الزائر الكريم: يبدو أنك غير مسجل لدينا، لذا ندعوك للانضمام إلى أسرتنا الكبيرة عبر التسجيل باسمك الثنائي الحقيقي حتى نتمكن من تفعيل عضويتك.

منتديات  

نحن مع غزة
روابط مفيدة
استرجاع كلمة المرور | طلب عضوية | التشكيل الإداري | النظام الداخلي 

العودة   منتديات مجلة أقلام > المنتديــات الأدبيــة > منتدى القصة القصيرة > قسم الرواية

إضافة رد

مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان)
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-05-2024, 04:25 AM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
ابراهيم امين مؤمن
أقلامي
 
إحصائية العضو







ابراهيم امين مؤمن متصل الآن


افتراضي رد: رواية قنابل الثقوب السوداء - أبواق إسرافيل "الرواية المشاركة في كتارا 2019-2020

***
رسالة ماجستير جاك
اسم الطالب: جاك الولايات المتحدة الأمريكيّة.
تخصص الرسالة: علم الفلك والفضاء.
الرسالة بعنوان: ماذا لو اتجه نجمٌ هِرمٌ إلى مجموعتنا الشمسية وتحوّل إلى ثقبٍ أسود؟
المشرف على الرسالة: أستاذان في علوم الفضاء والفلك.
لجنة المناقشة: لفيف من أساتذة الفضاء والفلك.
القاعة : قاعة كليّة العلوم ببيركلي.
التاريخ : في المستقبل .
ومن أجل المناقشة، زحف الجمهور الأمريكيّ من كاليفورنيا وكذا بقية الولايات إلى بيركلي، وكذلك حضر بعض الأجناس الأخرى ممن يقيمون فيها، والسبب يرجع لعدة عوامل منها: تسابق بروفيسورات الكليّة للإشراف على رسالته، وذكر الدور البطوليّ الذي قام به لإنقاذها من الحريق، واسمه الغريب المسمى نفسه به لأنّه مجهول النسب بالفعل، وإتقانه المنقطع النظير في معرفة دروب ومسالك المجرّات، وكان العامل الرئيس لكثرة الحاضرين هي حملة إعلامية قامت بتدشينها إسرائيل.
ولقد صرّح بعضٌ من العلماء أنّ هذا الفتى سوف يتجاوز علمه علم الكثير من بروفيسورات العالم، بل قال قولا عظيما فيه: «يبدو أن آينشتاين قد بُعث من جديد!»
ومما حفز الشعب الأمريكيّ على الحضور بهذه الأعداد الكثيفة هو ظن الكثير منهم ولاسيما رجال الدين منهم أنّ هذا الفتى هو المسيح المنتظر، فهم لم ينسوا مطلقا قول القساوسة في خضم حريق الجامعة: «إنّ الله حمى تلك الجامعة من أجل رجل سينزل بها سوف يخلّص العالم من كارثة سوف تلم به.»
وما زالت الدوائر العلميّة وبعض الدوائر السياسيّة في شتى بِقاع الأرض تنتظر الحدث المثير والذي سوف يشاهدوه عبر الشاشات .
كذلك الدوائر العلميّة والسياسيّة في أمريكا من رؤساء الجامعات، وأعضاء الكونجرس، ومجلس الشيوخ، ورجال البيت الأبيض.
كلّ إمّا على أرض بيركلي أو أمام الشاشات.
وفهمان ينتظر الآن مشاهدة المناقشة أمام شاشة التلفاز، عيناه مليئتان بدموع الفرح وهو يشاهد الجمع الغفير الذي أتى من أجل صديقه من كافة الولايات.
أمّا العالم الفذُّ ميتشو كاجيتا فيشاهدها عبر التلفاز وعيناه تقدح شررًا من جمرات جهنم.

العرض التقديمي
جلس على كرسيّه وأمامه طاولة وعلى يمينه شاشة عملاقة، أمسك بعصا وأشار إلى حركة النجوم وتجمعاتها في بعض المجرّات، وأخذ يشرح قائلا: «حركة النجوم، السماء ملآنة بمليارات النّجوم، يصل بعدها عنّا من أربعة إلى الملايين من السنوات الضوئية، وهي تتجمع على هيئة عائلات تسكن في ناطحات سحاب المجرّات، وستجدون في.. إلخ.»
ظلّ يتكلّم عن النجوم حتى بلغت براعته أن أحد الفلكيين الجالسين قال: «الفتى رسم خريطة جغرافية للمجرات وهو قائم بيننا، رباه ما هذا الذي أراه، ما أسعد بلدك بك أيّها الفتى الفذّ، بل ما أسعد هذا الجيل وأنت فيه يا فتى، فقد شرفتهم.»
....وما زال جاك يتكلم عن النجوم؛ حيث استأنف بقوله: «وقد يشردُ نجمٌ بعد أن عقّ عائلته ثمّ يأتي ليستعمر مجموعتنا الشمسية، لكن كيف يستعمرها؟ هذا ما سوف تعرفونه لاحقًا في السطور اللاحقة.» استراح قليلا ليمسح عرقا قد قذفه الهم والخوف الساريان بأوصاله حزنًا على أحوال البشرية، ثم انتفض واقفًا وأشار بالعصا إلى صورة للمجموعة الشمسيّة وما حولها من كواكب سيّارة تدور في فلك الشمس وهو يقول: «وما خارج عائلة المجموعة الشمسيّة؟ هذه هي المجموعة الشمسيّة كما تروْن، إنّها تتحزّم بحزام عبارة عن سحابة اسمها سحابة أورط، هذه السحابة وما خلفها عبارة عن مجرات ونجوم وكواكب وكويكبات ومذنبات تبتعد عن بعضها من عشرات إلى ملايين السنوات الضوئيّة.» صمت هنيهة ثم أشار مجددًا على موضع فيها وهو يقول: «هنا، هنا بالتحديد سكن نجمنا المارق، انفلت بسبب سرعته الرهيبة وظل سائرًا قاصدًا أرضنا ليستعمرنا، يستعمرنا من هنا، فيحرقنا هنا، يحرق أولادنا هنا، سوف ينادينا بجاذبيته ليحرقنا من هنا، سوف ..»
لجلج، ثم انهار بجبال خوفه المتطفلة في فضاء قلبه، وكعادته، تحامل وتماسك وقال: «ولن يستطيع إلّا بعد أن يموت، ثمّ يُعاد إلى الحياة، وسيعود وحشًا، أتعلمون كيف؟ سأقول لكم، يتقيأ أولاً وقوده النوويّ، ويظلّ يصغر حتى يصبح بحجم هذه القاعة (يتكلم وهو يشير بيده اليمنى) مع أنّه كان بحجم الشمس، ويموت مودعًا حياة النجوم لينضم إلى زمرة وحوش الثقوب السوداء، عندئذٍ يخبّر عن نفسه، فيطهو الأرض داخل أمعائه..و ..»
ظلّ يغمغم بكلام غير مفهوم حتى ثقل لسانه تمامًا صاحب ذلك رجف بالجسد، وسرعان ما انهدّ وانهار كالجبل على كرسيّه.
حينئذٍ، عمّ الصمتَ كل أرجاء القاعة، وليس ذلك فحسب؛ بل عبر الشاشات من كلّ أنحاء أمريكا والعالم، إنه صمت الفاجعة، فتساقط العشرات من الحاضرين مغشيًا عليهم، وكذلك بضعة آلاف من أنحاء العالم، بينما بعض الفئات القليلة شرعوا في تلاوة الصلاة داعين الله -الرب- باللطف والنجاة من تلك الكارثة الكونية.
وعليه، فقد أطلقت الحكومات من كافة أرجاء العالم ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية سيارات إسعافها لتطلق سراينها المتواصلة في الطرقات لإسعاف المصابين من الناس.
قال فهمان عندما شاهد صديقه وقد تضعضع: «ربنا يلطف بك صديقي الرحيم، فأنت تعلم ما لا يعلمون.»
تمالك جاك نفسه واستجمع قواه وعاود الكلام: «إنْ كنّا نخشى مَن يهاجمنا مِن هذه السحابة أو من خلفها فعليكم أن تخشوا ما هو أكثر من مهاجمة هذا الجرم، أتعلمون ما هو؟ إنّها ثقوبكم أنتم! ثقوب الحرب التي أشعلتموها بأيديكم، ثقوب الحقد والكراهية.» وفور أن قال كلمته تلك إلا وقد أخذ ينظر بعضهم إلى بعض ويفكرون بما كسبت أيديهم من آثام ضد الإنسانية.
استأنف: «دعونا نفترض فرْضًا، نفترض أنه تحوّل إلى ثقب أسود، وعلى بعد سنة ضوئيّة واحدة من الأرض، ثمّ ثبت مكانه وظلَّ يدور حول نفسه ليتهيأ لإفنائنا؛ فما الحل إذن؟ ما الحلّ؟»
والحقيقة أن جاك يرى تلك الفرضيات حقيقة لديه، ولذلك استطرد: «أنتركه يمزّق بلوتو، أم يمزّق نبتون؟ أنتركه يعبث بالشمس، أنتركه يعبث بنا؟ لا والربّ، لن يمسّ هذا المارق أمريكا ولا غيرها، فنفسي فداء لكم جميعًا أيّها الناس. أيّها الناس جميعًا، أيتها اللجنة المبجلة، علينا أن نحتاط للمستقبل، فإذا تحوّل النجم إلى ثقب أسود سنكون نحن أهل الأرض بين المطرقة والسندان، بين جاذبيتين، جاذبية الشمس وجاذبيته، عندئذ، ستحدث زلزلة، زلزال يهزّ الأرض؛ فيهلك مَن عليها، علينا أن نحتاط إذن ونهجر الأرض. وقد يحدث ما هو أشدّ تنكيلا بنا، وهو التهامنا، انظروا..»
وأشار بالعصا على الشاشة ليظهر صورة صورتها ناسا تبيّن كيف التهم ثقب أسود نجمًا كاملاً.
لم يتمالك العالم الثبات من كلام جاك الذي وثّقه بصورة ناسا، فتساقط الآلاف من الضحايا خشية أن يتحول النجم إلى ثقب أسود.
أكمل: «لكن كيف يلتهمنا؟ يلتهمنا إذا كبُر، ولن يكبر إلّا إذا التهم بعض الفرائس التي وقعت بين أنيابه النووية.»
ومنذ هذه اللحظة بدأت بعض الرسائل ترِدُ على الحكومة الفيدرالية بوقف بثّ الرسالة عبر التلفاز، أرسلها بعض الساسة على أثر البلاغات التي وردتهم من بعض الناس من مختلف بقاع الأرض، فأرسل وزير الداخليّة الأمريكيّ إلى لجنة المناقشة رسولا خاصًا معه بعض القوات الأمنية لفض المناقشة معللًا ذلك بأنها لدواعٍ أمنيّة.
استأنف: «هل ممكن القضاء على الثقب الأسود قبل أن يقضي علينا؟»
تنفس الناس الصعداء فور كلمته ورددوا خلفه قائلين نفس عبارته.
أجاب: «من الممكن أن يخلّق مصادم fcc-2 الذي سيبنيه الفتى المصريّ – المعجزة- في مصر المادة المضادة، نرسلها إليه بعد حجزها في مصائد مغناطيسيّة بوساطة محرك سريع فيفنيا بعضهما بعضًا كما حدث في الانفجار الكبير.»
سمعها فهمان فانفجر باكيًا وهو يقول: «واعلم أنّني لن أتاخّر مطلقًا في إنقاذ الناس ولو كان طفلا واحدًا حتى لو كانت حياتي ثمنًا لذلك.»
استأنف: «ومن المعلوم أن هذا المحرك لم يتم اكتشافه بعد، ولم تسعفنا تكنولوجياتنا من تصميم محرك كهذا.»
رفع جاك أوراقاً بيده اليمنى وقال: «تصميم هذا المحرك في هذه الأوراق وسوف أوافيكم به عند رسالة الدكتوراه حالما انتهي مِن وضع اللمسات النهائيّة له.»
زمجر رئيس لجنة المناقشة قائلا: «جاك، لا تخاطب الجمهور، ولا تخرج عن موضوع الرسالة ..لو سمحت.»
تبرّم الجمهور من زمجرة رئيس لجنة المناقشة التي لا داعي لها وأخذوا يلمزونه حانقين عليه.
يكمل: «الذهاب إليه لدحره سيستغرق قرابة عشر سنوات، وإذا نجحتُ في تصميم هذا المحرك؛ فليس من السهل توفير سُبل دعم الحياة من شراب وطعام وأكسجين على مركبة فضائيّة خلال كلّ هذه المدة، والحلّ لديّ.» وهنا رفع جاك يده مرّة أخرى، في هذه اللحظة بالضبط دلف رسولُ وزير الداخليّة باب القاعة ورفع الكارنيه، وأقدم على رئيس لجنة المناقشة ليخبره بوقف المناقشة، ثم ما لبث أن نظر في وجوه الحاضرين المكفهرة، ثم نظر إلى جاك وتأمل ملامحه جيدًا، فوجد رجلا يحمل هم العالم على كتفيه، وشدته تلك الملامح؛ فآثر أن يتمهل قليلا في فض المناقشة، هنيهة واحدة ورفع جاك دوسيه جديد وهو يقول: «في هذه الأوراق تصاميم لجهاز شامل يدعم الحياة في الفضاء لفترة لا تنتهي، وأسأل الربّ أن يوفقني لإتمام إنجازه، واعلموا أنه من أحد التحديّات التي سوف اجتازها من أجلكم، من أجل اللقطاء الذين لم يعرفوا لهم أبًا ولا أمًا مثلي.» وفور أن قالها أجهش بالبكاء.
وبكى كلّ لقيط سمع كلمته حتى إنّ كلّ أبّ وأمّ مِن كلّ جنبات الأرض يمسحون دموعهما الحارة قائلين: «أنا أمّك يا ولدي، وأنا أبوك يا ولدي.»
عندئذ جلس رسول الوزير بين الجالسين بعد أن تأثر بشدة.
تماسك مجددًا وهو يقول بعزة وإباء: «أنا ابن الولايات المتحدة الأمريكيّة، واعتزّ بأنّ كلّ أبّ وأمّ يحملون الجنسيّة الأمريكيّة هم آبائي وأمهاتي، وإن كانوا لا يحملونها فلنا نحن الأمريكيون الشرف بأن يمتزج الدم الأمريكيّ بدماء كلّ الأجناس في صلة مودة واتحاد.»
صمت هنيهات ليهيّئ نفسه للخروج من هذا الحمل النفسي الرهيب ليستقبل حملا أثقل منه بمراحل، ثم بدأ كلامه بتؤدة تحمل آهات الحزن: «كذلك من سبل نجاتنا من وحش كهذا هو الوصول إلى الأكوان المتوازية لمقابلة حضارة أرقى منا، إذا قُدر لنا بطريقة ما الوصول إلى كونٍ متوازٍ لنا فلعلّ حضارة هذا الكون تكون أرقى منّا بملايين السنين، عندئذ يدمرونه بما أوتوا من علم من أجلنا. ولا أجد وسيلة للوصول إلى تلك الأكوان إلّا عبور الثقب الدوديّ المتمركز في الثقب الأسود.»
تنهّد بعض أفاضل الناس وقالوا: «الفتى يريد أن يرمي بنفسه في النار من أجلنا؛ ونحن نلقي بأهلينا وجيراننا فيها من أجل المال، ألا لعنة الله على هذه الدنيا!»
أمّا ميتشو كاجيتا ففور سماعه عبور الثقب إلى كونٍ موازٍ سرح بخياله بعيدًا بعيدًا حتى جاءته الغفوة فتكلم فيها قائلاً: «سوف تأتيكم إيريكا300(روبوت متطور) من سحابة أورط، فحوّلوا النجم لثقب أسود حتى تعبره وتعود بكم إلى الأرض (يخاطب هنا كون آخر من خلال اللاوعي كما ستبين الأحداث اللاحقة).»
تابع جاك: «وإذا اجتزنا كلّ هذه التحديّات سنعبر ونحطمه، سندكّ عنقه. والحظ سيكون حليفي، وسوف أؤمّن لكم حياتكم أيها الناس، فلا تتقاتلوا ولا تتباغضوا ولا تتحاسدوا واعتصموا بحبل السلام جميعًا، مسلم ومسيحي يهودي وبوذيّ ..إلخ.»
وبدأتْ مناقشة ما جاء في الرسالة، واستغرقتْ المناقشة أكثر من ساعتين، وفي النهاية تمّ منحه رسالة الماجستير بتقدير امتياز، وفيما بعد حصل على وسام شرف من البيت الأبيض، ووسام آخر من مقرّ رئاسة الوزراء الإسرائيليّ بأورشليم.

***
احتفالات أكتوبر

أرسل مهديّ إلى فهمان ليحضر في ميدان التحرير -مسقط رأس الثورات الشعبيّة على مرِّ العصور- ليشارك في احتفالات نصر الجيش المصري على نظيره الإسرائيلي في السادس من أكتوبر.
استهلّ مهديّ افتتاح الحفل ببضع كلمات، وظلّ يتكلم عن شجاعة الرئيس الراحل أنور السادات، وشجاعة الجيش المصري في حسم الحرب، وتكلم عن تحطيم خط بارليف وعبور قناة السويس، وأسهب كثيرا في شأن الضربة الجوية ودور الرئيس الراحل محمد حسني مبارك في إدارة المعارك الجوية.
وظل يتكلم بعدها عن دور التكنولوجيا في حسم الحرب، وخص بالذكر دور التعليم بصفة عامة في ازدهار حضارة الأمم.
وقال فيما قال بأن أي دولة لن تنهض بدون العدالة حتى لو بلغت قمة الهرم في الازدهار الحضاري.
ثمّ تطرق أخيرًا إلى رجال أنجبتهم مصر وكانوا مخلصين من خلال دورهم البارز في الحفاظ على أمن مصر ووحدتها وحضارتها. بعدها صمت طويلاً حتى ظنَّ الجالسون ومَن يتابع خطابه المتلّفز على الهواء مباشرة أنّه أنهى خطابه. لكنه فاجأ الجميع وتلفظ بالبسملة وكأنه ما تكلم سابقًا.
قال: «بسم الله الرحمن الرحيم.»
صمت وهو يزفر زفرة طويلة تخرج من بين ثناياها نسيج متشعب من الحزن المشوب بالحسرة، ثم عاود واستأنف كلامه: «ونحن اليوم مع رجل، رجل من طراز خاص، لكن للأسف، للأسف لم يكن بيننا بروحه؛ بل بذكراه التي سوف تُخلّد عبر التاريخ. رجل من أغلى الرجال، من أقوى الرجال، من أصدق الرجال.»
ونظر نظرة المستعبر إلى جانب من الميدان مغطىً بعلم مصر، وأومأ بيده إليه فأُزيح العلم -طوله نحو عشرين مترًا وعرضه متر ونصف مترًا- فانكشف عن تمثال كبير ذو جناحين؛ ولكن رأسه مغطى بوشاح يحمل علم مصر أيضًا. تسمر نظر مهدي إليه، وظل صامتًا، وفجأة ألقى إلى التمثال التحية العسكرية وعيناه تغرورقان بالدموع.
فتعجّب الجميع، وتساءلوا فيما بينهم عن شأن هذا التمثال الذي بلغ من عظمة صاحبه أن الرئيس مهدي ألقى إليه التحية العسكرية؛ حتى ظن البعض بأنه تمثال للرئيس الراحل محمد أنور السادات. والبعض الآخر ظن بأنه تمثالا لسعد زغلول. ودارت الظنون في أدمغتهم، وحاروا حانقين على هذا الوشاح الذي يغطي رأسه. بينما فهمان يحوك في صدره شيء ينشرح له ولكن لا يدري ما هو.
وأخيراً، أزيح ستار الرأس، فصُدم الحاضرون لأن التمثال المبجل لم يكن لأي أحد ممن يعرفونه، فهو نكرة في تاريخ مصر بالنسبة لهم.
لكن في المقابل، نجد بعض رجال أمن الدولة يظهرون استياء شديدًا نحو ذاك التمثال، بينما نجد أهل القرية التي كان يسكنها فهمان تهلل وتكبر مشيرة إلى ذاك التمثال فرحين بفعل رئيسهم مهدي وفخورين بصاحب التمثال. بينما نجد فهمان ينفجر في البكاء يتبعه في ذلك بكاء جاك -المتواجد في أمريكا- على بكاء صديقه.
هب فهمان من مكانه، ثم ركض إلى التمثال ودموعه تزداد انهمارًا، وفور وصوله انكبَّ على قدمي التمثال يلثّمُهما بطريقة خاطفة ومتسارعة.
وباقي الحاضرين ما زالوا فاغرين أفواههم ومحدّقين إلى التمثال الأسطوريّ، ولكن من خلال فعل فهمان أيقنوا بأن هذا التمثال يخص أحد يعرفه وتساءلوا: «مَن هذا الرجل الذي أقام له الرئيس هذا التمثال الفاخر ذو الحلة الرائعة والجناحين الأشبه بأجنحة الملائكة؟ وما شأن فهمان به؟»
ولا يزال فهمان يقبّل قدمي التمثال، ثمّ رفع بصره لأعلى وحاول أن يتسلقه ليدرك رأسه فاستعصى عليه الأمر، وحاول مرارًا بيد أنه في كل مرة يقع يائسًا متحسرًا بينما عيناه تحدق في ملامح وجه التمثال وتبكيان بشدة.
أشار مهديّ إلى أحد الحرّاس بأن يحضر له درجًا كهربائياً متحرّكًا، فركبه فهمان على الفور وارتفع به حتى أصبح تلقاء وجهه، وعندها، أطلق قبلاته بحرارة على رأس أبيه الحقيقي الذي لطالما تمنى رؤيته منذ زمن طويل. واحتضن ذاك الرأس -الذي بحجم نصف جسده تقريبًا- حبًا واشتياقا بعد أن كان محروما من رؤيته بعد عملية الزرع مباشرة.
لم يكن بمقدور التمثال الوقوف صامتًا إزاء فعل ابنه نحوه، فضمه بجناحيه -حيث قام مصمم التمثال بالضغط على زر من وحدة تحكم التمثال فحرك جناحيه- ثم قام التمثال بالدوران وهو يحتضن فهمان -قام بها مصمم التمثال لمحاكاة التقاء اثنين أحبة بعد أن تأكدا بأن اللقاء بات مستحيلا- وفجأة، أُلقيَ عليهما من أحد جوانب الميدان ثيابٌ طوقهما وضمهما ضمة الأم الحنون ولا يزالا يدوران لم يتوقفا بعد.
وفور أن تكلم فهمان توقف الدوران، قال: «أبي، أبي، هذا أبي.»
حينئذٍ أميط اللثام عن هوية التمثال وافتخر الحاضرون به (من الجدير بالذكر بأن عامة أهل مصر لا يعلمون من أمر فطين شيء) قال مهديّ بصوتٍ خفيضٍ خاشع: «هذا هو أبوه، فليرِني كلّ منّكم أباه، ألديكم مثل والد هذا الفتى؟» ثم ما لبث أن قص حكايته على الحاضرين مستفتحا بقوله: «هذا هو فطين المصري، وهذا هو (يشير إلى فهمان) طموح أبيه... وقد تحقق له ما أراد، ويحزنني ويحسرني يا فطين (مشيرًا إلى التمثال) أن لا ترى ثمرة غرزك اليوم.»
وبعد الانتهاء من مراسم تبجيل فطين المصريّ قال الرئيس وهو يشير إلى فهمان: «إنّ القوات المسلحة ستبني المصادم الجديد في مصر بيد هذا الفتى.» ثمّ رفع سبابته مشيرًا إلى التمثال واستأنف كلامه: «ابن صاحب هذا التمثال.»
وانفض الاحتفال، وبالنظر إلى فعل مهدي، نجده قد تصرف بحنكة شديدة، وكان بعيد النظر جدا في سلوكه هذا، ويتضح ذلك من خلال العمل على تأهيل فهمان روحيا وذهنيا لبناء المصادم fcc-2، حيث إن نبوغ فهمان كان من أسمى أماني فطين، وقد ضحى بالغالي والنفيس من أجل يوم كهذا، يوم يقف فيه فهمان يساند بلده، ولن يؤهل هكذا ما دام أبوه -رحمه الله- مصنفًا إرهابيا ومشعوذا في نظر بعض الناس الذين يعرفونه.

وشرع مهديّ في أخْذ التدابير وتمهيد الأسباب لبناء fcc-2 ، فأرسل إلى صندوق النقد الدوليّ بصرْف قرض قيمته عشرون مليار دولارًا كدفعة أولى لبناء المصادم.
كما أرسل إلى الروس يطلب الدعم، فلمّا علمتْ أمريكا بهذا الشأن سارعت هي الأخرى لتقديم المعونة، فرحّب مهديّ بذلك أيّما ترحيب مستغلا تلك الحرب الباردة المصغرة لمصلحة مصر.
وتداول خبر إنشاء مصادم الهادرونات الكبير عبر كلِّ وكالات الأنباء المحلية والعالمية، وكان رد الفعل متشابها إلى حد كبير (كما ستبين الأحداث اللاحقة).


***
الماضي مرآة المستقبل
تداول خبر بناء مصادم ابن فطين المصري لدى كلّ قطاعات الشعب المصريّ بجميع فئاته، ولولا نصْرة مهديّ لهم مِن قبل إبان ثورتهم المجيدة ضد الرئيس المعزول، وكذلك نصرته لاتحاد المقاومة الفلسطينية، ونجاحه المتفرد في التوافق بين كآفّة أطياف الشعب على اختلاف مِللهم ونِحلهم ومذاهبهم تحت مظلة المواطنة لارتابوا في أمر بناء المصادم، واعتبروه أمرًا سيفاقم من فقرهم أكثر وأكثر؛ بل قد تتطرف ظنونهم لأكثر من ذلك بأن يعتبروه حجة يتعلل بها مهدي من أجل فرض ضرائب عليهم.
ومما حفزهم على الثقة في مهدي أكثر وأكثر هو الدور الذي قدمه الساسة المصريون وأئمة المساجد وقساوسة الكنائس وخبراء الاقتصاد من أجل إقناعهم بجدوى بناء المصادم بمصر، كل منهم يتكلم من خلال إيمانهم بالرئيس مهدي وقناعتهم الشخصية بجدوى بناء هذا المصادم.
ومما قاله خبراء الساسة والاقتصاد لهم بأن العالم على مشارف حرب نوويّة، وعلى ذلك سيكون محل نظر أصحاب القرار من الدول المتحاربة، وكذلك باحثوهم وخبراؤهم بسبب الطاقة الجديدة التي سيعمل بها -ألَا وهي 400-500 تيرا إلكترون فولت- هذه الطاقة قد تُسخر لصنْع سلاح قد يكون له كلمة الفصل في ترجيح إحدى الكتلتين على الأخرى في الحرب النوويّة المحتملة بينهما.
وبذلك قد بوءوا لمهدي قاعدة عريضة يتكئ عليها ينطلق من خلالها لضم ما تبقى من أموال الشعب المصري إليه ليبني به المصادم.
فضلاً عن هذا التدشين؛ فهناك عوامل أخرى يتكئ عليها مهديّ، وهي أنّ صاحب الابتكار ابن الوطنيّ الشهيد -فطين المصريّ- والذي كُرم في قلب ميدان التحرير.
أما محاولة اغتياله في جنيف كانت بمنزلة كلمة السرِّ أو المفتاح الذي فتح قلوب هذا الشعب الفقير العريان له آنذاك فأحبوه وقلدوه الثقة.
أمّا أصحاب القلوب المريضة فتواروا خلف ألسنتهم المعسولة، وبسماتهم الزائفة، وظلوا يتشدقون عبر وسائل الإعلام بجدوى بناء المصادم في حين إن قلوبهم تمتلئ غيظا من ثبات الرئيس مهدي، وثقته في نفسه، وقوته التي ما بلغها رئيس مصري من قبله.
وبعد تأهيل نفوس للشعب إزاء بناء المصادم شرع مهديّ للقيام بأول خطوة لدعم المصادم، فأرسل يتعجّل البنك الدوليّ بشأن قرض العشرين مليار دولارًا، وأرسل كذلك إلى الروس والاتحاد الأوربي.
وبدأت المفاوضات، وقد استمرت بضعة أشهر، تأكد مهدي خلالها أن كل هؤلاء متشدقون، فأخذ قرارًا أضمره في نفسه ولم يبح به حتى تأتي اللحظة المناسبة، ولما جاءت تلك اللحظة أعلن عنه -وهو الخطاب الآتي- وبإعلانه عن الخطاب تحفزت بعض الدول لسماعه بسبب دورهم المخزي تجاه الدعم الخاص ببناء المصادم، ومن بين هؤلاء دولة إسرائيل، وقادة اتحاد المقاومة الفلسطينية، والولايات المتحدة الأمريكية، والروس، واليابان، كما تحفز أيضًا بعضُ فيزيائيي العالم -كعالم الفيزياء الياباني ميتشو كاجيتا- ورئيس جامعة بيركلي. وكذلك مدير صندوق النقد الدولي، هذا بالإضافة إلى فهمان -صاحب المشروع الأصلي- وجاك صديقه، والشعب المصري.
والآن الخطاب المنتظر..
«أيّها الشعب الكريم سلام عليكم، أنا ألوذ بكم، فهل تغيثوني؟......
امتد يد الشعب قاطبة نحو التلفاز وكأنهم يلبون نداءه بالفعل.
.....أنا واثق أنّكم أهل نخوة ونبل وشجاعة، وسوف تمدّون أيديكم لتضعوها في يدي لنسير معًا نحو حركة إصلاح اقتصادي مستنير. قبل أن أخبركم ما أريده منكم أريد أن أعلمكم بالتفصيل مماطلة البنك الدوليّ، وكذا كلّ الجهات التي أبدتْ رغبتها في دعم بناء مصادم fcc-2، تعرفونه طبعًا، كما تعرفون كيف كانت أمريكا حريصة على بنائه في أنفاق أراضيهم، وهذا لا يمنع بأن كثيرًا من الدول الغربية تود تحقيق هذا الأمر على أراضيها أيضًا، كسويسرا....
لمّا سمعها رئيس جامعة بيركلي تحسّر توجعًا، فكم كان يرجو أن يُبنى على الأراضي الأمريكية.
....أقول لكم الحكاية من البداية أم النهاية؟ أقولها من البداية أفضل. بداية، طلبنا من المصرف الدوليّ قرْضًا بقيمة عشرين مليار دولارًا كدفعة أولى للإنفاق على المصادم، وردّ المصرف بأنّه سيبحث الطلب، وانتظرنا ردهم لكن للأسف لم يردوا. فأرسلنا إليهم؛ فصارحونا بأن هناك بعض العقبات لصرف هذا القرض، قلت لهم كيف ذلك؟ فتمتم لي مندوب البنك الدوليّ ثمّ طلب مهلة أخرى، فأحسستُ أنّه يماطل أملا في نصْب فخٍّ لنا، فلا أجد مبررًا للتأجيل أو المماطلة إلا إنها لا تتصرف باستقلالية....
رئيس صندوق النقد معلقًا وهو يشاهد الخطاب: «نحن لسنا جهة ذات سيادة يا مهديّ، وأنت تعلم ذلك فِلمَ تكابر؟»






 
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 06:28 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والردود المنشورة في أقلام لا تعبر إلا عن آراء أصحابها فقط