واستقامت
كانت كلما تعثرت بأمل حلم تطمئن ، بأن الفرح وشيك ، أقرب من قوس أو أدنى ، بل هي أقرب إليه من حبل الوريد.
كان يطمئن فؤاذه المكدود منذ ستين حولا ، ويواسيه ، إذ لايملك غير مواساته وسلوانه ، ولا شيء غير ذالك ، ولكي يريحه كان يلجأ إلى ظل نخلة تسقى من ماء البحر اللجي ، أو إلى تلك البقايا من أدواح الزيتون ، بعدما اجتثت في غير رأفة.
كان يشعر بأن كلا من النخلة و الزيتونة لابد أن تمنحاه بعضا من هالة حلمه ، ليتوج هامته بإكليل سماوي اللون
فجأة أحس أن شيئا ما يتورم بين جنبات فؤاذه ، ذالك الشيء لم يتوقف ، ها هو يكبر ، ويتورم ، ويكبر ، حتى ضاق صدره ، فاستسلم لغفوة قسرية ، لم يفق بعدها قط
مر به رجال في غير مبالاة ، ونسوة في تيه ، أغراهن تمايس قدودهن ، وانكسارها تحت أشعة الشمس ، قهقهن ومضين يداعبن الجرح ، و صبيان وهم يطايرون طائراتهم الورقية ، وكل واحد منهم يحلم بأن يصبح يوما ما طيارا يبدد هذا الضباب ؛ ومر به أخيرا رجل أشعث أغبر ، نزع قميصه المبرقع بخرق من قوس قزح ، وغطى به الجسد المسجى بين البحر والشاطيء ؛ وهو يبتسم:
مسكين أتعبه صبره ، حتى إذا ما رأى شديد تجلده انتحر.
ثم خط على الرمل
هذا قبر شهيد انتحر صبره في جوانه
ومضى غير آبه بأحد