عابرون بلا أثر !!!
استوقفني ذلك الإعلان عمن يعبرون ولا يتركون أثراً لوقع أقدامهم، ولا يتركون أثراً في غيرهم،ولا يتركون أثراً يدل على مسيرهم،يمرون كالنسيم ولا يشعر بهم أحد،أو كالعطر الفواح إلى أن يختفي أثرهم في الحياة بعد قليل، ولكم يأ خذني هذا المعنى إلى رحاب الحياة الواسعة، وكيف لنا أن نترك فيها أثراً يدل على أننا كنا نحياها يوماً، قد يمر بك طيف إنسان ويترك فيك أثرا ربما يغير مجرى حياتك، وقد يستوقفك موقف ينقلك إلى عالم آخر، وقد تصادف أو تصادفين من يغيرون ثوابتك، ويهدون أركان مسلماتك لأنهم تركوا فينا أثراً كان أوقع على النفس وابلغ من أي شئ آخر، وقد يمر بنا أناسٌ ويخلِّفوننا بلا أثر، وكأنهم لم يكونوا شيئاً، لم يتركوا أثراً يدل على المسير، ولا بعراً يدل على البعير، لقد عبروا ولم يتركوا أثراً، وقد تلقى إنساناً ولو للحظات لكنه يترك أثراً يبدل حالك،ويعدل شانك، لكن العابرين بلا أثر ما أكثرهم في دنيا الناس، ملايين البشر يموتوا بلا أثر، وملايين البشر يولدون بلا أثر، ويعيشون بلا أثر، ويموتون بلا أثر،تفزعني هذه الصورة حين أتخيل أنني بلا أثر، أو أننى قد أترك الدنيا بلا أثر، وقد يعيش غيري ربما ربع عمري لكنه يترك أثراً يحيى النفوس، ويوقظ الهمم، ويذيب جبال الثلج لأنهم أثرهم كان بالغاً، كلما تخيلت أن بيني وبين الحياة أن أمضى بلا أثر، أسأل نفسي سؤالاً ، ماذا تقول لربك حين يسألك عن شبابك، وعن صحتك، وعن مالك، وعن علمك ماذا عملت، وماذا تركت، وماذا قدمت فلا أجد جواباً كافياً، ولا أجد علاجاً ناجعاً، أخاف أن أترك أثراً لايُمحى لكنه قد يكون على الجانب السلبي، وأخاف أن لا أترك أثراً على الجانب الإيجابي، إنه الأثر الذي جعل أهله بين الناس غرباء، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال :كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وطلعت الشمس فقال :يأتي الله قوم يوم القيامة نورهم كنور الشمس ، فقال أبو بكر ،أنحن هم يا رسول الله ؟ قال لا ولكم خير كثير ، ولكنهم الفقراء والمهاجرون الذين يحشرون من أقطار الأرض وقال طوبى للغرباء ، طوبى للغرباء ، طوبى للغرباء ، فقيل من الغرباء يا رسول الله ؟ قال: ناس صالحون في ناس سوء كثير ،من يعصيهم أكر ممن يطيعهم . رواه أحمد في المسند وقال الشيخ أحمد شاكر : إسناده صحيح وانظر الصحيحة 1619.
إنهم على قلتهم قد تركوا أثراً لا يُمحى، ونوراً لا يخبوا، وأنهاراً لا يجف ماؤها، ولله در بن القيم رحمه الله تعالى حين حدّث عنهم فقال : وقال إبن القيم : (( فهؤلاء هم الغرباء الممدوحون المغبوطون ولقلتهم في الناس جداً سُمُّوا غرباء ، فإن أكثر الناس على غير هذه الصفات . فأهل الإسلام في الناس غرباء . والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء . وأهل العلم في المؤمنين غرباء ، وأهل السنة -الذين يميزونها من الأهواء والبدع- منهم غرباء . والداعون إليها الصابرون على أذى المخالفين . هم أشد هؤلاء غربة . ولكن هؤلاء هم أهل الله حقاً ، فلا غربة عليهم ، وإنما غربتهم بين الأكثرين ))
فهل يكون عبورنا فى الحياة بلا أثر ؟؟
د.إيهاب فؤاد