وقف على الرصيف، مشاهد الشارع العام تمر كعادتها، بدأ يتأمل البناية العالية، هي قبالته تحدث ظلا وصل إلى أرجله، علم أن اليوم في بدايته ، عيناه تواصلان التأمل ، حينها ورقة تسقط من الشباك العلوي للعمارة، أصبح يعد خطوطها المتمايلة، وضع أرقامه الخاصة في خياله على من سيأخذ تلك الورقة حينما تسقط ، وصاح مع نفسه:
ـ
على من ستسقطين ؟ أراك تحملين سرا...
عيون الآخرين على الرصيف ترمي بنظراتها إلى المتمايلة القادمة من البناية.
كل يصيح في داخله:
ـ على من ستسقط هذه الورقة؟
لا أحد يدري أن الآخرين ينتظرون، السيارات تقف غير منتظمة، حافلة ضخمة تقف يخرج منها الركاب، أبواب العمارات الأخرى مكتظة، الواقف على الرصيف مازال ينتظر ذلك المشهد، وفي نفسه ذلك السؤال المتأرجح بين انسياب الورقة، وسبب الانتظار...
لم يكن يأبه أحد بأن أوراق الأشجار تأخذ نصيبها من السقوط ، وبعدها عاصفة أخرى تمزق جذور الغصون، وتتنازل المتمايلة عن المهمة، لتطير بعيدا عن الأعين، الكل في هرولة ليشد رداء الريح التي أخذت منهم السر الموعود، المارة والركاب يجرون يحملون الأثواب في أفواههم، الورقة تطير بعيدا عن المدينة كأن البحر يلاحقها، الواقف على الرصيف يجري ويتأمل المشهد الذي حوله ويصيح:
ـ علها تسقط علي...
آخرون:
ـ علنا تسقط علينا...
وتسقط الورقة في بركة ماء، هو يحاول أن يمزق حروفها...
طفل يجري من بعيد ويصيح:
ـ احضروا القارب
تذكروا جميعا أن الطفل أذكى، أحضروا قواربهم، الواقف على الرصيف مازال يتأمل المشهد، مسح الطفل الوحل المترامي على الورقة، وقرأ ما كتب:
ـ مني، المنتحرة في الطابق العلوي، إليكم رسالتي، أنتم مجرد وقت ضائع، لا بد من النهاية، ونهايتكم قريبة..
ربما وقع ذلك في خيال ما...
إدريس الجرماطي