كنت أقرأ في مجلة الدكتور طه حسين "الكاتب المصري" مقالا لسلامة موسى يحكي فيه عن تاريخ بناء ذهنه ووجدانه..تمهل ، هل قرأت الكلام جيدا؟ تاريخ بناء الذهن و الوجدان ، يعني أن الرجل يحكي الخريطة التي سار عليها عقله ووجدانه فيحيط علما بأي المحطات التي فاق فيها وأيها التي ضعف فيها. الجميل أن الرجل كان يقدم ثقافة علمية ويكتب أسلوبا تلغرافيا تعلمه من ابن المقفع ، يعترف موسى بتأثره الشديد بأدب الدنيا والدين للماوردي ويؤكد أنه لم يترك حرفا للجاحظ إلا وقرأه ومع هذا فهو لا يعد نفسه - فضلا أن يعده غيره – أديباً.
أؤكد أن الجميل في سلامة موسى الذي اشتهر بإلحاده أنه كان يقدم
ثقافة علمية تجريبية سليمة نحن الآن في أشد الحاجة إليها حتى تكتمل حياتنا دينا ووجدانا وعقلا. الأغرب أن الرجل يؤكد أنه إنما يهدف بعلمه ودراساته وتأثره بداروين وغيره أن نعيش الحياة كما ينبغي والغاية هي الدين!!!!!!!! نعم ذهلت ودهشت..سلامة موسى يقول هذا؟!!!
نعم والله لقد قرأتها بعيني أن الغاية هي الدين بمعنى الأخلاق التي تحقق الانسجام مع معاني الحياة كلها. ألا فلا نامت أعين الجهلاء الذين يصابون بأرتكاريا كلما تحدثت عن حاجتنا إلى الإسلام والتمييز الصحيح بين التدين السليم والآخر الزائف.
سطوة عالم الدين أو بالأحرى من يتحدث باسم الله والأنبياء ربما تفوق ما عداها من السلطات. مائة ألف يستمعون إلى شيخ ذليق لسن ذرب اللسان يستنهض هممهم لكن ما الغاية يا ترى؟ الغاية هي الحديث المكرر عن الأمور الغيبية يعني ما نسميه في اصطلاح العلوم الدينية السمعيات ، وهي الأمور التي نتلقاها عن الوحي بالسماع لا بالمشاهدة أو الاستدلال العقلي مثل الجنة والنار والملائكة والجن.
الشعوب العربية والشعب المصري بصفة خاصة شعب متفرد ، ويشهد الله أني هنا غير متعصب لكني أحكي عن مصر بحكم أن معرفتي بها أكبر من معرفتي لأي شعب آخر. مصر التي استوعبت حضارات ولغات وديانات شتى ، وما ذابت بل ذاب فيها من احتلها. الإنجليز حكموا مصر أكثر من ثمانين عاما وما تكلم المصريون الإنجليزية بل تكلم الإنجليز العربية ، ونفس الشيء يقال عن اللغة التركية والأتراك برغم أن الأتراك قريبون لقلوبنا لأنهم يحملون الإسلام. لكن انظر ما حققته تركيا الآن وماليزيا وإيران بينما يصر العرب وحدهم على التراجع. ما أعنيه هو أن هذا الشعب المتفرد بثقافته وتاريخه العميق يستحق خطابا دينيا أرقى وأعظم.
الشاب الذي آتاه الله قوة وحماسة يبكي بحرقة خوفا من النار وطمعا في حور الجنة ويذهب بعيدا بعيدا عن مشكلات الواقع ...لا يلتحم معها ولا يبدع ولا ينتج شيئا سوى أن يبكي وينتحب مثل النساء الثكلى.
لا اعتراض على الحديث عن الغيبيات لكن حتى علم أصول الحديث نفسه يؤكد أن أكثر من تسعين من المائة من الأحاديث التي تتكلم عن الجنة والنار وفضائل سور القرآن باطلة وموضوعة.
طيب هذا الشيخ يحميه من سطوة نقدي تمكنه من اللغة العربية لكن ماذا عن جلة الشيوخ ، وبخاصة الدعاة الجدد الذين لا يحسنون ينطقون جملة واحدة صحيحة بالفصحى سيما وأني أؤمن أن الفصحى شرط في الدعوة لا عامية المصاطب التي يستتبعها استظراف الشيخ وترسله واستطراده في علوم الطب والكيمياء والفيزياء ليصير أضحوكة ويذكرنا بكلمة ابن حجر العسقلاني: من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب.
لماذا أؤكد على التمكن من العربية؟ يجيب الإمام الشافعي:" من كان ضعيفا في اللغة العربية فليس جديرا بالنظر في الشريعة الإسلامية."
كل هذا بل والأخطاء الفاحشة في قواعد اللغة وعلوم الفقه والتفسير والحديث ربما أتحملها بنفاد صبر لكن ما لا يسعني أن أتحمله هو أن يتصدر للدعوة والتأثير على الناس باسم الدين جهلة منافقون يكرسون الظلم والاستبداد والسرقة التي تعم أرجاء البلاد.
جرب بنفسك وشاهد أية فضائية دينية ستجد الداعية الوقور يكرر مراراً: اتصلوا بنا على الرقم الفلاني أو أرسلوا رسالة قصيرة على الرقم الفلاني كل هذا لأن الشهبندر صاحب القناة يتفق معه على أن له نسبة من المال الآتي من المعاتيه الفارغة عقولهم ، بل وتأتي رسائل كثيرة بها أمور مهينة لأشرف الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: تخيل رسالة يقرؤها الداعية بحبور شديد تقول فيها فتاة: أرجوك يا رسول الله ادع لي أنا أحبك وأتمنى أن أراك. ما هذا الهراء..هل رسول الله صلى الله عليه وسلم تصح معاملته كما يعامل الواحد منا شخصا عاديا. النبي صلى الله عليه وسلم شخصية مقدسة لا يصح أن يستغل هكذا وتحت عين الداعية وبسروره الأبله.
كل هذا أقوله لا لاصطياد الأغاليط وتتبع العورات لدعاة الفضائيات. أنا من حقي أن أعمل ملكة النقد التي حض عليها الإسلام في أكثر من ألف آية في القرآن الكريم تشدد النكير على الكافرين لأنهم لم يكونوا يعملون عقولهم ويفكرون. الأمر الثاني أن عالم الدين في بلادنا له سلطة ومهابة ونفوذ رهيب على المستمعين... فإما أن يكون على قدر المسئولية وإما أن يتنحى.
كنت في طفولتي أفتن بالشيخ الشعراوي - رحمه الله - لسطوته على الناس وتكرارهم لكلمة: الله الله يا شيخ وتمايله وتمايلهم معه ، ولما كبرت لم أعد أطيق أن أسمعه لماذا؟ لأني تعلمت وتبحرت في علوم الشرع فرأيت الرجل يكثر من الاستشهاد بأحاديث ضعيفة ومنكرة وموضوعة ثم إنه يعرج على الكيمياء والفيزياء فيتكلم فيها بينما أنه لم يدرس فيها صفحة واحدة بشهادته هو وكان في القسم الأدبي لا العلمي وعندما سئل عن موسوعيته الفذة قال الرجل: بالسماع...يا سلام!!! تتكلم في كل علوم الدنيا عن طريق السماع. والأدهى أن يخطيء الرجل أخطاء شنيعة منها أن يؤكد أن الله تعالى سخر الغرب للمسلمين هم يخترعون ويبدعون وينتجون ونحن نتمتع بما أبدعوه ونحن مستريحون...ما هذا الهراء يا رجل! الغرب الأقوى الذي يختطف العراق وأفغانستان وفلسطين والشياشان وغيرها في لمح البصر ويرهبك ويعلوك علما وفهما وإنتاجا خادم لديك وأنت الكسول العالة على الدنيا أو بالأحرى أسوأ أمة أخرجت للناس بعدما كانت خير أمة؟ تدعو المسلمين للكسل؟!!!!!!!!!!
أنا هنا لا أقلل من الشيخ الشعراوي ولا من أي شخص آخر ، أنا إنما أقرر أن خطورة الداعية وتأثيره الضار على أطفالنا وشبابنا وعوام الناس قد يصل بنا إلى الهاوية لو لم يكن جديرا بأن يكون متحدثا باسم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. يجب أن يعلو صوت علماء الدين للمطالبة بالعدل والأخذ بأسباب التقدم والنهوض الذي لن يبنى إلا على العلم لا الخرافة ، وعلى التجريب لا التخمين ، وعلى الترجمة الأمينة لما أبدعه الغرب إذ يدخل ما أنتجه الغرب في المشترك الإنساني لكل الناس.
لن أيأس...سأظل أنادي بأن نصحو ونفيق من غفوتنا الحضارية وأن نتخلص من اتكالنا على الماضي وحده.