منذ يدأت الحياة على الارض ، ارتحل الانسان في المكان، وانطلق عبر الزمان باحثا عن ذاته ، قاصدا جوهر وجوده.وبالرغم من محدودية الذات الزمانية وامتدادات الكينونة الوجودية، استمر الانسان في رحلته مستخدما اساليب ،ومناهج ، ولغات، وانظمة مختلفة.. والان، وبعد كل هذا الابحار في شرايين النفس واسرار الكون: هل رسى الانسان على شواطىء الذات والكينونة؟ أم تراه ما زال تائها بين سراديب الانا ودهاليز الدنيا؟
لقد انطلق الانسان في رحلته، منذ الازل، نحو الحياة بدافع الغريزة الوجوديه . ومر في مراحل عدة كانت تستدعي وجود ظوابط تنير طريفه وتقوده الى الهدف بسلام وأمان. ولقد اتخذت هذه الظوابط اشكالا مختلفه ، فمنها على سبيل المثال القبلية. وكانت ألاسس التي استندت اليها هذه الأنظمه في البداية... مادية، ولهذا السبب
عرفت بالأنظمة الوجودية.
ومع مرور الزمن بدأ الأنسان يدرك متاهات الضوابط الذاتيه، فأبتعد عن ذاته الى السماء. وكان لابد من وسيله توصله بالخالق، فبعث الله الرسل مبشرين ومنذرين، ومعهم انطلقت مرحلة الأنظمة الروحانية. ولفترة من الزمن ، بقيت هذه الأنظمة النبراس الوحيد للإنسان اثناء ارتحله في الكون. ولكنه عاد وابتعد عنها، واقترب من ماديته ،وغاص فيها الى النخاع منطلقا من جشعه المادي ، فوجد نفسه في وسط دوامة ما يُسمى... العولمة.والأن، وباعتبارنا الإمتداد والآنا المعاصرة لهذا الوجود الإنساني وجدنا انفسنا أمام هذاالنظام- الرأسمالية وقمة هرمها العولمة. فهل نتابع المسير بنفس الإتجاه أم نستخلص العبر من التاريخ ونغيرنقاط اسنادنا وضوابطنا في رحلتنا الوجودبة؟
قد يستغرب البعض من طرح هذا السؤال وفي هذا الوقت بالذات! فالعولمة لم يمضي وقتٌ طويلُ على اتخاذها أسلوب حباة للنظام الرأسمالي. هذا النظام، والذي في رأي الكثير من الناس، قد جلب التطور العلمي، والإزدهار الثفافي، والإنتعاش الإقتصادي بعد الحرب العالمية الثانية. هؤلأء الناس محقون في إدعائتهم ، فلقد رسخت الرأسمالية الآنا الذاتية القبيحة لديهم وعززت من توحشهم المادي؛ فربحوا الأموال الطائلة ، والشهرة ،والرفاهية ...ولعل هذه هي نقاط اسنادهم وجوهر وجودهم!. ولكنهم نسواجحافل المشردين في الأرض، والمبعدين، والمقهورين! وتناسوا الفقراء، والمعدومين، والمرضى، والثكلى، والأيتام، والمدمنين على المخدرات، والأوطان المغتصبة، والتعصب الأعمى ،وارهاب الطغاة.
نعم، إن عشاق النظام الرأسمالي وعولمته يحق لهم ان يتفاخروا بهذه الإنجازات الذاتية العفنة. ولكن نحن الأخرين، وانطلاقا من ذاتنا الإنسانية، يحق لنا ان تعتز؛ لإننا لم نخدع يوما بذاتنا القبيحة، وغرائزها الجشعة. ودائمأ كانت آلآنا ألانسانية الضابط لسلوكنا في ارتحالنا ...وستبقى كذلك. ولعل ما يُعزز إيماننا بالآنا الإنسانية الروحانية كمرجع ونقطة اسناد، هي تلك المشاهدات في حياتنا اليومية. والتي تشير إلى انهيار النظام الرأسمالي وعولمته ، كنهيار سوق الأسهم والبورصات، والركود الإقتصادي، وانتشار الأمراض المستعصيه كالأيدز، وازدياد المجاعه، والفقر، والعنف، وانعدام الأخلاق، وانحلال الأسر والمجتعات، وعجز العلماء، وشجع الأقتصاديين، وإفلاس الساسه.
هذه المشاهد والتي تثير الإشمئزاز والغثيان،لم تكن لتحدث لولا الأنانية الذاتية للرأسمالية.تلك الأنانية ، ومع مرور الزمن،اخذت في تجريد ذاتها من انسانيتها وصهرتها في بوتقة المادية المتعفنة. ثم توحشٌت لتأكل نفسها وتنٌهار... وهذا ما تأكده الأحداث المحيطة بنا.
ارتحل الإنسان منذ الأزل... وما زال في تٌرحال. ولكن، اذا أردنا أن نكمل الرحلة وان نصل إلى بر الأمان ، يجب على الإنسان أن يغير نقاط إسناده، ودوافعه، وظوابطه، وان يلفظ النظام الرأسمالي البالي، ويستبدله بنظام يستند الى الآنا الأنسانيه ، والتي شعارها:.
لِعش الفكر في الذَات لنحيا الحياة ، وليجسد في الوافع ِلنلمس الجوهر.