتم دعوة الفصائل الفلسطينية التي تصدت للعدوان الصهيوني وذلك من أجل الاستئناس برأيها وسماع وجهة نظرها لاسيما وأنها قادت معركة التصدي للمجزرة الصهيونية كما وقدمت قوافل الشهداء من صفوفها في هذه الملحمة ، وبخلاف ذلك كله فإن ( قمة غزة ) ستكون ( كسابقاتها من قمم عربية ) فاقدة للهدف الذي تمت الدعوة لها!!!.
3- لقد جاء جلوس قادة هذه الفصائل في أماكن كانت قد خصصت للمراقبين لوقائع المؤتمر حيث بقي الكرسي المخصص لدولة فلسطين شاغراً بعد امتناع رئيس السلطة الفلسطينية عن الحضور بحجة تعرضه لضغوط شتى من دول ( الإعتدال العربي !!! ) ومن دول غربية!!؟.
لقد مارست ما تسمى بدول الإعتدال العربية مختلف الوسائل والأحابيل والمماطلة بحق ( قمة غزة ) بغية عدم اكتمال النصاب المطلوب لانعقادها وذلك ( مخافة ) وقوع قادتها في المحذور المتمثل بصدور قرارات وتوصيات ستكون إنعكاساً طبيعياً للمطالب الجماهيرية العربية التي كانت تنادي وتطالب بضرورة قطع العلاقات العربية الصهيونية والتوقف عن التطبيع الرسمي مع الكيان الصهيوني مما يعني بالتالي تعريتها أمام شعوبها في حالة رفضها لتنفيذ تلك المطالب ، وذاك ما بينه بمرارة بالغة أمير قطر بخطابه المتلفز حين تحدث عن مراوغات عدم اكتمال النصاب بترديد عبارته الشهيرة والمؤلمة ( حسبي الله ونعم الوكيل )!!!.
لقد تناسى السيد القلاب بأن سمو أمير قطر كان قد وجه دعوة للسيد رئيس السلطة الفلسطينية لحضور هذا المؤتمر حيث آثر الأخير عدم المشاركة فيه رغم كونه رئيساً لأبناء غزة من جانب ولأهمية تواجده قي قمة تاريخية تناقش ما يجري لأبنائه في غزة كي يمارس دوره الطبيعي في الضغط من أجل صدور قرارات تدعم صمود أبنائه في غزة من جانب آخر ، والأنكى من كل ذلك ما كشفه الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها في مؤتمره الصحفي عن أسباب عدم حضور رئيس فلسطين حيث أوضح ملابسات الاتصال الهاتفي الذي أجراه معه في ساعة متأخرة شارحاً له أهمية حضوره باعتباره مسؤولاً عن أبناء شعبه في غزة فأجابه الأخير متذرعاً تارة بعدم اكتمال النصاب ، وتارة أخرى بعدم وجود تصريح له لمغادرة رام الله ( رئيس فلسطين ينتظر تصريحاً صهيونياً ليغادر رام الله !!!) لتأتي لحظة سقوط ورقة التوت أخيراً ليكشف عن السبب الحقيقي الكامن في عدم موافقته على المشاركة رغم أهمية المؤتمر حيث عزاها إلى حجم الضغوط الكبيرة التي يتعرض لها !!، فأي ضغوط تلك التي يخشاها رئيس دولة فلسطين ( بضفتها وقطاعها ) والتي تمنعه عن أداء دوره التاريخي والشرعي والإنساني في حضور قمة خصصت بالأساس لنصرة أبناء شعبه الذي يتجرع المنون ويلاقي الأعاصير والدمار في غزة ، وإزاء امتناعه عن حضور مؤتمر قمة غزة فإنني أتساءل لـِمَ لم يتحدث عن ضغوط مورست بحقه حين شد الرحال فشارك في اللقاء التشاوري الذي تم في شرم الشيخ بحضور قادة الدول الأوربية وبحضور العاهل الأردني والرئيس المصري!؟ ، وأتساءل أيضاً إن كان سيمتنع السيد أبو مازن عن المشاركة في مؤتمر الكويت!!؟.
وجواباً مني على تباكي السيد القلاب على منظمة التحرير الفلسطينية وشرعيتها وأنها تمثل كل أبناء فلسطين... فأتساءل ... أين منظمة التحرير الفلسطينية بواقعها الحالي من تلك المنظمة التي جاء تأسيسها كنتيجة طبيعية لنضال وجهاد آبائنا وأجدادنا وتضحياتهم كي تكون الضمانة الوحيدة لاستمرار الأمل الواقعي في عودة اللاجئين وإنجاز الدولة والتي حازت بنضال من تمثل وبتضحياتهم على اعتراف 104 دول حتى العام 1989!؟، وأي شرعية تمثلها هذه المنظمة بعد أن تم إضعاف دورها واختزالها لصالح السلطة الوطنية الفلسطينية التي جاءت كولادة ( سفاح ) غير مباركة لاتفاقيات أوسلو بعد أن ألغيت من ميثاق المنظمة بنود تدعو للتحرير والمقاومة فأصبحت بذلك جثة هامدة !؟, وأي شرعية لمنظمة استبدلت بسلطة في ليلة حالكة فانغمست تلك السلطة بعدها في متاهة مفاوضات عبثية كان من نتائجها وتداعياتها تضاعف حجم الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية، وسلب الجدار الفاصل الذي أقامته الدولة العبرية قطاعات واسعة أخري ، وزيادة وتائر تهويد مدينة القدس من أجل تغيير وطمس هويتها الإسلامية !؟، ثم أي منجزات تبقت لمنظمة التحرير الفلسطينية ووريثتها السلطة الوطنية الفلسطينية تلك التي راح يولول عليها السيد القلاب من خلال الوهم الذي تلبس فكره من أن تكريساً للانقسام قد بيت له في هذه القمة مصوراً للقارئ الكريم وكأن القضية الفلسطينية كانت تسير على طريق سوي مستقيم فكادت أن تقطف ثمار سلامة النهج فإذا بقمة غزة تأتي كالوحش المفترس لتطوح بأحلام الفلسطينيين !!!.
لقد أدرك الجميع ( العدو قبل الصديق ) لحقيقة تنازل منظمة التحرير الفلسطينية عن برنامجها ونهجها في الوقت الذي لم تستطع قيادة السلطة التي آل إليها إرث منظمة التحرير ( في غفلة من زمن ) على إجبار إسرائيل على تقديم تنازل عن برنامجها الصهيوني التوسعي مما يحيط بضلال الشك على مصداقية وكفاءة أداء قيادة السلطة وجديتها في عملها الناشئ عن غياب برنامج سياسي نضالي تتوافق عليه كل فصائل المقاومة والحركات السياسية الوطنية الفلسطينية مهما صغر شأنها ، ذاك الغياب الفاضح لبرنامج وطني سياسي والذي نتج عنه كما نعلم جميعاً :
1- شطب الميثاق الوطني ونبذ التراث الفلسطيني النضالي!!.
2- القبول بوصف التراث النضالي الفلسطيني بالارهاب من قبل المجتمع الدولي الغربي!!.
3- المراوحة في المربع الأول في مفاوضات عبثية وعدم احترامها وتقديرها لعامل الزمن الذي استثمرته إسرائيل في تحقيق أجندتها على الأرض ليصبح أمراً واقعاً في المستقبل!!!.
4- اعترافها المجاني والسهل بحق اسرائيل بالوجود والتوقيع على اتفاقات السلام دون ان تنتزع التزاما من اسرائيل بتفكيك المستوطنات والانسحاب من القدس الشرقية والاعتراف بحق اللاجئين بالعودة!!.
وقيل في الأمثال : الحق أبلج والباطل لجلج.