﴿وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بَِٔايَٰتِنَآ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ ٣٩﴾
بلاغة التقسيم في الآيتين:
﴿...فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ ٣٨﴾
﴿وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بَِٔايَٰتِنَآ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ ٣٩﴾
1) يقول تعالى: ﴿فَمَن تَبِعَ هُدَايَ﴾ بأنْ آمن بمنهجي، وامتثل للأمر واجتنب النهي ﴿فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ﴾، وفي الآية الأخرى: ﴿فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشۡقَىٰ 123﴾ طه، فرتب على اتباع هداه أربعة أشياء: نفي الخوف والحزن، وإذا انتفيا، حصل ضدهما، وهو الأمن التام، وكذلك نفي الضلال والشقاء عمن اتبع هداه وإذا انتفيا ثبت ضدهما، وهو الهدى والسعادة، فمن اتبع هداه، حصل له الأمن والسعادة الدنيوية والأخروية والهدى، وانتفى عنه كل مكروه، من الخوف، والحزن، والضلال، والشقاء، فحصل له المرغوب، واندفع عنه المرهوب، وهذا عكس من لم يتبع هداه، فكفر به، وكذب بآياته. وهو لم يقل: "ومن لم يتبع هداي"، وإن كان التقسيم اللفظي يقتضيه، ليفيد بالإثبات في قوله: ﴿وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بَِٔايَٰتِنَآ﴾ ما لا يفيده النفي، فقد يضع النفي احتمالات، منها ما لا يوصل إلى معنى الكفر والتكذيب بالآيات. أما الصورة الواضحة هنا فإن المهتدين يقابلهم الذين كفروا وكذبوا بآيات الله.
2) وفي قوله: ﴿فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ﴾ التي تخص من اتبع هدى الله، تعريض بمن لم يتبع الهدى، فكأن هؤلاء - لا محالة - يخافون ويحزنون.
3) لما ذكر المهتدين، اكتفى في الآية بحالهم في الآخرة، ولم يعرض مصيرهم، ولما ذكر الأشقياء لم يعرض حالهم، واكتفى في الآية الثانية بذكر مصيرهم. لكن التقسيم لسياق الآيتين، عَرَّضَ بغير المذكور ضمن المذكور؛ فألمح إلى حال الأشقياء في الآية الأولى حين ذكر الضد، فإذا كان المهتدون لا خوف عليهم، ولا هم يحزنون، فغير المهتدين يخافون ويحزنون. وكذلك، إذا كان غير المهتدين مصيرهم إلى النار خالدين فيها، فمصير المهتدين إلى النقيض: الجنة خالدين فيها.
وكأنه حذف من الجملة الأولى شيئاً أثبت نظيره في الجملة الثانية، ومن الثانية شيئاً أثبت نظيره في الجملة الأولى، وهذا من بلاغة بيان القرآن في الذكر والتعريض؛ فأوصل المعنى المستفيض، بأقل لفظ، وأوجز عبارة.