التراث
كلمة التراث ترادف (الميراث) و(لإرث) ولفظ الميراث يخص في العربية ما يرثه الفرد من حسب ‘والإرث ما يرثه من مال وذهب ومن الأشياء الملموسة ‘وكلمة "تراث " مشتقة من " وراث" فقلبت الواو تاء لثقل الضمة على الواو حسب ما يقوله النحاة ؛غير أني لا أؤيد هذا السبب لأن هناك كلمات كثيرة تقلب فيه الواو تاء مثل (وخمة – والله – وجاه – وهمة) ‘وفي قوله تعالى(وتأكلون التراث أكلا لمَّا) إنهم كانوا يجمعون في أكلهم بين نصيبهم من الإرث ونصيب غيرهم ‘فالتراث هنا هو المال الذي يتركه المتوفي لمن بعده
وقد عني الفقهاء بطريقة توزيع تركة الميت على الورثة في باب الفرائض وهم يستعملون كلمة ميراث بالإضافة الى : ورث- يرث- توريث
والتعريف الأحدث للتراث هو:
(ما خلفه السلف من آثار علمية وفنية وأدبية )
وإذا تعمقنا في مفهوم التراث العربي نجده يختلف جذريا عن التراث الغربي (وهنا أخطأ شعراء وأدباء الحداثة لما بينا تعاريفهم للتراث حيث أجمعوا على تعريف التراث الغربي) لماذا؟
إن الغرب استعملوا كلمة التراث في حالتين ”اتفاقية باريس عام 1972":
أولا: التراث الملموس ؛ ويشمل الآثار كالأعمال المعمارية والنحت والنقوش والكهوف وغيرها –
ثانيا: مجموعة ممارسات ومعارف ومهارات وما تبدعه جماعات بصورة مستمرة بما يتفق مع بيئتها "اتفاق باريس 2003
والعبارة الأخيرة لو طبقناها على التراث العربي الملموس لعرفنا الفارق بين التراثين الغربي والعربي
إن الغرب جل علومهم مادية بحتة ؛فالفيلسوف تجده يمزج الفلسفة - وهي فكرية - بالمادة فيرسم تأريخ الفلاسفة بلوحة مادية للفيلسوف الأول وهو يحمل كأس الخمر ليناولها الى من بعده من الفلاسفة ‘وهم يعبدون الأوثان عبادة صرفة لذلك تجد عندهم مدن تماثيل كاملة وعمارات محافظة على أطلالها على مر العصور رغم الحروب والمعارك ؛لذلك القسم الأول ينطبق عليهم
أما العرب فلا عمارات ولا أطلال مدن بل بيوتهم عبارة عن بيت شعر وراحلة وهذا ما خلِّد في تسميتهم أجزاء الشِعر كالبيت الشعري ثم أدخل الخليل أدوات بيت الشعر في تفاصيل الوزن الشعري كالوتد والخبن وغيرها
وبناء على ما تقدم فالعرب لا ينتمون الى التراث الغربي ذي الفرعين لأن الفرع الأول يخص العمارات والتماثيل والمتاحف الطبيعية والأشياء المادية ‘إنما يشملهم الفرع الثاني التراث المعنوي ونجد جله في الأدب والفلسفة والأمثال وغيرها
ولو قارنا موضوع التراث بالبلاغة نجد تشابها كبيرا بينهما حيث البلاغة كانت متوفرة في لغة العرب (الشعر –الخطابة) ولكن لم يتطرق اليها أديب أو شاعر في عصر الاحتجاج باستثناء قلة قليلة كالجاحظ الذي أظهر جوانبا من البلاغة لكنه لم يعرفها ولم يعرف فنونها كذلك التراث تطرق اليه البعض (مثل الكندي في مقدمة رسالته الى المعتصم في مجال العلم والفلسفة عن فضل القدماء وواجب الشكر لهم وضرورة الأخذ عنهم) – لا يستعمل عبارة تراث الأقدمين بل تعابير أخرى " أفادونا من ثمار فكرهم" كذلك ابن رشد
إذن بإمكاننا تعريف التراث العربي بناء على ما تقدم بمعنى:
( الموروث الثقافي والفكري والديني والأدبي والفني )
وهو المضمون الذي تحمله هذه الكلمة داخل خطابنا العربي المعاصر ملفوفا في بطانة وجدانية لم يكن حاضرا لا في خطاب أسلافنا ولا في خطاب أية لغة من اللغات الحية التي نستورد منها المصطلحات والمفاهيم الجديدة علينا ,
إن لفظ التراث قد اكتسى في الخطاب العربي المعاصر معنى مباينا لمعنى مرادفه "الميراث" ذلك أنه بينما يفيد لفظ الميراث التركة التي توزع على الورثة ؛ أصبح لفظ التراث يشير الى ما هو مشترك بين العرب أي الى التركة الفكرية والروحية التي تجمع بينهم لتجعل منهم جميعا خلفًا لسلف
المؤرخ الغربي عرّف التأريخ بأنه "حاصل الممكنات التي تحققت"
فإذا كان التعريف ينطبق على التأريخ الفعلي الواقعي (سياسي – فكري)
فإن التراث لا يعني فقط حاصل الممكنات التي تحققت ؛بل يعني كذلك (حاصل الممكنات التي لم تتحقق وكان يمكن أن تتحقق
إن استعمال لفظ التراث كما أبرزناه استعمال نهضوي يفي ويصلح كل المصطلحات التي يتداولها من لم يتعرف على تراثنا العربي من أصحاب نظرة الحداثة في الأدب العربي