الزائر الكريم: يبدو أنك غير مسجل لدينا، لذا ندعوك للانضمام إلى أسرتنا الكبيرة عبر التسجيل باسمك الثنائي الحقيقي حتى نتمكن من تفعيل عضويتك.

منتديات  

نحن مع غزة
روابط مفيدة
استرجاع كلمة المرور | طلب عضوية | التشكيل الإداري | النظام الداخلي 

العودة   منتديات مجلة أقلام > المنتديات الحوارية العامة > منتدى الحوار الفكري العام

منتدى الحوار الفكري العام الثقافة ديوان الأقلاميين..فلنتحاور هنا حول المعرفة..ولنفد المنتدى بكل ما هو جديد ومنوع.

 

مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان)
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 16-03-2009, 10:08 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
احمد العتيبي
أقلامي
 
إحصائية العضو







احمد العتيبي غير متصل


افتراضي دار فور- الحقيقة التاريخية الغائبة عن واقع المسلمين

دار فور
الحقيقة التاريخية الغائبة عن واقع المسلمين


بقلم الدكتور / نعيم كامل نايف شبير



إنّ اعتماد الحقائق الظاهرة في واقعنا هي أفضل الطرق لمعرفة أهمية قضايا أمتنا الإسلامية التي لا يُماري فيها إنسان ولا يختلف فيها اثنان أن واقع أمتنا في أسوأ مراحله، وما تمر به الأمة الإسلامية اليوم من فتن ومحن متتالية وهجوم كاسح ومنظم، تكشف مدى خطورة ذلك على حاضرها ومستقبلها، وما يحدث اليوم من قتل وتشريد للبشر، وتدمير للبنية التحتية والمنازل والمساجد والمؤسسات ودور الحضانة والأيتام، وتجريف للأراضي واقتلاع للأشجار، واستخدام للأسلحة الفتاكة والمحظورة من قبل قوات الاحتلال الصهيوني في فلسطين، وقوات الاحتلال الأنجلو أمريكي في العراق وأفغانستان، والقوات الروسية في الشيشان، والهندية في كشمير، وجنوب الفلبين، وأوزبكستان، وأريتيريا، وما يحدث من تهجير وإبادة جماعية لشعب أراكان في بورما، وأخيراً ما يحدث في إقليم دار فور بالسودان، يُشير إلى أن هذه الأمة مستهدفة في دينها وثرواتها وموقعها. ولا غرابة في أن يعلم المسلم خطورة ذلك، ليدرك ما يعانيه واقع الأمة من تمزقٍ وشتاتٍ، وأهواءٍ وصراعاتٍ، وذلٍ وهوانٍ، عندئذٍ يدرك المسلم خطورة هذا الواقع وخطورة هذه المرحلة، لكشف الخلل ونفاق المنافقين، وضعف الضعفاء، ومكر الماكرين، وجهل الكثيرين من المسلمين بدينهم وواقعهم وقضاياهم، حتى أصبحوا جهلاء بالحقائق والأحداث، غلبهم الهوى، لا يعرفون مسؤولياتهم والتكاليف الربانية التي سيسألون عنها يوم لا ينفع مال ولا بنون، يوم الحساب، يوم أن تعرض الصحائف والأعمال.

بهذه المقدمة البسيطة أريد أن أخاطب العقل المسلم، النفس البشرية، الضمير الإنساني، الطاقات والقدرات والأفكار، صُنّاع القرار، وقادة الحركات الإسلامية في كل مكان، المليار مسلم ونصف تقريباً، عسى الله أن يفتح قلوبنا جميعاً إلى ما فيه الخير لهذه الأمة.

إننّي أود أن أعرض في سطور هذه المقالة قضية تناولتها وسائل الإعلام، واهتمت بها معظم دول العالم، وأراها من الأهمية بمكان، قضية من أخطر قضايانا الإسلامية الجديدة القديمة، إنها قضية إقليم دار فور تلك الحقيقة التاريخية الغائبة والمغيّبة عن الأمة، وموقعه الهام في وسط أفريقيا، لنبدد كثيراً من الضبابية والحقائق حول واقع الأمة المسلمة التي خلفتها هذه الأزمة في هذا الوقت بالتحديد، ومدى الوعي بمفهوم الاستقلال والوطنية في قبائل تلك المنطقة التي استطاع الإسلام صياغة شخصيتها فأكسبها مذاقاً خاصاً، مزج فيه العامل الديني بالوطني، والشجاعة بالإصرار والتحدي ضد سطوة القوة، وجشع المطامع التي كانت تبحث عما تختزنه الأرض من ثروات دون النظر أو الحاجة إلى من عليها من البشر. وأهم ما يكشفه(1) المقال إضافة إلى أهمية إجراء دراسات علمية جادة لواقع المسلمين: "موقع دار فور الجغرافي والتاريخي والسكاني، وقبائل دار فور، وأهم القوى التي حكمت دار فور، والفتح الإسلامي بدار فور"، وما هو سبب اهتمام وتدخل الولايات المتحدة الأمريكية بسرعة أذهلت المراقبين والعالم كله بمكرٍ وتربصٍ وكيدٍ في هذا الإقليم الحيوي من أرض أمتنا المسلمة، حيث أن أهله يمتلكون قدراً من الوعي والإدراك والانتماء لدينهم وهويتهم الإسلامية بطريقة لافتة؛ تضمن لهم الاستمرار والتطور بما يلائم طبيعة البيئة، " فأنشأوا دولتهم أو سلطنتهم التي استمرت حوالي 430 عاماً دون انقطاع، ولعل تعمق مفهوم الدولة والاستقلال في بنيتهم الثقافية والإدراكية هو ما جعلهم يقومون بكثير من الثورات المتعاقبة ضد الحكم المصري العثماني لبلادهم على مدار تسع سنوات ونصف، ثم يقومون بثورات أخرى ضد سيطرة المهديين على بلادهم حتى تحقق لهم الاستقلال الذي ما لبث أن قضت عليه حكومة السودان التي كانت تابعة للإنجليز عام1916م بعدما أبدى سلطان دار فور علي دينار مساندة الدولة العثمانية ضد الحلفاء في الحرب العالمية الثانية؛ وقد انتهت بمقتل السلطان علي دينار على يد الجيش الإنجليزي عام 1916م " (1).

يقع إقليم دار فور في أقصى الجزء الغربي من السودان، ويحده من الشمال ليبيا، ومن الغرب تشاد، ومن الجنوب الغربي جمهورية أفريقيا الوسطى، ومن الجنوب بحر العرب وشمال غرب بحر الغزال، ومن الشرق كثبان كردفان، ومن الشمال الشرقي الإقليم الشمالي، وبه ثلاث مناخات متنوعة تقريباً.

وتبلغ مساحة دار فور حوالي 510.888 كيلومترا مربعاً، أي ما يعادل خُمس مساحة السودان، ومساحة ثلاث دول أوروبية هي فرنسا وهولندا والبرتغال، كما أن عدد سكانها نحو ستة ملايين نسمة، أي ربع عدد سكان السودان، جميعهم مسلمون ويتحدثون اللغة العربية بجانب لغات محلية عديدة. وهم معروفون بـ أهل القرآن، وكساة الكعبة. ويسكن حوالي 75% من سكان دار فور في الريف، و15% من الرعاة، و10% يسكنون المدن. وكبرى مدن دار فور هي الفاشر ونيالا والجنينة، إضافة إلى زالنجي والضعين وبرام.

وبدار فور سلسلة من الجبال، تتوسطها سلسلة جبال مرة البالغ ارتفاعها عشرة آلاف قدم فوق سطح البحر، ويوجد به نهر بحر العرب الذي يصب في نهر بحر الغزال، وروافده المتعددة، وبحيرة كندى، إضافة إلى عدد من عيون الماء العذبة، وبه عدد من الوديان.

جاءت تسمية دار فور من وجود قبيلة الفور الأفريقية وهي الأشهر في الإقليم، وتعني الكلمة " ديار قبيلة الفور "، وقد تولى أبناء قبيلة الفور تحديد منصب حكام الإقليم منذ استقلال السودان في عام 1956 م، ولم يعتل أي من أبناء القبائل العربية هذا المنصب ولم ينافسوا عليه.

ويقطن بدار فور مجموعات قبلية متنوعة يبلغ عددها حوالي 160 قبيلة ومجموعة، بعضها عربية مثل: الرزيقات والتعايشة والهبانية وبني هلبة والمسيرية والمعاليا والسلامات والكبابيش والماهرية وأولاد راشد، إضافة إلى مجموعات القبائل الرحل التي وفدت إلى الإقليم وتنتقل من مكان لآخر مثل المحاميد وبني حسين والرزيقات والمعاليا، وغالبيتها من القبائل العربية، وأغلب هؤلاء يشتغلون برعي الإبل، وأخرى أفريقية مثل: الفور والزغاوة والتنجر والمساليت والبرتي والتاما والبرنو والفلاتة. وهؤلاء يشتغلون بالزراعة ورعي الغنم. وتميزت المنطقة بالهجرات التي كان لها أثرها الواضح في تاريخ الإقليم وعاداته وتقاليده وأعرافه؛ إذ إن هجرات القبائل العربية والأفريقية حملت معها تيارات مختلفة، ثقافية واجتماعية واقتصادية ودينية؛ أحدث بعضها بعض التغيرات. وبحكم التنوع المناخي والطبيعي استوطنت عدد من القبائل المختلفة في مناطق متفرقة في دار فور، فسكنت قبيلة الفور تورا في جبل مرة، واستقرت التنجر والزغاوة والخزام في شمال دار فور، وكان لكل قبيلة زعيم يدير شؤونها مستقلاً عن أي سلطة، وكانت العلاقات القبلية هي التي تحكم العلاقات بين القبائل المنتشرة في المنطقة.

وتؤكد عدة دراسات أن القبائل الرحل من الرعاة والقبائل المستقرة من المزارعين قد عاشوا في انسجام، ونشأت بينهم علاقات مصاهرة. وقد كانت هناك صراعات قبلية على المرعى والأرض ومصادر المياه بين الرعاة والمزارعين، لكن هذه الصراعات كانت محدودة، ويتم تسويتها بشكل سلمي من خلال الأعراف المحلية. (2)، وبواسطة حكمائهم بدفع ديات وتعويضات للمتضررين من جراء ذلك، ولم يكن يصحب تلك الأحداث إحراق للقرى أو قتل للناس بالجملة، ووقع في بعض الأوقات نهب مسلح بأن يعتدي جماعة من اللصوص على عابري سبيل فيأخذون بعض أو كل ما بأيديهم، ويطلق على هؤلاء النهابين السراقين من أي قبيلة كانوا مصطلح الجنجويد. (3)

ويُذكر في العديد من المراجع أن دار فور كانت معروفة للعالم قبل الإسلام، فقد ربط الرومان دار فور بمصر طمعاً في استغلال ثرواتها، كما أن كثيراً من التجار والمستكشفين من مناطق مختلفة من العالم وفدوا إلى دار فور؛ إذ كانت إحدى محطات التجارة المهمة في القارة الأفريقية خاصة منطقة حوض أعلى النيل، وسلطنة "الداجو" التي كانت تستقر في المنطقة الواقعة جنوب شرق جبل مرة. والتنجر هي إحدى القبائل التي استولت على الحكم في منطقة دار فور حوالي قرن ونصف؛ والتي ينسبها البعض إلى عرب بني هلال، وهم أول من أدخلوا اللغة العربية إلى دار فور، وكانت سلطنة التنجر موجودة في شمال دار فور عندما كان الداجو يحكمون في جنوب دار فور، وبعد زوال الداجو بسط التنجر نفوذهم على دار فور، وكانت عاصمتهم مدينة أروى في جبل أروى. اشتهر التنجر بالتجارة، وكانت عاصمتهم أروى من المدن المزدهرة في ذلك الوقت، واستطاع حاكم المدينة أن يقيم علاقات اقتصادية مع العثمانيين، وكان تجار القاهرة يمدونه بالسلاح مقابل الحصول على الذهب. وعرف عن التنجر عاطفتهم الإسلامية، وهناك بعض الأوقاف في المدينة المنورة تخص سلطان التنجر "أحمد رفاعة" ما زالت موجودة حتى الآن، وعرف عنهم المرونة في الحكم وعدم اللجوء إلى القسوة في إدارة مملكتهم، واتسعت مملكتهم مما أدى إلى ضعفها وسقوطها في أيدي قبائل الفور عام 1445م. وعرفوا بفنونهم المعمارية الجيدة.

وعندما دخل الإسلام الإقليم عُرفوا بقبائل الفور بـ "التورا" وهي كلمة تعني العملاق؛ إذ إنهم من طوال القامة ضخام الأجسام، وكان "التورا" يبنون بيوتا دائرية يطلقون عليها اسم بيوت العمالقة، ولم يختلطوا بعناصر أخرى، وحافظوا على دمائهم وأشكالهم لاحتمائهم بالجبال، وكان هناك مصاهرات كثيرة بين الفور والتنجر.

أسس السلطان سليمان العربي " سلونق " دولة دار فور الإسلامية عام 1445م، وقد استطاع " إخضاع " 37 " زعامة ومملكة صغيرة لحكمه، بعدما خاض حوالي " 32 " معركة، وكانت المملكة تتكون من مسلمين ووثنيين، وبدأ السلطان في تدعيم سلطته في دار فور، فقام بخلع الزعامات المحلية وولى على بلادهم زعماء جدداً من أهلهم، من هذا التاريخ بدأ حكم الكيرا أو الفور في الإقليم، والكيرا تعني ( الأحفاد الخيرة )، واستمر حكم الفور بقبائلهم المختلفة ما يقرب من 430 عاماً دون انقطاع، ثم عاد السلطان الشهير علي دينار وحكمها من سنة 1898م حتى 1916م، حيث ضُمت بعد ذلك إلى السودان في عام 1917م " (4).

كان الإقليم يسمى بسلطنة دار فور الإسلامية، حيث قسمت البلاد إلى أربع ولايات رئيسية تحت قيادة سلطان البلاد، ويساعده عدد من الوزراء، وكان مجلس وزراء السلطان يقع عليه العبء الأكبر في اختيار السلطان الجديد بعد وفاة السلطان بالتنسيق مع مجلس الشورى. وكان له مجلس استشاري يتكون من الأعيان، بما فيهم حكام الولايات الأربع، وكان من اختصاصه مساعدة السلطان في تسيير أمور البلاد، والمساهمة في اختيار السلطان الجديد.

وللتواجد المصري في دار فور دوافع أهمها: "حاجة مصر للنحاس والتبادل التجاري. وخضعت دار فور لحكم المهديين، مما تسبب في وقوع معارك من أجل الاستقلال، ساندتها بعض السلطنات المجاورة، والتي استقطبت اهتماماً عالمياً، ثم تم اختيار السلطان علي دينار ليتولى قيادة سلطنة دار فور ورئاسة حكومة الظل لتحرير دار فور من المهدية وخاض معارك عنيفة مع المهديين، وأثناء ذلك تمكن السلطان حسين محمد عجيب أبو كودة من القيام بثورة والإطاحة بسلطة المهديين وأعلن استقلال سلطنة دار فور الإسلامية، تنازل بعدها عن السلطة للسلطان علي دينار؛ الذي أدرك أن هناك رغبة من حكومة السودان التي كانت تخضع لسيطرة الإنجليز وقتها في ضم دار فور إليها، وتقويض استقلالها؛ لذا أرسل إلى حاكم السودان "كتشنر" يعلن قبوله بالتبعية الاسمية لحكومة السودان شريطة الاعتراف به سلطاناً على دار فور، وشاءت الأقدار أن تكون سياسة حكومة السودان في تلك الفترة هي عدم التدخل في شؤون دار فور، حيث قرر الإنجليز أن يرضوا بسيادة اسمية على دار فور وترك أمرها لواحد من أبنائها؛ لذا تم الاعتراف بعلي دينار سلطاناً على الإقليم؛ شريطة أن يرفع العلمين المصري والإنجليزي في عاصمته الفاشر، وأن يدفع جزية سنوية مقدارها 500 جنيه " (5).

وقد أقام السلطان علي دينار نظاماً إدارياً متطوراً لتسيير دفة الحكم، فكون مجلساً للشورى، وعين مفتياً لسلطنته، ومجلساً للوزراء وأسس جيشاً. وقد تفرد السلطان على دينار بأعمال الأوقاف في الحجاز خدمة للحجيج، ومن الشواهد الحالية أوقاف السلطان علي دينار في الحجاز، وآبار علي على مشارف المدينة المنورة، وباب شريف بمدينة جدة.

وأثناء الحرب العالمية الأولي التي خاضتها الدولة العثمانية ضد الحلفاء جاهر علي دينار بعدائه لحكومة السودان وأعلن استقلاله التام عن السودان. على إثر ذلك قررت حكومة السودان السيطرة على دار فور والإطاحة بعلي دينار الذي ناصر الدولة العثمانية ضد الحلفاء، ووقعت عدة معارك بين الجانبين، وانتهى الأمر بمقتل علي دينار في 6 من نوفمبر 1916م وهو يؤم المصلين في صلاة الصبح، وأعلن عام 1917م ضم سلطنة دار فور إلى السودان؛ مما أدى إلى حدوث ثورات عديدة.
ودخل الإسلام دار فور قديماً قبل قيام سلطنة الفور، إلا أن سلاطين الفور الذين اهتموا ببناء المساجد وبناء الخلاوي واستقدام العلماء من تمبتكو في غرب أفريقيا، كما أن بعض القبائل غير العربية كان لها أثرها في نشر الإسلام في دار فور. وقد تفرد أبناء الفور بحفظ القرآن الكريم، وهي التي عرفت بـ " حبال الفور "، وهي طريقة متفردة يستعين الحافظ فيها بالحبال لحفظ الآيات المتشابهة، وفي هذه المرحلة يعرف الحافظ أعداد حروف القرآن، ولا يعتبر الحافظ حافظاً إلاّ إذا كان عارفاً بفن الحبال والحروف، وهو قمة المعرفة عند أبناء الفور.

نرى من هذا الإيجاز لتاريخ الإقليم أنه كان ومازال حتى وقتنا الحاضر مطمع لمنظمات عالمية ودول كثيرة في العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، لأسباب بعضها معلن وبعضها غير معلن ومن أهمها: أن إقليم دار فور غني بالبترول وباليورانيوم، وهو أكبر منتج ومصدر للصمغ العربي في العالم، وأن أكبر مستورديه هي الولايات المتحدة الأمريكية؛ إضافة إلى " النظرية الأمنية الأمريكية والتي ترى أن أمن أمريكا يمتد عبر البحار مثل قضايا انتشار الأسلحة غير التقليدية والإرهاب والمخدرات والبيئة وغيرها، ورغبة أمريكا في بناء مطار يُستخدم كقاعدة رئيسة لإٌعادة تموين الطائرات العسكرية الأمريكية بالوقود؛ ورغبة أمريكا في استخراج النفط، والتخلص من الصين باعتبارها أكبر المستثمرين في النفط السوداني من خلال الشركة القومية الصينية للبترول " (6)، وحماية الكيان الصهيوني الغاصب في فلسطين، والعمل على امتداده وتغلغله في أفريقيا من خلال موقعه الهام؛ ليتمكن من السيطرة على أهم المواقع الجغرافية في العالم وبسط اليد على ثرواته الحيوانية والزراعية والمعدنية النفيسة وموارده الطبيعية. ولقد آن للمسلمين أن يستيقظوا ليدركوا حقيقة ما يجري ضد المسلمين على أرضهم وفي كل بقاع المعمورة، بدعوات مصطنعة وزائفة كالديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات، والحرب على الإرهاب، وشعارات أخرى ماكرة وحاقدة يروج لها كل من امتلك من القوة والعلم والإعلام والصناعة والسلاح والتقنيات الحديثة؛ ويتبين لنا أن المسلمين مستضعفون، حيث يتعرضون لهجمة صليبية صهيونية شرسة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والصهيونية العالمية، بخطط منهجية منظمة ومعدة ومقررة سلفاً، وما قانون مكافحة العداء للسامية الصادر عن الولايات المتحدة الأمريكية في منتصف شهر أكتوبر للعام 2004 م، لدليل على رغبة أمريكا في السيطرة على العقل البشري والثروات والأرض، من خلال هذا القانون الظالم، والذي يعطي " السلطات في أمريكا رصد أعمال ما يسمى بالعداء للسامية في البلاد الإسلامية والعربية والعالم بأسرة، من خلال التنصت والرقابة والمتابعة في الجامعات والمساجد والمدارس وفي وسائل الإعلام والندوات والمناهج الدراسية وحتى ما جاء في كتاب الله عز وجل " (7)؛ وإنّ تدخل الولايات المتحدة الأمريكية والعالم في دار فور ما هو إلاّ دليل على هذه الهجمة المنظمة على هذا الجزء من عالمنا الإسلامي، لتطبيق مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يدعون إليه، والذي أصبح متعثراً في العراق بسبب صمود الشعب العراقي ومقاومته الباسلة لقوات الاحتلال الأنجلو أمريكي وحلفائهم، وهو امتداد لدولة الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين ومقدساتها، وتمهيداً لاحتلال هذا الجزء الهام من أرض أمتنا المسلمة، والسطو على خيراته وثرواته وتاريخه وانتماؤه الإسلامي العريق ودوره في نشر الإسلام عبر مناطق أفريقيا الوسطى وتشاد وليبيا وغيرها، وإلاّ فأين المجتمع الدولي من الحروب الدائرة في مناطق عدة من العالم، وأين العالم من الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان والتطهير العرقي، والممارسات اللاإنسانية من قبل بعض الحكومات والمنظمات العنصرية الموجودة. لماذا يتحرك العالم قاطبةً وبدون تأن في قضية ما؛ ولم يتحرك في قضايا عديدة لها عشرات بل مئات السنين؟ أليس ذلك تحيزاً مثيراً للاستغراب والسخرية؟ أم هذه هي سياسة الكيل بمكيالين!.

وبدورنا نحن المسلمين لا يمكن لنا إطلاقاً أن نفصل ما يجري في دار فور عن قضايا أمتنا الإسلامية العادلة، ولا يجوز لنا أن نتخلى عن هذا الجزء الغالي من أرض أمتنا المسلمة، ونقف لنرى كيف يمكن أن تتحول ديار المسلمين إلى ثكنات عسكرية صليبية صهيونية؛ " كما جاء في مشروع مبادرة مواجهة الأزمات الإفريقية التي اعتمدتها أمريكا عام 2001 م كبديل للتدخل الأمريكي المباشر في النزاعات الإفريقية، حيث يهدف المشروع إلى تكوين وحدات عسكرية أمريكية بأعداد ضخمة تقدر بـ 12 ألف جندي قادرة على العمل بشكل فعّال بمفردها "(8).

ونرى أنه لا بد من وقفة إيمانية تجاه ما يجري في دار فور وغيرها، وتحرك إسلامي لدراسة واقع العالم الإسلامي، وإيجاد الحلول المناسبة لكل ما يعانيه سياسياً، وعسكرياً، واقتصادياً، واجتماعياً؛ للعمل على حمايته من السقوط في أيدي هذه القوى الطاغية والمستبدة، عن علمٍ ووعيٍ، يدفع عنه الظلم والتسلط والجوع والفقر والعطش، ونهب الثروات، بالكلمة والموقف والدراسة من خلال منهاج الله، والعلوم الأخرى التي تكون قوة في أيدي الأمة تارة، وبالزود عن هذه الأمة وعقيدتها تارة أخرى، بالبذل والعطاء والجهاد ونقاوة الفكر؛ دون الركون إلى الحياة الدنيا وملذاتها ومفاتنها للخروج من الذلة والهزيمة إلى النصر والعزة والمنعة والقوة؛ بنية صادقة وعزيمة قوية، ونهج مفصل وتخطيط واضح وأهداف جلية؛ وإلاّ سندفع الثمن باهظاً وسيمتد العدوان ليشمل أماكن أخرى من ديار المسلمين؛ وبالتالي نكون قد تخلينا عن مسؤولياتنا وأضعنا الأمانة التي أُنيطت بنا، وسوف نُسأل عنها أمام الله " (9).

إنّ حرمة تفرق المؤمنين وتمزقهم إلى شيعٍ وأحزاباً، هي إحدى ثلاث حقائق يذكرها الدكتور عدنان النحوي في العديد من مؤلفاته، " يدعو المؤمنين من خلالها ليكونوا صفاً واحداً، يستطيعوا أن يؤدوا الرسالة الموكولة إليهم، والمتمثلة في العبادة التي خُلق لها المؤمن، الأمانة التي حملها، الخلافة التي جُعلت له، والعمارة التي أُمر بها " (10). ويضيف فضيلته إن الله سبحانه وتعالى لا يحب لعباده المؤمنين أن يتفرقوا شيعاً وأحزاباً. إن الله سبحانه وتعالى يحب لعباده المؤمنين أن يكونوا صفاً واحداً كالبنيان المرصوص. ? إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص ? [ الصف : 4 ]، كذلك ? ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم ? [ آل عمران:105]، وآيات أخرى كثيرة وأحاديث تبين خطر التفرق والتشرذم وأثرهما السلبي على واقع المسلمين؛ وترك هذا الشعب المسلم في السودان يواجه مصيره دون دعم سياسي واقتصادي وعسكري من المسلمين ومنظماته الإسلامية والعربية والأفريقية. وما يثير العجب والاستغراب موقف الشرعية الدولية ومؤسساتها من قضية دار فور، وتبني مجلس الأمن قراراً حولها بتاريخ 30 يوليو 2004م، بالموافقة على مشروع القرار الأمريكي البريطاني بالتدخل السافر مهدداً بلجوء مجلس الأمن إلى البند 41 من ميثاق الأمم المتحدة والذي يُتيح فرض إجراءات عقابية كاملة أو جزئية للعلاقات الاقتصادية، وتجميد العلاقات الدبلوماسية، وبحظر فوري على السلاح لكافة الجماعات المسلمة، يصل إلى حد التدخل العسكري. والسؤال الذي يبحث عن إجابة، لماذا هذا التدخل غير المحدود في هذا الإقليم بالذات؟، في حين أن جذور الأزمة في دار فور تعود إلى فبراير 2003م، أي منذ شهور؛ بل منذ سنوات.

وبنظرة واقعية محايدة يتضح لنا أن وراء هذا التدخل أصابع أجنبية، " حيث تذكر بعض التحليلات والصحف أن هناك أطرافاً إقليمية قد تدخلت لدعم متمردي دار فور، فتلمّح لدور إسرائيلي في هذا النزاع، وهو ما أكدته الحكومة السودانية، كما اتهمت الحكومة السودانية إريتريا بدعم المتمردين، والعمل كحلقة وصل بين بعض حركات التمرد وإسرائيل"(11)، و "هناك عدد من المنظمات التنصيرية الأوروبية والأمريكية كمنظمة ميرسي كوربس الإنجيلية التي قضت 25 عاماً بالتنصير في جنوب السودان والألمانية كمنظمة G.T.Z، ومنظمة OXFAM البريطانية، ومنظمة أطباء بلا حدود الفرنسية، ومنظمة العون الكنسي النرويجية التي ثبت تورطها في دعم التمرد " (12)، حيث تقوم بأدوار في غاية الخطورة، وتستغل العمل الإغاثي في عمليات التنصير كما جاء على لسان وزير الداخلية السوداني، ولتحقيق أبعاداً سياسية واقتصادية واجتماعية وعسكرية.

نحن لسنا ضد فئة على أخرى ولا أحد يرضى بالظلم، وإنما ضد التدخل الدولي غير العادل في قضايا أمتنا الإسلامية، ولن يستقيم أمر أمتنا بإثارة العصبيات الجاهلية والإقليمية بين السكان العرب بالإقليم والأفارقة، ولكن على كلا الطرفين جزءاً كبيراً من المسؤولية عن هذه الأزمة، لعدم تفهمها لطبيعة الإقليم، والخلافات التي تنشأ فيه من حين لآخر، وعدم الاهتمام بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والعمل على تطوير البنية التحتية والخدمات العامة والتعليم والصحة وغير ذلك، ولا يجب أن تعطى الفرصة لمنظمات مغرضة أو للمجتمع الدولي الذي يكيل بمكيالين إلى التدخل وإعطائهم المبررات لذلك. والحكم بالعدل والمساواة بين كل الفئات الموجودة في دار فور، وأن يكون هناك توزيع عادل للثروات الموجودة؛ فالكل مسؤول عن ذلك أمام الله وأمام الخلق.

وعلى أطراف النزاع الأخرى المتمثلة في حركات التمرد الثلاثة في الإقليم والتي تأخذ على عاتقها " السعي لقسمة الثروة والسلطة بعدالة ومساواة وخلق سودان فيدرالي ديمقراطي موحد، وإنهاء التمييز العنصري في منهج الحكم، وإشاعة الحرية والعدل والمساواة، ووقف جميع الحروب، وبسط الأمن، وتسخير إمكانات الدولة وتوجيهها لتحقيق تنمية بشرية واقتصادية متوازنة، ومحاربة الفقر"، كما جاء في إعلاناتهم التأسيسية الصادرة عنهم "(13)، أن تتحمل مسئوليتها بعدم تصعيد الأزمة، وتشريد المزيد من المدنيين، وانتهاكات أخرى لحقوق الإنسان؛ آخذين في الاعتبار وضع السودان المنهك من حرب دائرة في الجنوب، ومدعومة من جهات أجنبية تعمل على تقسيم السودان، وكذلك المناخ الدولي غير الفاعل، والانتخابات الأمريكية لتصعيد الأزمة واستخدام السلاح وفرض شروط طرف على آخر؛ فلا أحد رابح في هذه الأزمة، والرابح فيها خاسر بالدرجة الأولى، ولا يجوز ابتزاز طرف على حساب آخر.

وأخيراً: هل دار فور هي آخر جرائم الولايات المتحدة الأمريكية، وأطماعها، وهل تدخلاتها اللامحدودة في شؤون العالم الإسلامي، وحروبها المسعورة على الإسلام والمسلمين هي آخر الحروب ؟؟، أم هي حروب صليبية جديدة بلباس جديد!! وهل ستنطوي علينا وعلى العالم كله المبررات الكاذبة التي تطلقها الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ورائها الصهيونية العالمية؟؟.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ




أهم المصادر والمراجع

(1) مقالة بقلم : مصطفى عاشور بعنوان " دار فور عبر العصور "، منشورة على موقع إسلام أون لاين على الشبكة العالمية ( الإنترنت )، بتاريخ 18/8/2004 م. و للمزيد من المعلومات حول دار فور يُرجى الاطلاع على كتاب " تاريخ دار فور عبر العصور " للكاتب السوداني:أحمد عبد القادر أرباب، 1998م، الخرطوم.
(2)، (8) مقالة بقلم : راوية توفيق بعنوان " دار فور..طبيعة الأزمة وأطراف النزاع "، منشورة في مجلة البيان، العدد 204 شعبان 1425هـ- سبتمبر/أكتوبر 2004م، ص 42 - 43.
(3)، (9) مقالة بقلم : د.عبد الحي يوسف بعنوان " الصراع في دار فور..تأملات ووقفات "، منشورة في مجلة البيان، العدد 204 شعبان 1425هـ - سبتمبر/أكتوبر 2004م، ص 69 – 70.
(4)، (6) مقالة بقلم:حسن الرشيدي بعنوان "الدور الأمريكي في أزمة دار فور "، منشورة في مجلة البيان، العدد 204 شعبان 1425هـ - سبتمبر/أكتوبر 2004م، الصفحات 56، 57، 58.
(5) قناة الجزيرة، " برنامج بلا حدود "، www.aljazeera.net
(7)عدنان علي رضا محمد النحوي،"عهد الله والعهد مع الله بين التفلت والالتزام"، الطبعة الأولى 1421هـ - 2000م، دار النحوي للنشر والتوزيع، الرياض، ص 38، ص 53، وللمزيد حول " واقع الأمة المسلمة وقضاياها "، يُرجى الاطلاع على العديد من مؤلفات الدكتور عدنان على رضا النحوي.
(10)البيان التأسيسي لحركتا العدل والمساواة، حركة تحرير السودان، موقعا الحركة هما بالترتيب، www.sudanjem.com و www.slma.tk .








 
رد مع اقتباس
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 05:36 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والردود المنشورة في أقلام لا تعبر إلا عن آراء أصحابها فقط