قامت قناة فور شباب بإجراء حوار مع المفكر المغربي الكبير الأستاذ المقرئ الإدريسي أبو زيد، تنَقَّل به مقدم برنامج علامات الأستاذ أبوهيبة على مدى ثلاث حلقات؛
من الطفولة في مدينتي مراكش والجديدة، وأجواء الأسرة، مرورا بالدراسة الجامعية بالرباط، إلى التدريس بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، في حديث شيق أرجعني عشر سنوات إلى الوراء حينما كان يحضر الأستاذ المقرئ الإدريسي إلى مدينة فاس ويحاضر في مدرجات كلية الحقوق والعلوم الاقتصادية، وكان المدرج يمتلئ عن آخره، ويقف الطلبة والطالبات في جنباته و في آخره، بل في كل زاوية وركن منه،
إلى درجة أننا كنا نحضر الطاولات والكراسي من المدرجات الآخرى، ونستعين بالشاشة لنقل المحاضرة إلى الطلبة الواقفين خارج المدرج والذين لم يجدوا مكانا لهم داخله.
والحق أني لم أَرَ رجلا رُزق من الفصاحة والبلاغة وحب الناس له، مثل ما حظي به هذا الرجل، والحقيقة الثانية، وهي حقيقة مرة، مفادها أن في المغرب عظماء، ولكنهم يعيشون مغمورين تقريبا، ويموتون دون أن يستفيد من علمهم إلا القليل.
وأنا أتعجب لوسائل الإعلام، هذه التي اشتغلت بتوافه الأمور وسفاسفها، وأنا لا أقصد قنوات الرقص والخسف والمسخ، وإنما أعني بذلك القنوات التي تزعم أنها تهدف الإصلاح والتغيير، والنهضة بالأمة.
كيف لا يخصص لمثل هذا العَلم الفذ برنامجا ولو شهريا لنقد العقل العربي والعقل المسلم الغارق في أتون الجهل والتخلف والانحطاط على جميع المستويات والأصعدة، والأدهى والأمر هو أن يٌمَكَّن لمن يعمق هذا الخلل حتى في القنوات المسماة دينية أو إسلامية.
لقد استطاع علماونا ومفكرونا في المغرب وضع أسس علمية منهجية للعقل بما لديهم من إلمام بمختلف العلوم النقلية والعقلية، بما يمكن الشباب المغربي من التفكير السليم.
ولكن أثرهم للأسف ضئيل، نظرا لما أصاب وسائل إعلامنا من عمى الألوان، فلا ترى إلا ما يحلو لها، ناهيك عن تلك التي مثل الكوز مجخيا، لاتعرف معروفا ولا تنكر منكرا.
هل علينا أن ننتظر برنامج في قناة فور شباب لنتعرف على مفكر من مفكرينا؟ أم هل ننتظر عزرائيل حتى يقبض روح فريد الأنصاري حتى نعرف مفهوم الوحي، ومفهوم من القرآن إلى العمران ونتذوق جمالية الدين وحلاوة الصلاة...؟؟!!
أم هل ننتظر حتى يكرم الدكتور أحمد الريسوني من طرف مجمع الفقه الإسلامي لكي نعرف أن لدينا أكبر خبير في فهم مقاصد الشريعة الإسلامية على مستوى العالم كله ؟؟!!!
هل يجب أن تُدَرَس كتب هؤلاء في أمريكا، وماليزيا، وفي الغرب والشرق، ونحرم نحن من علومهم وفكرهم؟؟
ما هي القدوات التي سنقدمها لشبابنا عوض ذلك؟ وماهي العلامات والمنارات التي ستضيء طريقنا إن نحن فرطنا في أمثال هؤلاء؟
هل الناس كما يقول أساتذتي مالك وجودت وخالص تتعلم بالمعاناة؟
هل يجب على الشباب أن يتيه ويضل، ويذهب يمينا ويسارا، ويرتكب المنكرات ويقع في المحظورات، ويعمل التفجيرات حتى نستفيق و نرجع إلى الطريق؟؟!!
هل الإنسان مكتوب عليه الحسرة والندامة طوال حياته؟
هل يرى البعض أمثال هؤلاء مجرد سحرة ومجانين؟
كيف تتكون العقلية الدوغمائية التي تؤمن بالفكرة ونقيضها في الوقت ذاته، وفي اللحظة نفسها؟
هل أصبحت وسائل الإعلام مثل سحرة فرعون، يصنعون السحر ويصدقونه؟
هل نحتاج إلى موسى جديد، كي يكتشف أرباب هذه التماثيل زيف صنعهم، فيسلموا لله رب العالمين؟؟!!
إلى ذلك الحين أدعوكم للإصغاء إلى الأستاذ المقرئ الإدريسي عبر قناة فور شباب، لتجدوا مثالا لشاب مغربي من طبقة فقيرة كيف استطاع تكوين نفسه، ليحصل على المرتبة الأولى على صعيد المغرب، وليكون أصغر أستاذ جامعي، ومن أكبر المفكرين المغاربة والعرب على الإطلاق.