افاق من نومه على دقة الساعة وذهب كالمعتاد لياخذ حمامه "الدافىء" وبعدها ارتدى البالطو الابيض وخرج من غرفته الى "ميز" المستشفى التى يعمل بها
الدكتور "حسن" مثالا لشاب ناجح تفوق دوما فى دراسته وبعدها التحق بكلية الطب وكان من اوائل دفعته وبعدها كما تعلمون امضى سنة " الامتياز" وانا شخصيا اسميها سنة " الاختلاس" وذلك لان الدولة تختلس هذه السنة من كل طالب فى كلية الطب
فى " الميز" كان يجلس دائما مع المرضى " المجانين" والذين جنانهم من النوع الهادىء الذى تستطيع معه ان تطمئن لرقبتك من ضربة سكينة
ولغرفتك من "حريقة" على سبيل المزاح
وهو يتناول طعامه تذكر ايام " الشقاوة" فى الكلية وراودته صور قديمة لم ينساها يوما وهو يمرح مع زملاءه فى رحلة الكلية فى الاسكندرية ويتناوبون القاء النكات طيلة النهار بمعسكر "باجوش" والذى امضى فيه اجمل رحلة فى حياته
كشاب متفوق ومجتهد وينوى الالتحاق بقسم الجراحة فى ذاك الوقت لم يكن لديه وقت لان يعيش قصة حب او حتى ان يلاحظ اهتمام اى من الزميلات به
وعلى نحو اخر فان هذا الانشغال رسم له صورة شاب " تقيل" وهذا ما جعل اغلب الزميلات يحلمن بان يصلن لقلبه الذى لا يصل اليه احد
كان ياكل فى هدوء وهو يراقب المرضى من حوله ويبتسم احيانا لتصرفاتهم " المجانينى" ولكنه كان يخفى تلك الابتسامة خوفا من تحول اى منهم الى الجنان الغير هادىء والذى ان ظهر قد تضيع احدى عينيه خصوصا فى حضور ادوات المائدة ،،،،،،،،،،ء
صوت غليظ سمعه بالقرب من اذنه وضايقه بشدة " الفول ناقص ملح يا "ليلى" التفت ليجده عم " جودة " الحارس يلوم على "ليلى " المسؤولة عن الطعام
"ليلى" تذكر الاسم واتسعت ابتسامته وظهرت "النغزتين" فى خديه وقد رفع عينيه الى الاعلى وراحت عينه ناحية اليمين وقد مال بوجهه وهو يتذكر ايامه معها
هى الفتاه التى استطاعت ان تصل الى قلبه بكل سهولة فقد كانت رقتها كافية لجذب انتباه دفعه باكملها وليس طالب متفوق مشغول فقط
عاش معها اجمل سنة فى حياته ولم يشك للحظة فى انها ستكون يوما ما من نصيبه
فاهله اغنياء جدا وهو سيصبح طبيبا مشهورا كأبيه وهى "بنت ناس " وستكون طبيبة ايضا وبذلك ليس هناك ما يعوق تلك الزيجة اطلاقا
انتبه انه توقف عن الطعام وهم يقومون بحمل الاطباق الى المطبخ بعد انتهاء وقت الافطار وترك الخبز من يده واتجه الى الحديقة ليستكمل ذكرياته التى طالما عاش عليها ولم ينسها يوما واحدا ربما
علاقته بها كانت راقية الى اقصى حد فهى علاقة لم تشوبها شائبة على الاطلاق ولا خلاف واحد من يوم ان عرفها ولا حتى تاخر احدهما دقيقة واحده عن موعد بينهما حتى انه لم يفكر يوما فى ان يلمس يدها او ان يقول لها كلمة غزل قد تجعله يبدو وكانه يخاطب انوثتها
فانه كان دوما يرى براءتها ورقتها ولكنه ابدا لم ينظر لها نظرة رجل لامراة بما تحمله النظرة كهذه من رغبة لم يكن يراها ملائمة لما يشعر به وحتى ان كانت ملائمة فانها لا تتناسب اطلاقا مع فتاه كهذه وقد طغت البراءة على ملامحها والرقة على نبرة صوتها
وبعد انتهاء سنة التخصص وتخرجه من قسم الجراحة الذى تمناه وتخرجت هى من قسم "النساء والولادة" وجد نفسه فى قرية بعيدة فى الصعيد لم يسمع عنها يوما ما ليكتب عليه ان يتم سنة الامتياز هناك
وابتعدا طويلا عن المقابلات نظرا لابتعاد المسافات وكلم كل منهما اهله على اتمام الخطوبة بعد انتهاء " الامتياز" مباشرة ، وفى اجازة قصيرة جدا ذهب الى القاهرة وكله شوق الى ذلك اللقاء الدافىء بعد غياب دام اكثر من ثلاثة اشهر
- اتته تلك السيدة البدينة بكوب الشاى الخاص به وقاطعت افكاره " اتفضل يا دكتور" قالتها وقد شعر انها تغازله بابتسامة عريضة كما تفعل كل يوم ، حتى انه كثيرا كان يشعر انها تضحك بصوت خافت بعد ان تعطيه الكوب وتستدير ،،،،،
حادث " ليلى " فى الهاتف وحددا موعدا فى اليوم التالى ، ثم تكلم مع اصدقاؤه وقرروا ان يتقابلوا فى المقهى فى نفس الليلة ، جلس مع اصدقاؤه وقد بدا عليهم شىء مريب
لاحظ اعينهم جميعا تتهرب منه عندما ينظر اليهم ، شخصيته كانت قوية ولكن ليس الى حد ان يخشى اصدقاؤه ان يتكلموا او يمزحوا معه ، سألهم فى وضوحه المعتاد
- فى ايه يا جماعه ؟ انا حاسسكو عاوزين تقولوا حاجة ؟ "
- لالالالالا مفيش يابو على ،،،، هيكون فى ايه يعنى - قالوها جميعهم عدا واحد هو "حازم" اقرب اصدقاؤه
- حازم --- من فضلك تعالى عاوزك
قام معه حازم الى خارج المقهى وقد وضع وجهه الى الارض وساله "حسن فى شدة وعنف ايضا " فى ايه يا حازم ؟؟؟"
- وبعد محاولات مضنية منه ليعرف ماذا يخفيه الجميع ، لم ينطق "حازم" ببنت شفه – فقط اكتفى بفتح جهاز المحمول الخاص به وقام بتشغيل ملف فيديو ثم ذهب عائدا الى مقعده فى المقهى
- جحظت عينا " حسن " وهو يشاهد ذلك المقطع وقد رآها فيه فى مشهد لم يكن يتخيله وقد اختفت الكاميرا المصورة عن علمها وشخص مجهول يقبلها و يتلمس مفاتنها وقد اغلقت عينيها مستمتعة بذلك وملامحها تصرخ بقوة بانها اخيرا شعرت بانها انثى ،،،،،،،،
وقع الهاتف من يده قبل ان يسقط ارضا ويهرع كل من فى المقهى لافاقته ،،،،
لم يشعر بعدها باى شىء ولم يدرى كم من الوقت غاب عن الوعى وفى كل مرة يطوف بذكرياته يتوقف عند مشهد سقوطه لانه لا يتذكر ما حدث بعد ذلك وقرر بعد ذلك انه لن يحب اطلاقا ولن يتزوج ابدا
ولكن شيئا واحدا اثار انتباهه "اى دولة هذه التى تقتل الاحلام بذلك الشكل ؟؟ "
يجتهد ويكد ليصبح جراحا ماهرا عالميا ،، وتلقيه الدولة بعد عذاب سنة الامتياز بمستشفى الامراض العقلية ليعمل فى وظيفة لا تمت له بصلة ؟؟
قام وقد انتهى من كوب الشاى وكله حماس ان يغير هذا الوضع الذى لا يرضى امانيه وطموحاته ، يكفيه بانه خسر قلبه لكنه ابدا لن يخسر طموحه وامله وعلمه
انطلق فى ثبات الى مكتب المدير الذى طالما قال له " يا دكتور البلد هنا كده ،، بتشغل الناس فى الاماكن الفاضية ،، مش على حسب المؤهل "
دلف الى مكتبه فلم يجده ،، فعادة يتاخر المدير عن المستشفى فى الصباح وبالتالى عن الافطار ،،،، فجلس منتظرا قدومه وذهب ناحية " الكاسيت" وقام بتشغيله ليشدو " حليم" انا لا اذكر شيئا عن حياتى الماضيا – لى ذات غير انى لست ادرى ما هى "
عاد مرة اخرى الى الكرسى الوثير المواجه لمكتب المدير واسترخى فيه منصتا الى الاغنية ، ومد يده يعبث بالاوراق والملفات على المكتب ليجد ملف المرضى بالمستشفى
تصفح الملف ليجد الصفحة الاولى ل " عصام مجدى" ذلك الرجل الذى فقد عقله بعد خسارته امواله كلها فى البورصة
- الثانية " طلعت ممدوح" المهندس الذى وجد زوجته على الفراش مع اخوه الاصغر
- " محمود امين " المحاسب الذى يعانى من الاكتئاب الشديد ومحاولات الانتحار المتكررة بعدما فشل فى الزواج ووصل سنه للاربعين
قلب فى صفحات الملف وهو يبتسم للقصص الذى سمعها من المرضى الاف المرات ،، فهو يعرفهم جميعا ويعرف ما يعانون منه
صفحة وصفحه وصفحة وهو يتابع الصور ويتعجب لاشكالهم قبل دخول المستشفى ويقارنها باشكالهم وملامحهم الجديدة بعد جلسات الكهرباء وادوية علاج الاعصاب و---و-----و-----و----
وعبد الحليم يشدو باغنيته الرائعة " لست ادرى " وهو يقلب فى الصفحات حتى وجد صفحة كتب عليا
" حسن عبد الحميد الحوفى" طبيب جراحة – فقد عقله نتيجة صدمة عصبية شديدة – يعالج فى المستشفى منذ ست سنوات ولا امل فى شفاؤه