“فرانك إس بيسون”، اسم سيتكرر كثيراً في نشرات الأخبار في الفترة المقبلة. إنه اسم سفينة حربية أميركية تقل ألف جندي انطلقت من شواطئ ولاية فرجينيا متوجهة إلى ميناء لارنِكا في قبرص، ومنه إلى قبالة سواحل غزة، لبناء ميناء عائم على أيدي مهندسين عسكريين تدربوا ودأبوا على بناء موانئ شبيهة سابقاً لغرض الغزو العسكري ونقل الجنود والاحتلال، وهم اليوم قادمون لغزة وغرضهم المعلن “إغاثة أهلها” كما يقولون.
الجيش الأميركي الذي سير ما لا يقل عن 140 رحلة جوية لنقل الدعم العسكري للاحتلال منذ بداية الطوفان، سيعكف طوال أسابيع قد تصل حتى شهرين على بناء الميناء قبالة حاجزٍ للاحتلال يفصل شمال القطاع عن جنوبه، وسيشمل الميناء جسراً مؤقتاً بطول نحو 550 متراً، تدفع منه الإمدادات من السفن إلى زوارق صغيرة ومنها إلى الشاطئ، ويفترض أن ينقل ما يصل لمليوني وجبة يومياً، من غير المعروف بعد كيف ينوي الأميركان توزيعها، لكن يبدو أنه سيتم عبر “منظمات صديقة” على أرض غزة، رغم الانتقادات المتكررة من المنظمات الإغاثية حول عدم جدوى هذا الشكل من إدخال المساعدات وصعوبة ضمان توزيعها بشكل مناسب.
مشروع الميناء العائم ليس أميركياً خالصاً كما يبدو، فمن المحتمل أن يكون منبع فكرته “إسرائيل” التي أعلنت منذ ديسمبر الماضي أنها اتفقت مع قبرص حول بناء ميناء “لنقل المساعدات لغزة تحت إشرافٍ إسرائيلي”، أمّا التنفيذ والتمويل والصيانة فيتم بالتعاون مع “شركاء إقليميين وحلفاء أوروبيين” لواشنطن، وبينما يروج لهذا الميناء على أنه إجراء مؤقت، يثير حجم الإنفاق والمخططات لبنائه أسئلة حول الدور الذي سيلعبه مستقبلاً، ويقول الأميركان إن الميناء الذي سيدار عسكريّا في البداية، سيدار تجارياً لاحقاً.
وكلّه يجري تحت رقابة الاحتلال ووفق ما يناسبه، فمن جهة يتم تفتيش البضائع المحمّلة في السفن قبل انطلاقها من قبرص، ومن جهة أخرى تحركت وزارة المواصلات الإسرائيلية - وفق ما أعلنت اليوم الإثنين- لبناء ميناء بشكلٍ فوري في لارنكا بالتزامن مع الميناء الأميركي، تقول تقارير صحفية إسرائيلية إنه يهدف “لمواجهة وضع يتعطل فيه العمل في ميناء حيفا في حال حرب شاملة مع حزب الله، وأن يكون جزءاً من محور مواصلات بديل سيقام في إطار تطبيع علاقات مع السعودية”.
تقع رؤية هذا الميناء ضمن المسار الأكبر لتحويل عملية الإغاثة لعملية ابتزاز مستمرة، وتثبيت شكل الميدان الذي تقره “إسرائيل” وأبرز ملامحه تأبيد إغلاق معبر رفح والتحكم بالمداخل والسيطرة على المفاصل الحيوية للقطاع، وجعل مصير الناس مرتبطاً بـ”إسرائيل” بشكلٍ مباشر، لتتمكن من فرض قيادةٍ محلية متعاونة معها، كما تأمل.