فاجعة جسر الأئمة في بغداد: واقعة واستنتاج

أولاً سأذكر نص الخبر كما ورد في جريدة السفير.
ثم يأتي التعليق عليه إن شاء الله.
فجع العراق أمس بمأساة جديدة، تجاوزت في ضخامتها وهولها كل سابقاتها: 965 عراقيا، معظمهم من الأطفال والنساء والعجزة قضوا غرقا أو اختناقا أو دوسا تحت الأقدام. كانوا بين مئات آلاف من الشيعة يزورون ضريح الإمام موسى الكاظم في بغداد لمناسبة ذكرى مصرعه. ذنبهم الوحيد أنهم صدقوا أحدهم خرج يصرخ محذرا من وجود انتحاريين بين الجموع... فكان تدافع.. حول تلك الزيارة إلى <<جحيم>>.
مسلسل الأحداث المأسوية بدأ في الصباح عندما أطلقت بضع قذائف هاون باتجاه ضريح الإمام الكاظم وأدت إلى مقتل سبعة أشخاص وإصابة 37 آخرين بجروح. ثم ما لبثت أن انتشرت شائعة حول دس السم للزوار في مواد غذائية ومشروبات تباع في محيط الضريح، فدعا بعض عناصر الشرطة الحشود إلى تجنب تناول الغذاء أو الماء وهم يجتازون حي الاعظمية الذي يفصله نهر دجلة عن الكاظمية.
لم تمض ساعتان حتى صرخ أحدهم محذرا من وجود انتحاريين يحملون أحزمة ناسفة بين الحشود، <<فبدأ الجميع يركضون في كل الاتجاهات>>، بحسب عنصر في جيش المهدي كان مكلفا توجيه الحشود باتجاه ضريح الامام الكاظم، <<كان الأمر بمثابة جحيم>>.
وأفاد شهود عيان أن حاجز حماية على جسر الائمة، الذي يربط منطقتي الاعظمية بالكاظمية، انهار اثر التدافع، فقتل الذين لم يلقوا بأنفسهم في النهر ومات آخرون غرقا أو بالدوس تحت الأقدام أو اختناقا.
وكان مئات آلاف الزوار يسلكون الجسر في الاتجاهين متجهين إلى الضريح في حي الكاظمية او عائدين منه، وقد قدموا من الأحياء الشيعية في العاصمة: مدينة الصدر والشعب والقاهرة وبغداد الجديدة إضافة إلى المدن الشيعية جنوب البلاد.
وكان عناصر جيش المهدي والشرطة العراقية والجيش يحيطون بالحشود التي كانت تمر بين عوائق وضعت بشكل متعرج على الجسر لمنع مرور سيارات.
واعلن مصدر امني عراقي ان ما لا يقل عن 965 شخصا قتلوا واصيب 465 آخرون بجروح في التدافع. وهذه الحصيلة لم تشمل مقتل 25 شخصا آخرين استهلكوا اطعمة مسممة عمدا بحسب المصدر الامني نفسه، الذي اوضح ايضا ان 7 اشخاص آخرين قتلوا واصيب 37 بجروح في قصف بالهاون استهدف محيط ضريح الامام موسى الكاظم قبل التدافع.
وأعلنت مجموعة مرتبطة بتنظيم القاعدة تطلق على نفسها اسم <<جيش الطائفة المنصورة>> مسؤوليتها عن الهجوم الأخير. وأوضحت المجموعة، في بيان، <<قام مجاهدو جيش الطائفة المنصورة صباح هذا اليوم الأربعاء بقصف معقل الشرك ووكر المرتدين من الرافضة في منطقة الكاظمية بقذائف الهاون والكاتيوشا ردا على فعلتهم الشنعاء ألا وهي الشرك بالله سبحانه وتعالى وكذلك على عمليات القتل الجماعي التي يتعرض لها أهل السنة والجماعة من قبلهم>>.
ودعا وزير الصحة العراقي عبد المطلب محمد علي وزيري الدفاع سعدون الدليمي والداخلية بيان جبر إلى <<تحمل المسؤولية كاملة>> عن المأساة وإما <<الاستقالة>> من منصبيهما. وأوضح علي، وهو من التيار الصدري الذي
يتزعمه الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، أن <<أي ضمير حي في هذا البلد بلا استثناءات سيطالب بتحميل القوات المحتلة وقوات التحالف مسؤولية الملف الأمني وسيحمل وزارتي الداخلية والدفاع اللتين لهما العلم في الوقت والموقع الذي ستتم فيه الزيارة لذلك كان لا بد من وجود تحوطات أمنية في حدود 30 كيلومترا في طريق الزوار>>.
وشرح علي ما حصل فوق جسر الأئمة أمس. وقال ان <<احد المغرضين من بين الزائرين هتف فوق الجسر بأن هناك سيارة مفخخة فوق الجسر ما أدى إلى هلع الزائرين وتدافعهم فسقط منهم قتلى وجرحى>>. وأضاف <<هذا الكلام أقوله لأن المفتش العام للوزارة كان هناك>>.
ورفض وزير الداخلية بيان جبر الاستقالة معتبرا أن المنطقة التي وقعت فيها المأساة تقع أمنيا في نطاق وزارة الدفاع، مشيرا إلى أن قوات الاحتلال تمكنت من قتل مطلقي قذائف الهاون صباحا.
أما وزير الدفاع سعدون الدليمي فقال من جهته إنه جرى توقيف ثلاثة انتحاريين كانوا متوجهين أمس نحو الكاظمية لكنهم <<فجروا أنفسهم قبل الوصول إلى هدفهم>>.
واستنكر رئيس الوزراء العراقي ابراهيم الجعفري، الذي أعلن الحداد ثلاثة أيام في البلاد، دعوة علي لاستقالة جبر والدليمي، وقال، في مؤتمر في مؤتمر صحافي مع السفير الأميركي لدى بغداد زلماي خليل زادة، <<لا يمكن أن أرضى أن تكون هناك حالة تبادل اتهامات عبر شاشات التلفاز من هذا القبيل>> بين وزراء الحكومة نفسها.
وأصدر مقتدى الصدر بيان تعزية قال فيه <<والله إن دماءهم هي من اجل الحق والوصول إلى إمامهم ولا يسعني وأنا يعتصرني الألم والأسى لما وقع الا اعلان الحداد العام>>. كما أصدر الرئيس جلال الطالباني ورئيس الجمعية الوطنية حاجم الحسني بيانات مشابهة.
وحمّل المتحدث باسم الصدر عبد الهادي الدراجي <<قوى أجنبية تحاول زعزعة استقرار وأمن العراق>> مسؤولية المأساة.
ووصف الأمين العام لهيئة علماء المسلمين في العراق الشيخ حارث الضاري ما حصل في الكاظمية بأنه <<كارثة>> والضحايا بأنهم <<شهداء>>.
وأعرب الحزب الإسلامي العراقي، بزعامة محسن عبد الحميد، عن <<الحسرة والألم>>، مقدما تعازيه إلى <<أهالي الضحايا وندعو للجرحى بالشفاء كما نطالب الحكومة بالتحقيق العاجل لمعرفة الأسباب الحقيقية التي تقف وراء الحادث وإلزامها باتخاذ التدابير اللازمة لمنع حدوثه مستقبلا>>. وناشد الحزب أهالي منطقة الأعظمية السنية أن <<يمدوا أيديهم بالعون والإغاثة لإخوانهم من الضحايا>>، داعيا فروعه أن <<تنشط فورا لتجنيد إمكاناتها الإغاثية في تخفيف معاناة الضحايا>>.
ودعا مجلس علماء الدين السنة في الفلوجة أهالي المدينة الى التبرع بالدم لإنقاذ ضحايا الكاظمية. وقال الشيخ عبد الحميد الجدوع، إمام وخطيب جامع الفرقان شمال المدينة، <<نريد أن نعبّر عن أخوتنا وترابطنا بين جميع طوائف العراقيين>>. وأضاف <<نعتبر ما حدث مصاب العراقيين جميعا وليس الشيعة فقط>>.
وأعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية شون ماكورماك أن الولايات المتحدة <<تعرب عن أسفها العميق للخسارة المفجعة للأرواح بين زوار الكاظمية في بغداد اليوم>>.
وأضاف أن <<الحكومة العراقية قدمت استجابة فورية على صعيد الاجهزة الامنية والمساعدة الطبية>>، مشيرا إلى أن <<كل المعلومات تظهر أنهم يقومون بعمل رائع وكلنا ثقة بقدرتها على إدارة الموقف>>.
وأعربت كل من سوريا والملك الأردني عبد الله الثاني وفرنسا عن الحزن والألم من المأساة وعن تضامنهم وتعاطفهم مع العراق في محنته. كذلك فعلت بريطانيا التي وصف وزير خارجيتها جاك سترو ما حصل في بغداد بأنه <<مأساة ناتجة عن الإرهاب>>. (ا ب، ا ف ب، رويترز)