الزائر الكريم: يبدو أنك غير مسجل لدينا، لذا ندعوك للانضمام إلى أسرتنا الكبيرة عبر التسجيل باسمك الثنائي الحقيقي حتى نتمكن من تفعيل عضويتك.

منتديات  

نحن مع غزة
روابط مفيدة
استرجاع كلمة المرور | طلب عضوية | التشكيل الإداري | النظام الداخلي 

العودة   منتديات مجلة أقلام > المنتديـات الثقافيـة > المنتدى الإسلامي

المنتدى الإسلامي هنا نناقش قضايا العصر في منظور الشرع ونحاول تكوين مرجع ديني للمهتمين..

إضافة رد

مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان)
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 24-11-2007, 11:47 PM   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
إبراهيم العبّادي
أقلامي
 
الصورة الرمزية إبراهيم العبّادي
 

 

 
إحصائية العضو







إبراهيم العبّادي غير متصل


إرسال رسالة عبر MSN إلى إبراهيم العبّادي

افتراضي مشاركة: الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم

الباب الثالث : الدعائم الاخلاقية لفقه الاختلاف :


أهمية الدعائم الأخلاقية


مهما يكن من أهمية للدعائم الفكرية والعلمية في تقريب الشقة بين المختلفين من أبناء الصحوة الإسلامية، وتجنيدهم في صف واحد لمواجهة القوى الضخمة التي تكيد للإسلام وأمته في الشرق والغرب، فسيظل للجوانب الإيمانية والأخلاقية أهميتها الخاصة.

فالإنسان في حاجة إلى عقل يقظ، كما يحتاج إلى ضمير حي. في حاجة إلى العلم النافع، وإلى الإيمان الوازع، وإلى الخلق الفاضل.

ومن هنا أفردنا الحديث عن عدد من الدعائم ذات الطابع الأخلاقي، لها أثرها الكبير والعميق في ترسيخ أدب الاختلاف، وتثبيت فكرة الائتلاف، وتأكيد معاني الأخوة والتعاون والتسامح التي دعا إليها الإسلام، والتي يجب أن تسود وتتعمق بين المسلمين عامة، وبين العاملين للإسلام خاصة.


أولا : الإخلاص لله والتجرد من الأهواء





أول ما نبدأ به هنا أمر يسبق كل ما ذكرناه من المبادئ والقواعد وهو: الإخلاص لله وحده، والتجرد للحق، ومجاهدة النفس حتى تتحرر من اتباع هواها أو أهواء غيرها.

فكثيرا ما تكون الخلافات بين الأفراد والفئات، ظاهرها أنه خلاف على مسائل في العلم، أو قضايا في الفكر، وباطنها حب الذات، واتباع الهوى الذي يعمي ويصم، ويضل عن سبيل الله، وهذا ما لمسته ـ للأسف الشديد في كثير من ألوان الخلاف التي وقعت ـ ولا زالت تقع ـ بين الجماعات والحركات الإسلامية بعضها وبعض، وبين الأجنحة المختلفة داخل الجماعة الواحدة، وبين الأفراد القياديين بعضهم وبعض، فكثير منها يرجع إلى أمور شخصية، وتطلعات ذاتية، وإن كانت تغلف بالحرص على مصلحة الإسلام أو الجماعة، أو غير ذلك مما قد يدق ويخفى حتى على الإنسان نفسه، فيزين له سوء عمله، فيراه حسنا.

أجل كثيرا ما يكون الخلاف في حقيقة الأمر من أجل أن يكون زيد زعيما، أو عمرو رئيسا، أو بكر قائدا، ويظن اتباع هذا أو ذاك أو ذلك أنه خلاف على المبادئ والمفاهيم، وهو خلاف على المغانم، وحب الظهور أو الجاه أو التصدر وهو الذي جاء به الحديث النبوي "ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه".

والمراد بالشرف هنا: الجاه والمنصب، والمعنى: أن الحرص على المال والجاه أكثر إفسادا من إفساد الذئبين للغنم.

لقد حرصت التربية الإسلامية، القرآنية والنبوية، على تكوين الإنسان مؤمن الذي يجعل غايته رضا الخالق، لا ثناء الخلق، وسعادة الآخرة، لا منفعة الدنيا وإيثار ما عند الله على ما عند الناس، (ما عندكم ينفد وما عند الله باق) (سورة النحل: 96).

وحذرت هذه التربية من الإنسان الذي تكون الدنيا أكبر همه، ومبلغ علمه فهو يعمل للجاه، والشهرة، أو للمصلحة الذاتية، أو لنزعة عصبية ظاهرة أو خفية.

ولهذا صح في الحديث أن أول من تسعر بهم النار يوم القيامة هم أهل الرياء والكذب على الله، الذين يزينون للناس أنهم يعملون لله تعالى، وهم لا يعملون إلا لذواتهم، وشهوات أنفسهم، وإن كان فيهم العالم والمعلم، والمنفق الباذل والمجاهد المقاتل!!

ومن هنا نوه الحديث الشريف بأولئك الجنود المجهولين الذين يذيبون حبات قلوبهم، وينفقون أغلى أيام أعمارهم، في نصرة دينهم وطاعة ربهم، دون أن تسلط عليهم الأضواء، أو يشار إليهم بالبنان.

روى الحاكم وغيره، عن زيد بن أسلم عن أبيه، أن عمر رضي الله عنه، خرج إلى المسجد فوجد معاذا عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ يبكي، فقال: ما يبكيك؟ قال: حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "اليسير من الرياء شرك، ومن عادى أولياء الله فقد بارز الله بالمحاربة، إن الله يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء، الذين إن غابوا لم يفتقدوا، وإن حضروا لم يعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى، ينجون من كل غبراء مظلمة".

ولكم رأيت كثيرا من الناس الذين يدافعون عن بعض الاتجاهات الفكرية، والعقدية يبالغون في الحماس لها، وشدة الإنكار على من خالفها، ويستخدمون أقصى العبارات في الهجوم وهم هواة أو محترفون جدد، دخلاء على أصحابه الأصليين، ولكنهم يريدون أن يثبتوا أنهم مخلصون لهذا الاتجاه، فيبدون في صورة من هو أشد حماسا من أهله على نحو ما قيل: ملكيون أكثر من الملك!

ويتجلى ذلك ويبرز أوضح ما يكون البروز، عندما يوجد من الأعين والآذان من يرجى أن ينقل عنه صولاته وجولاته، في الكر والفر، والهجوم والدفاع.

إن المسلم الحق هو الذي يكون عبدا لله، لا عبدا لذاته، فحيث وضع عمل وحيث وجه توجه، في الإمام أو في الخلف، قائدا، أو جنديا، دون تطلع إلى منصب أو دنيا..

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، إن أعطى رضي، وإن لم يعط سخط. تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش؟ طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، أو كان في الساقة كان في الساقة".

ورضي الله عن خالد بن الوليد سيف الله المسلول، الذي عمل قائدا، فنصر الله به، وحقق على يديه الخير الكثير، فلما ولي أبو عبيدة القيادة بدلا منه كان له نعم الناصح والمشير، وهكذا يكون المؤمنون الصادقون.

إني انظر إلى كثير من الخلافات بين الفصائل الإسلامية، فأشم من ورائها رائحة التعصب المذموم، لحزب أو لجماعة، أو لإقليم، أو لمدينة أو لشخص أو لمدرسة، أو لثقافة.

ولو أنصف الجميع لجردوا أنفسهم للحق، وأخلصوا دينهم لله، حتى يخلصهم الله لدينه، (قل إن صلاتي ونسكي، ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) (سورة الأنعام: 162،163).

إن اتباع الهوى لون من الشرك، ولهذا قال السلف: شر إله عبد في الأرض الهوى! وذلك لأنه يضل الإنسان عن الحق رغم علمه به (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه، وأضله الله على علم، وختم على سمعه وقلبه، وجعل على بصره غشاوة، فمن يهديه من بعد الله؟) (سورة الجاثية: 32).

وإن مما يؤسف له غاية الأسف: أن نجد بعض علماء الدين أو بعض أعضاء الجماعات الإسلامية، يتعاونون أحيانا مع جماعات علمانية صريحة في علمانيتها، ضد إخوانهم من العاملين للإسلام في حركات أو جماعات تختلف معهم في المنهج أو الموقف السياسي، مخالفين بذلك توجيهات القرآن والسنة وأقوال سلف الأمة، وعمل الهداة والصالحين من رجالها في مختلف الأعصار.

لقد وجدنا في المعارك الانتخابية في ـ عدد من أقطار الإسلام ـ من المتدينين والمنتسبين إلى بعض الجماعات الدينية من يعطي صوته ـ ومن يوصي اتباعه أن يعطوا أصواتهم ـ للعلمانيين الذين يرفضون شريعة الله جهرة، ويتهكمون بالدعاة إليها، ويستهزئون بحدود الله، ولا يقبل أن يعطيها للمسلمين الملتزمين بالدعوة إلى الإسلام عقيدة وشريعة ومنهاج حياة! لأنهم يخالفونه في بعض الأفكار والآراء.

فهل يمكن أن يكون وراء هذا التصرف منطق يقبله الإسلام بحال، إلا أن تكون الأهواء والخصومات ونزعات الأنفس الأمارة بالسوء التي تتردى في هذه المهلكات، وهي تحسب أنها تحسن صنعا؟ ونسأل الله السلامة.







 
رد مع اقتباس
قديم 01-12-2007, 12:11 AM   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
إبراهيم العبّادي
أقلامي
 
الصورة الرمزية إبراهيم العبّادي
 

 

 
إحصائية العضو







إبراهيم العبّادي غير متصل


إرسال رسالة عبر MSN إلى إبراهيم العبّادي

افتراضي مشاركة: الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم

التحرر من التعصب للأشخاص والمذاهب والطوائف


التعصب للرأي الشخصي

ومما يتمم الإخلاص لله، والتجرد للحق: أن يتحرر المرء من التعصب لآراء الأشخاص، وأقوال المذاهب، وانتحالات الطوائف.

على معنى: أنه لا يقيد نفسه إلا بالدليل، فإن لاح له الدليل بادر بالانقياد له، وإن كان ذلك على خلاف المذهب الذي يعتنقه، أو قول الإمام الذي يعظمه، أو الطائفة التي ينتسب إليها.

فالحق أحق أن يتبع من قول زيد أو عمرو من الناس، وما تعبدنا الله تعالى بقول فلان أو فلان، من العلماء أو الأئمة، إنما تعبدنا بما جاءنا في كتابه وما صح عن نبيه صلى الله عليه وسلم (قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول)

التعصب للرأي الشخصي:
وأول ما ينبغي أن يتحرر المرء منه: تعصبه لرأيه الشخصي، بحيث لا ينزل عنه ولو ظهر له خطؤه، وتهاوت شبهاته أمام حجج الآخرين، بل يظل مصرا عليه، متمسكا به، مدافعا عنه، انتصارا للنفس، ومكابرة للغير، واتباعا للهوى، وخوفا من الاتهام بالقصور أو التقصير.

ورضي الله عن الإمام الشافعي الذي قال: والله ما أبالي أن يظهر الحق على لساني أو على لسان خصمي.

وهذا التعصب من دلائل الإعجاب النفس، واتباع الهوى، وهما من أشد (المهلكات) خطرا.

والمتعصب أشبه بامرئ يعيش وحده في بيت من المرايا، فلا يرى فيها غير شخصه أينما ذهب يمنة أو يسرة، وكذلك المتعصب لا يرى ـ رغم كثرة الآراء ـ غير رأيه، فهو مغلق على وجهة نظره وحدها، ولا يفتح عقله لوجهة سواها، يزعم أنه الأذكى عقلا، والأوسع علما، والأقوى دليلا، وإن لم يكن لديه عقل يبدع، ولا علم يشبع، ولا دليل يقنع.

وبعضهم له معاذير كثيرة، يلجأ إليها إذا أعياه المنطق، واعوزته الحجة وغلب أمام خصومه، فحينا يتشبث بتقليد الآباء، وآونة بطاعة الكبراء، وثالثة باتباع الجمهور: أنا مع الناس إن أحسنوا أحسنت، وإن أساءوا أسأت.

وبعض هؤلاء المتعصبين يرفض مقدما وجهة النظر الأخرى دون أن يتيح لنفسها فرصة الاطلاع عليها ـ بالقراءة أو بالسماع ـ اطلاعا يمكنها من الإحاطة بها وإدراك حقيقتها.

وقد حكى القرآن الكريم لنا نماذج من المتعصبين منكرا عليهم، ومنددا بمسلكهم، تحذيرا للمسلمين أن يحذوا حذوهم.

فقال عن بني إسرائيل: (وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله، قالوا نؤمن بما أنزل علينا، ويكفرون بما وراءه، وهو الحق مصدقا لما معهم) (سورة البقرة: 91).

وقال تعالى عن المشركين: (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله، قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آبائنا، أولو كان أباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون. ومثل الذين كفروا مثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء، صم، بكم، عمي، فهم لا يعقلون) (سورة البقرة: 170،171).






 
رد مع اقتباس
قديم 01-12-2007, 12:14 AM   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
إبراهيم العبّادي
أقلامي
 
الصورة الرمزية إبراهيم العبّادي
 

 

 
إحصائية العضو







إبراهيم العبّادي غير متصل


إرسال رسالة عبر MSN إلى إبراهيم العبّادي

افتراضي مشاركة: الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم

التعصب للمذهب



ومن التعصب المذموم: التعصب للمذهب، شأن غلاة المقلدين الذين يكادون يضفون على مذاهبهم العصمة، وعلى أئمتهم القداسة.

وهم يبنون تعصبهم هذا على دعائم غير مسلمة لهم.

منها: أن التقليد واجب، وخصوصا تقليد المذاهب أو الأئمة الأربعة. كما قال صاحب (الجوهرة) في علم التوحيد:

فواجب تقليد حبر منهمو كما حكى القوم بلفظ يفهم!

مع العلم المقطوع به: أنه لا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله، ولم يوجب الله إلا رسوله اتباع زيد أو عمرو من الناس بأعيانهما، وإن بلغا في العلم والفضل ما بلغا.

ومنها: أنهم لم يجيزوا لمن اتبع مذهبا أن يخرج منه، ولو في بعض المسائل التي يتبين للمقلد فيها ضعف دليل مذهبه، حتى قد يوصف بأنه مذبذب! وهذا إلزام آخر، بما لم يلزمه الله تعالى به.

ويلزم من هنا اعتبار أصحاب المذاهب كأنهم شارعون واعتبار أقوالهم كأنها أدلة شرعية يحتج بها، ولا يحتج لها!

وهذا مخالف لهدي الأئمة أنفسهم، فإنهم نهوا الناس عن تقليدهم وتقليد غيرهم.

ومخالف لما كان عليه سلف الأمة: الصحابة ومن بعدهم، طيلة القرون الأولى التي هي خير القرون، وأقربها إلى هدي النبوة.

ولهذا أنكر كبار علماء الأمة ومحققيها هذا الغلو في التقليد الذي كاد يشبه ما فعله أهل الكتاب من اتخاذ أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله.

يقول الإمام عز الدين بن عبد السلام:

"ومن العجب أن الفقهاء المقلدين يقف أحدهم على ضعف ما أخذ إمامه، بحيث لا يجد لضعفه مدفعا، وهو مع ذلك يقلده فيه، ويترك من شهد الكتاب والسنة والأقيسة الصحيحة، لمذهبهم، جمودا على تقليد إمامه، بل يتحيل لدفع ظاهر الكتاب والسنة ويتأولها بالتأويلات البعيدة الباطلة، نضالا عن مقلده.

وقال: لم يزل الناس يسألون من اتفق من العلماء من غير تقييد بمذهب ولا إنكار على أحد من السائلين، إلى أن ظهرت هذه المذاهب ومتعصبوها، من المقلدين، فإن أحدهم يتبع إمامه مع بعد مذهبه عن الأدلة، مقلدا لهم فيما قال، كأنه نبي أرسل، وهذا نأي عن الحق وبعد عن الصواب، لا يرضى به أحد من أولي الألباب.

وقال الإمام أبو شامة: ينبغي لمن اشتغل بالفقه أن لا يقتصر على مذهب إمام، ويعتقد في كل مسألة صحة ما كان أقرب إلى دلالة الكتاب والسنة المحكمة، وذلك سهل عليه إذا كان أتقن معظم العلوم المتقدمة وليتجنب التعصب والنظر في طرائق الخلاف المتأخرة، فإنها مضيعة للزمان، ولصفوه مكدرة، فقد صح عن الشافعي أنه نهى عن تقليده وتقليد غيره، قال صاحبه المزني في أول مختصره: اختصرت هذا من علم الشافعي، ومن معنى قوله لأقربه على من أراد مع إعلاميه نهيه عن تقليد غيره، لينظر فيه لدينه، ويحتاط لنفسه، أي مع إعلامي من أراد علم الشافعي: نهى الشافعي عن تقليده وتقليد غيره.

ولا عجب أن رأينا المحققين المنصفين من العلماء يدعون مذهبهم، ويرجحون غيره إذا تبين قوة دليل المخالف، وضعف حجة المذهب.

وهذا كان عند أصحاب الأئمة المباشرين أظهر ممن بعدهم مثل مخالفة أصحاب أبي حنيفة ـ أبي يوسف، ومحمد وزفر ـ لإمامهم في مسائل لا تحصى.

وكذلك مخالفة أصحاب الأئمة: مالك والشافعي وأحمد، لهم في مسائل كثيرة على درجات متفاوتة.

ولم تخل العصور التالية من أناس رجحوا غير مذهبهم.

فنجد مثل الإمام القاضي أبي بكر بن العربي يرجح مذهب أبي حنيفة في القول بوجوب الزكاة في كل ما أخرجت الأرض، ويضعف مذهبه، مذهب مالك وغيره. لما هداه الدليل إلى ذلك.

ففي كتابه (أحكام القرآن) عند تفسيره للآية (114) من سورة الأنعام، وهي قوله تعالى: (وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه، كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده، ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين). قال: أما أبو حنيفة فجعل الآية مرآته فأبصر الحق.. ونصر هذا الرأي، وضعف مذهبه والمذاهب الأخرى.

وفي شرح سنن الترمذي عند حديث "فيما سقت السماء العشر" قال: وأقوى المذاهب في المسألة مذهب أبي حنيفة، وأحوطها للمساكين، وأولاها بشكر النعمة وعليه يدل عموم الآية والحديث.

وكذلك نجد الإمام النووي في شرحه لمسلم، أو شرحه للمهذب للشيرازي يرجح أحيانا غير الراجح في المذهب (الشافعي) حسبما يلوح له من الدلائل.

وكذلك مثل الكمال ابن الهمام الحنفي.

أما الإمامان ابن تيمية وابن القيم فموقفهما من مذهبهما الأصلي ـ وهو المذهب الحنبلي ـ معروف غير مجهول، وكثيرا ما تركاه بل تركا المذاهب الأربعة جميعا واعتمدا على اجتهادهما المطلق في مسائل غير قليلة.

وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن رجل ترك مذهبه في بعض المسائل ـ كرفع الحنفي يديه عند الركوع وعند القيام منه ـ فأنكر عليه أصحابه ووصفوه بأنه مذبذب لا يستقر على مذهب! فأجاب إجابة مفصلة جاء فيها:

إذا كان الرجل متبعا لأبي حنيفة أو مالك أو الشافعي أو أحمد: ورأى في بعض المسائل أن مذهب غيره أقوى فاتبعه كان قد أحسن في ذلك، ولم يقدح ذلك في دينه، ولا عدالته بلا نزاع بل هذا أولى بالحق، وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن يتعصب لواحد معين، غير النبي صلى الله عليه وسلم، كمن يتعصب لمالك أو الشافعي أو أحمد أو أبي حنيفة، ويرى أن قول هذا المعين هو الصواب الذي ينبغي اتباعه دون قول الإمام الذي خالفه.

فمن فعل هذا كان جاهلا ضالا، بل قد يكون كافرا، فإنه متى اعتقد أنه يجب على الناس اتباع واحد بعينه من هؤلاء الأئمة دون الإمام الآخر فإنه يجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل. بل غاية ما يقال: إنه يسوغ أو ينبغي أو يجب على العامي أن يقلد واحدا لا بعينه من غير تعيين زيد ولا عمرو.

وأما أن يقول قائل: إنه يجب على العامة (يعني: الناس كافة) تقليد فلان أو فلان فهذا لا يقوله مسلم.

ومن كان مواليا للأئمة محبا لهم يقلد كل واحد منهم فيما يظهر له أنه موافق للسنة فهو محسن في ذلك، بل هذا أحسن حالا من غيره، ولا يقال لمثل هذا مذبذب على وجه الذم، وإنما المذبذب المذموم الذي لا يكون مع المؤمنين، ولا مع الكفار، بل يأتي المؤمنين بوجه، ويأتي الكافرين بوجه، كما قال تعالى في حق المنافقين: (مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا) (سورة النساء: 143).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين: تعير إلى هؤلاء مرة وإلى هؤلاء مرة".

فهؤلاء المنافقون المذبذبون هم الذين ذمهم الله ورسوله.

وقد أمر الله تعالى المؤمنين بالاجتماع والائتلاف، ونهاهم عن الافتراق والاختلاف فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعا، ولا تفرقوا) إلى قوله: (لعلكم تهتدون) إلى قوله: (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) قال ابن عباس رضي الله عنهما: تبيض وجوه أهل السنة والجماعة وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة.

فأئمة الدين هم على منهاج الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، والصحابة كانوا مؤتلفين متفقين، وإن تنازعوا في بعض فروع الشريعة في الطهارة أو الصلاة أو الحج أو الطلاق أو الفرائض أو غير ذلك فإجماعهم حجة قاطعة.

ومن تعصب لواحد بعينه من الأئمة دون الباقين فهو بمنزلة من تعصب لواحد بعينه من الصحابة دون الباقين، كالرافضي الذي يتعصب لعلي دون الخلفاء الثلاثة وجمهور الصحابة. وكالخارجي الذي يقدح في عثمان وعلي رضي الله عنهما. فهذه طرق أهل البدع والأهواء الذين ثبت بالكتاب والسنة والإجماع أنهم مذمومون، خارجون عن الشريعة والمنهاج الذي بعث الله به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن تعصب لواحد من الأئمة بعينه ففيه شبه من هؤلاء، سواء تعصب لمالك أو الشافعي أو أبي حنيفة أو أحمد أو غيرهم.

ثم غاية المتعصب لواحد منهم أن يكون جاهلا بقدره في العلم والدين وبقدر الآخرين، فيكون جاهلا ظالما، والله يأمر بالعلم والعدل، وينهى عن الجهل والظلم، قال تعالى: (وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ليعذب الله المنافقين والمنافقات) إلى آخر السورة.

وهذا أبو يوسف ومحمد أتبع الناس لأبي حنيفة وأعلمهم بقوله، وهما قد خالفاه في مسائل لا تكاد تحصى، لما تبين لهما من السنة والحجة ما وجب عليهما اتباعه، وهما مع ذلك معظمان لإمامهما. لا يقال فيهما مذبذبان بل أبو حنيفة وغيره من الأئمة يقول القول ثم تتبين له الحجة في خلافه فيقول بها، ولا يقال له مذبذب، فإن الإنسان لا يزال يطلب العلم والإيمان فإذا تبين له من العلم ما كان خافيا عليه اتبعه، وليس هذا مذبذبا، بل هذا مهتد زاده الله هدى، وقد قال تعالى: (وقل رب زدني علما)

فالواجب على كل مؤمن موالاة المؤمنين، وعلماء المؤمنين، وأن يقصد الحق ويتبعه حيث وجده، ويعلم أن من اجتهد منهم فأصاب فله أجران. ومن اجتهد منهم فأخطأ فله أجر لاجتهاده، وخطؤه مغفور له، وعلى المؤمنين أن يتبعوا إمامهم إذا فعل ما يسوغ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما جعل الإمام ليؤتم به" سواء رفع يديه أو لم يرفع يديه لا يقدح ذلك في صلاتهم، ولا يبطلها، لا عند أبي حنيفة ولا الشافعي ولا مالك ولا أحمد، ولو رفع الإمام دون المأموم دون الإمام لم يقدح ذلك في صلاة واحد منهما، ولو رفع الرجل في بعض الأوقات دون بعض لم يقدح ذلك في صلاته، وليس لأحد أن يتخذ قول بعض العلماء شعارا يوجب اتباعه، وينهى عن غيره مما جاءت به السنة، بل كل ما جاءت به السنة فهو واسع مثل الآذان والإقامة، فقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه أمر بلالا أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة"، وثبت عنه في الصحيحين "أنه علم أبا محذورة الإقامة شفعا كالأذان" فمن شفع الإقامة فقد أحسن ومن أفردها فقد أحسن، ومن أوجب هذا دون هذا فهو مخطئ ضال، ومن والى من يفعل هذا دون هذا بمجرد ذلك فهو مخطئ ضال.

وبلاد الشرق من أسباب تسليط الله التتر عليها كثرة التفرق والفتن بينهم في المذاهب وغيرها.. حتى تجد المنتسب إلى الشافعي يتعصب لمذهبه على مذهب أبي حنيفة حتى يخرج عن الدين، والمنتسب إلى أبي حنيفة يتعصب لمذهبه على مذهب الشافعي وغيره حتى يخرج عن الدين، والمنتسب إلى أحمد يتعصب لمذهبه على مذهب هذا أو هذا، وفي المغرب تجد المنتسب إلى مالك يتعصب لمذهبه على هذا أو هذا، وكل هذا من التفرق والاختلاف الذي نهى الله ورسوله عنه.

وكل هؤلاء المتعصبين بالباطل، المتبعين الظن، وما تهوى الأنفس المتبعين لأهوائهم بغير هدى من الله، مستحقون للذم والعقاب، وهذا باب واسع لا تحتمل هذه الفتيا لبسطه، فإن الاعتصام بالجماعة والائتلاف من أصول الدين، والفرع المتنازع فيه من الفروع الخفية، فكيف يقدح في الأصل بحفظ الفرع.






 
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أدب السيرة الذاتية الإسلامية .. سلسلة من مقالاتي النقدية ... عبد الفتاح أفكوح منتدى البلاغة والنقد والمقال الأدبي 35 05-07-2010 05:48 PM
مشروع "اللَّتْينة" للقرآن الكريم! عطية زاهدة المنتدى الإسلامي 3 23-02-2008 12:59 PM
بيانٌ للعلماء والمثقفين بشأن تهجُّم وزير الثقافة المصري على الحجاب .... وفاء الحمري المنتدى الإسلامي 1 05-12-2006 01:33 AM
الاختلاف بين المسلمين و بيانه ايهاب ابوالعون المنتدى الإسلامي 3 06-10-2006 06:24 PM
ماذا بعد سيطرة المحاكم الإسلامية على الصومال؟(منقول) نايف ذوابه منتدى الحوار الفكري العام 1 20-06-2006 02:59 PM

الساعة الآن 07:14 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والردود المنشورة في أقلام لا تعبر إلا عن آراء أصحابها فقط