فى هذه الدراسة الأدبية الراقية يبحر بنا الكاتب والشاعر أحمد فضل شبلول فى عشر كتب مطبوعة تتنوع بين المجموعات القصصية والروايات .. لكن ما يجمع بين هذه الأعمال هو أنها نوقشت فى ندوة الاثنين بالاسكندرية ، ويقول المؤلف فى المقدمة "تاريخ هذه الندوة يعود إلى سنوات الستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم ، بقصر ثقافة الحرية (مركز الإسكندرية للإبداع حاليا) حينما شهد هذا القصر تخصصا فى ندواته اليومية ، فكان يوم الأحد لشعر الفصحى ويوم الاثنين للقصة والرواية والثلاثاء للمسرح والأربعاء للزجل وشعر العامية وهكذا .."
ويعد هذا الكتاب بمثابة نافذة على الأدب السكندرى الحديث فى مجال القصة والرواية ، وقد التقط الكاتب بعض الأفكار من الكتب التى اختارها وعرض هذه الأفكار باسلوب لا يحرق الأعمال الأصلية ، بل يزيد من شوق القارئ للاطلاع عليها وهذا أفضل ما فى الكتاب فى رأيي.. واعتمد الكاتب الاسلوب الايجابى فى النقد مغلفا نصائحه وملاحظاته بغلاف لا ينتقص من جهد مؤلفى الأعمال الأصلية. وفيما يلى بعض ملاحظاتى حول الكتاب :
1. فى عرضه لمجموعة "القلادة" ، يحاول المؤلف أن يوجد رابطا بين موضوعات مجموعة القصص القصيرة التى قسمها إلى قسمين : واحد يتحدث عن فلسطين والاحتلال (المؤلفة فلسطينية الأصل) والثانى عن مصر فى العموم والاسكندرية تحديدا .. ليصل فى النهاية إلى أن "القضية الفلسطينية هى قضية مصر .. وأن مصر تعيش فى وجدان كل فلسطينى" ! رغم أنه انتقد تسلل الخطب والمواعظ إلى بعض قصص المجموعة .. وفى رأيي أن أى مجموعة من القصص القصيرة هى فى الواقع تجمع لعدد منفصل من الأعمال ، لكل عمل جوه الخاص ومحاولة ايجاد رابط "سياسى" لهذه المجموعة لا يفيدها كثيرا ..
2. "أبجدية الدم" ، لفت نظرى هذا العنوان لمؤلفته التى تدرس العلوم وتدور هذا المجموعة من القصص حول الاستنساخ والشفرات الوراثية وقانون مندل والعقم والتبرع بالأعضاء وغشاء البكارة وبيع الجثث والأرواح وغير ذلك.. الحقيقة أن الأفكار تم عرضها بصورة رائعة وقد حاول المؤلف أن يجارى الكاتبة الشابة فى معلوماتها العلمية مستعينا بالموسوعات العلمية فقال مثلا "سرعة الضوء فى الهواء تساوى 300 ألف كم/ثانية" لست متأكدا من صحة هذا لكنى أعتقد أن سرعة الضوء فى الهواء لا تهم العلماء كثيرا ولعله يقصد سرعة الضوء فى الفراغ. واتفق مع الكاتب فيما قاله عن موهبة الكاتبة ، رغم أنى لم أقرأ المجموعة إلا أن فكرة القصص أعجبتنى .. وقد أعلن المؤلف عن حق امتلاكه لمصطلح جديد أطلقه على أعمال الكاتبة "تهانى عمرو مرسى" وهو مصطلح "الواقعية العلمية" .
3. "إلا الليل" مجموعة قصص أيضا ، للكاتب فؤاد الحلو .. نجد أننا مع مجموعة أفكار أعتقد أنها جديدة - على الأقل بالنسبة لى - ومتنوعة جدا وقد حاول الاستاذ أحمد أن يجمع بينها فأضاف جملة "إلا الموت" إلى عنوان الفصل حيث ينتشر ذكر الموت فى المجموعة.. وفى تعقيبه على قصة "الصلوات" يشير الكاتب إلى ما يسميها "صلاة الصبح" قائلا أنها "التى تأتى بعد الفجر وقبل الظهر". وفى الحقيقة أنه لا توجد صلاة اسمها صلاة الصبح. هناك صلاة الفجر التى يسميها بعض العامة صلاة الصبح لأنهم قد يصلونها فى غير ميعادها ويؤدونها بعد الشروق.. وهناك صلاة الضحى وهى سنة وموعدها بعد الشروق إلى وقت صلاة الظهر ولعل الكاتب يقصدها هى.
4. "امرأة من برج القمر" ، ثلاثة من قصص المجموعة دارت عن الهلال .. هذه الهلاليات منها ما كان عن علاقة القمر بالمد والجزر وعن هلال رمضان وغير ذلك.. وفى دراسته لقصة "صديقتى ميم" قام مؤلف الكتاب بعمل مركب للغاية ، حيث أخذ كلمة "الجدار" ودار فى معانيها اللغوية مرورا بحائط برلين وجدار اسرائيل العازل وجدار اليتيمين فى سورة الكهف وجدار ليلى فى الشعر العربى القديم والجدران فى السينما وغيرها ليصل إلى الحائط البحرى الذى يقام لتكسير الأمواج ومن ثم يعود بنا إلى المد والجزر وعلاقتهما بالهلال وربط ذلك بالهلاليات التى فى المجموعة ! وهذا الربط جاء رائعا جدا فى تقديرى.. يوجد فقط خطأ مطبعى هنا ، حيث عنوان الفصل المكتوب فوق صفحات هذا الفصل جاء "دراسات أدبية" بدلا من اسم الفصل كما هو معتاد فى باقى الفصول.
5. "على حافة الحلم" ، ابحار هادئ فى عالم الفن التشكيلى حيث المفردات هنا هى حجرة الرسم واللوحة والألوان والظلال .. فى مجموعة الكاتب "محمد عطية" القصصية لا تكاد تخلو قصة من توظيف للألوان.. موضوعات المجموعة كما فهمت دارت حول المراهقة والحب والعاطفة وغير ذلك.
6. "الأمير الذى يطارده الموت" مجموعة قصصية يتساءل الكاتب فى تقديمه لها إن كانت موجهة للكبار أم للأطفال. هناك كلام عن قدماء المصريين والتاريخ والأساطير ربطه المؤلف بروايات هارى بوتر حيث ينقسم السحر إلى أبيض وأسود ، وسحرة فرعون وقصة سيدنا موسى .يخلص الكاتب إلى أن هذا النوع من القصص عابر للزمن وللقارات بدليل تأثر الكاتبة الانجليزية رولينج به. يصصح المؤلف أيضا بعض الأخطاء التاريخية فى القصة مستندا إلى موسوعات الكترونية وهذا عمل يحمد عليه حيث يسعى لتوثيق مصادره دائما ..
7. "الدخول إلى عالم الكابوس" ، رواية عن كابوس سنة 1967 ، تدخل إلى عالم الثورة ومصانع النسيج والحرب والضباط والسلطة .. وقد استعان الأديب السكندرى "الشربينى المهندس" بأسماء لأدباء حقيقين فى الرواية ولكن الاستاذ أحمد صحح له بعض التواريخ نظرا لمعرفته الشخصية بهولاء الأدباء .
8. "عزيزى طه" رواية أيضا لكاتب سكندرى هو "رجب سعد السيد" .. تقوم على تقنية الخطابات المرسلة من جانب واحد وهى تركز على علاقة مفترضة بين مدينة البصرة العراقية والاسكندرية المصرية (كل منهما ثانى أكبر مدينة فى دولتها) ، هناك أيضا حديث عن الحرب الابرانية وعن العراق المعقد بمشاكله الأخيرة وعن البصرة ونخيلها رمز الصمود والعطاء.
9. "السمندل" رواية الكاتب "فؤاد الحلو" تدور بين زمن سقوط الاندلس وبين الزمن الحالى فى الاسكندرية .. وقد قام المؤلف بالإبحار فى دلالاتها السياسية والفلسفية وأجاد فى ذلك.
10. "السقوط فى دوائر الانتظار" هى كما يبدو رواية اجتماعية على غرار ثلاثية نجيب محفوظ كما قال المؤلف ، وقد كان محور دراسته عن الرواية هو عملية مقارنة بين شخصيات محفوظ وشخصيات الرواية وتطور الأحداث فى كل منهما .
عن الكاتب : مؤلف الكتاب عرف بنفسه فى 7 صفحات ذاكرا مؤلفاته العديدة فى الشعر وأدب الطفل والدراسات النقدية (حوالى 31 كتاب) بالإضافة إلى المشاركة فى أعمال أخرى وحصوله على جوائز عديدة لا يتسع المقام لذكرها هنا..
ونتمنى أن يشرفنا الاستاذ أحمد فضل شبلول ويكون عضوا معنا فى هذا المنتدى الرائع ..