مهني في مجال التعليم بتونس يعقب على مقال

طباعة

مهني في مجال التعليم  يستدعي من لهم الملاحظة  بغاية الاستدراك....

طالعتنا جريدة الصريح الغراء ليوم الجمعة  المؤرخ ب14 فيفري 2014 بمقالة صغيرة عنونها كاتبها ب* أسبرينة لتكن صيحة فزع مدوية جدا *وذلك بالركن القار للجريدة الموسوم صالون الصريح.

واني لم أكن لأكتب في هذا الموضوع  برغم زحمة المواضيع المطلعة إلينا بتنوعها وكمها ودسامتها  ومصادرها مع  اشراقة كل يوم جديد ....ولكن أهميته ودقة المرحلة التي تمر بها بلادنا الطامحة بطبعها إلى اشراقة شمس التحرر والتقدم بل التخلص من رواسب عواهد الذل والكبت والجبروت عان منها هذا الشعب الأبي الذي أمسى خلالها مسكينا مقهورا مقموعا  لفترات طويلة سلطت عليه أثناءها جميع أنواع الظلم والاستبداد والاستعباد في مختلف مجالات الحياة ولعل من أهمها المجال العلمي والمعرفي على الإطلاق باعتبار هذا احد أهم وأنبل ركائز التقدم والتطور والازدهار ومبعثا جديا لمناسقة ركب الأمم الراقية ....

وحتى لا أكون مقصرا أو مغالطا لواقع يانع في تاريخ حياة بلدنا تونس المستقلة فقد كان للزعيم الراحل الحبيب بورقيبة أول رئيس للجمهورية التونسية السبق الأعظم في مراهنته على العلم والتعليم حيث أسس فيما أسس في بداية عصر حكمه الذهبي المؤسسات العلمية وقلاع المعرفة برغم قلتها آنذاك إلا أن كمها لا ينعكس على كيفها حيث اتسمت البرامج الدراسية أثناءها  بنوعيتها الجادة المعمقة انتدب لترسيخها وإيصالها إلى المتلقي وقتئذ من الناشئة التونسية من خبرات أهل البلد الكبيرة بل وأيضا تجاوزت ذلك لتصل حتى إلى استقطاب المتعاونين من رجال العلم والتعليم والمعرفة من مختلف أرجاء المعمورة الذين آنسوا إلينا وأحبوا بلدنا وعملوا هم أيضا على مساعدتنا على التخلص من الجهل وبراثنه بل الحرص كل الحرص على إخراج الشعب المنهوك في غياهب مستنقعات رواسب الاستعمار المقيتة إخراجه من الظلمات إلى النور بسلاح وحيد ألا وهو العلم ولا غير العلم ....لسرعان ما خاب ظننا مع تقدم عمر البلاد بعيد الاستقلال والذي تزامن مع تقدم الزعيم بورقيبة في العمر والاستفراد بالحكم واعتماده من حاشيته عند ارذل العمر من المارقين الأنانيين  القصيري النظر ....الشيء الذي تردت معه جميع الأوضاع بالجمهورية الأولى إلى أن بلغت ما بلغت إليه من وهن وعجز وقنوط وتقهقر.....

تواصل هذا الوضع بتحسن طفيف في المجالات الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد في عهد الرئيس المطاح به نظرا لالتفاف قوى خارجية من الأشقاء والأصدقاء لتونس ،هي أرادت الخير لبلد تاريخه ضارب في الأمجاد والتحضر بل وعملت هذه القوى على  مساعدة شعبنا لتخطي العوز والتحديات ولم يبق غير مجال العلم والتربية هائما تائها في مهب الريح تعصف به الرياح حيثما شاءت ....

فملاحظة كاتب المقال بأن التلاميذ عازفون عن التعلم وعن العمل المترتب عنه بل أن عدد هام منهم فقدوا الرغبة في الدراسة وهم يذهبون للتعلم مكرهين.....كله صحيح بل أن كل ما ذكر يشهد وللأسف تصاعد حثيث ويبقى السبب أو الأسباب التي جعلت من ناشئتنا تجنح إلى ما جنحت إليه ؟؟

قبل الإجابة عن هذا لعلي أجد نفسي مجبرا على استحضار مثال أو أكثر عما يحدث في مدارس أو معاهد في الخارج على غرار ايطاليا وفرنسا وغيرها  موازية لمدارسنا ومعاهدنا ...فالتلاميذ في أماكن من العالم كأوروبا مثلا عندما يذهب إلى قلاع العلم والمعرفة هذه لسرعان ما يأنس إليها بل تجتاحه رغبة عارمة في ارتيادها والبقاء فيها لما توفرت عليه هذه القلاع المعرفية من مرافقة حياتية تعليمية بيئية ثقافية صحية متقدمة متنوعة ترغب التلاميذ وغيرهم من الساهرين عليهم فيها هذا من ناحية ،ومن أخرى فالتلاميذ  المنتمين إلى هذه المؤسسات التعليمية لن تبخل عليهم دولتهم ووزارة الإشراف عليها بمدهم بجميع متطلبات العلم والمعرفة مسبقا وليس هذا فحسب بل وأيضا تسهيل كل احتياجاتهم وتوفيرها وبالمجان من نقل ومواد مدرسية وبحثية وإطار مختص حريص على الإضافة والتقدم بالعلم وجعل الناشئة تعيش مواكبة  كل ما جد جديد وكل ما تفرزه الحداثة وذلك  بأيسر السبل وأدقها وأسرعها ...ثم وبعد التخرج ونتيجة تفتح المدرسة على المحيط وبعد النظر لأولي الأمر المسئول على مرحلة ما بعد الدراسة المتناغم والمتناسق مع ما سبقه لسرعان ما يجد الشاب نفسه  يسهم هو الآخر في بناء ازدهار بلده مؤسسا لتقدمه وتميزه بما اكتنزه من معرفة وعلم لن يمحوها من ذاكرته وفكره زمن رديء ،زمن البطالة  واللامبالاة ....على غرار ما يحدث بين ظهرانينا ،حيث كل شيء وللأسف كان يؤسس للإحباط والاستسلام والتردي ....

كل شيء في سياسة التعليم في بلدنا يجعل من التلاميذ ومدرسوهم على حالتهم تلك من اليأس والقنوط والإحباط ولعل كل هذا جعل من الناشئة وخاصة منها الأجيال الجديدة تكن للمدرسة كل الكره والبغض حتى أنك أصبحت تلاحظ ما يقدم التلاميذ من فعله من تكسير وتحطيم للمكتسبات بمؤسساتنا التعليمية  حتى وان كانت قليلة بمجرد قيام مظاهرة أو المشاركة فيها ،فتلامذتنا تراها عنيفة مستهترة تحدوها روح النقمة والانتقام غير مكترثة بممتلكات الشعب والعامة وكل ذلك   نتيجة لما يحيط  بل يعصف حولها من رياح  الخنوع  والتردي ...

وهو لعمري من المظاهرة المخجلة المبكية التي تشهدها مدارسنا ومؤسساتنا التعليمية بمختلف أنواعها وأحجامها  ما لا تلاحظه بالمرة في بلدان أخرى متقدمة تراهن بجدية على التعلم والتربية ،حين حدا بأحد المعارف الذين التقيت بهم وهو من رجال الدين والقضاء ويدير مؤسسة محاماة وبعد أن احتد النقاش بيننا ذات مرة في مجال العلم والتربية والتدريس أجده يسر لي وهو يطلعني على كتاب بين يديه موسوم *التربية في إسرائيل...*بأنه لوكان وزيرا للتربية لطبقت ونفذت كل ما جاء في هذا الكتاب بحذافيره وهو يشير إلى الكتاب المذكور سلفا لما اتسم به من تنوع وثراء وفكر إبداعي تربوي  متميز يفيد الناشئة ويتقدم بالبلاد بل ويؤسس لاجتهادات معرفية علمية ضاربة في الثوابت والأسس العلمتقنية الطويلة الأمد لما فيه ضمان لترسيخ كل  أسباب الرقي الذي تنشده المجتمعات ، مثلما هو الشأن لإسرائيل أحب من أحب وكره من كره ...وفي النهاية فزعك يا أستاذ الوسلاتي في محله جدا ؟؟؟واني أرجوا  ولا أقل أتمنى لأن الرجاء يمكن أن يحدث على عكس التمني أن تكون إطارات وزارة الإشراف والدولة على بينة من تردي الأوضاع التربوية نتيجة سياسة تربوية مستهترة ،غير حادة مع كامل الاحتراز أفقدت العلم والتعلم وأهل العلم والتربية مكانتهم الاجتماعية والنضالية بل أفقدتهم روح القدسية الذين يفخرون ويتميزون  بها .

                                                             الأستاذ لطفي بن العجمي الخروبي

                                                المستشار القانوني لجمعية أساتذة التعليم التقني