اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالستارالنعيمي
اُسطورة الغيد
هلوسةُ الشعرِ أصارعهـــا*** عند المساءِ زاد تنهيــدي
وآخـــر الليلِ تبـاغتنـي الــ *** جِـنُّ بهيئـــات الأماليــــدِ
بيضا تراهـنّ ثلــوجَ شتــــا *** ءٍ قارسٍ فــي نُقـبٍ ســودِ
يلبسن من عيون حـورِ ظبا**يكنسنَ فـي متسـع الـبـيـدِ
خميصةُ البطنِ يميــلُ بهــا**ردفٌ ثقيل عانقتْ جيدي
غنّـتْ علـى ألحانها هزجي***شعري بفيها رنّــةُ العــودِ
قالـت:ألا تبــدو غـزالتـكـم**كمن يفوزُ فـــي الأناشيدِ
قلتُ بلى أن الحروف بدتْ*مسعودةً في ثغــر مسعودِ
فالطيرُ لا نهوى له نـغـــما*ما لم يكن من شدو غــرّيـــدِ
قالت ألا ليت الحياة كذي*تُقضـى بلا هجـــر وتسهيدِ
**
إنسحبي عـن شاعـــر يَقِــظ *** أيتها الجِنّـةُ؛بـل عــــودي
هـذي يـدُ النسكِ وذي مُثُل** طوّقتا منذ الصبا جيـــدي
والعمــــر ذا متّــكـئ نـدمـــــا*** يصيح بالنفـــسِ ألا هِيـــدِ
أما شبعتِ مــن ممارسة الـ***شعـرِ ومـن أسطورة الغيـدِ
أسطــورة ما كنت أحسبها**محض خيال رغم تفنيدي
حتى قطار العمـر فات بنا*لم يلتفت في السير إن نودي
يا نفسُ ردي عن هواك ولا** تنغمسي فــي بُـرك سـودِ
غـدا تواري سَوأتي تُرَبٌ**تُفنى عظامي في حما الدودِ
جلّلتُ لي في القبرمن حَكَم*بيني وبين النفسِ محمودِ
-------------
|
|
السلام عليكم
موضوع القصيدة في غاية الإثارة !
وطريقة معالجة الموضوع مثيرة كذلك ...وكأنها تجربة حقيقية مع الجِنَّة لا محض خيال !
مرَّت في القصيدة صور شعرية أخّاذة في توصيفها للجنيات المفترضات:
بيضا تراهـنّ ثلــوجَ شتــــا *** ءٍ قارسٍ فــي نُقـبٍ ســودِ
يلبسن من عيون حـورِ ظبا**يكنسنَ فـي متسـع الـبـيـدِ
فتلك الجنيات بيضاوات البشرة ، وبياضهن الناصع ليس كما هو متعارف عليه من البياض ، إنه بياض ثلجي يجعلك ترى تلك الجنيات كما لو أنهن ككل مكوّنات من الثلوج في شتاء قارس ، ففي حدة هذا البياض ونصاعته ما ينذر بقسوة البرد ،غير أن الجنيات منتقبات بنُقُبٍ سوداء اللون ، فهنّ يتراءين كنسوة من البشر وقد ارتدت كل منهن نقابها الأسود فبدون وكأنهن يلبسن عيونهن الغزلانية الحوراء لباساً ، ثم إنهن منتشرات على اتساع البيداء وكل منهن تحمل مكنستها التي ينبغي لنا أن نتخيلها مكنسة سحرية، وكأنهن يحملن المكانس ليكنسن بها في تلك الصحراء المتسعة .
وتقترب الجنيات من الشاعر اليقظ ويحاولن إغراءه ، غير أنه على الرغم من إعجابه بهن يردهن عنه بنسكه وعفافه ..
خميصةُ البطنِ يميــلُ بهــا**ردفٌ ثقيل عانقتْ جيدي
غنّـتْ علـى ألحانها هزجي***شعري بفيها رنّــةُ العــودِ
قالـت:ألا تبــدو غـزالتـكـم**كمن يفوزُ فـــي الأناشيدِ
قلتُ بلى أن الحروف بدتْ*مسعودةً في ثغــر مسعودِ
فالطيرُ لا نهوى له نـغـــما*ما لم يكن من شدو غــرّيـــدِ
ففي الوقت الذي تظن فيه إحداهن أنها قد تمكنت من الاستحواذ على الشاعر يردعها برده المباغت ذي القرار الثابت .
قالت ألا ليت الحياة كذي*تُقضـى بلا هجـــر وتسهيدِ
**
إنسحبي عـن شاعـــر يَقِــظ *** أيتها الجِنّـةُ؛بـل عــــودي
هـذي يـدُ النسكِ وذي مُثُل** طوّقتا منذ الصبا جيـــدي
إنها تجربة فريدة حقاً أن يكون هذا الحوار مع نسوة الجن لا مع نسوة الإنس ، ففي الولوج إلى جو الأسطورة سحر إضافي يتملك النفس ويزيدها من متعة المغامرة والاكتشاف ، وقد كان مُعجِباً ذلك الهدوء النفسي الغامر الذي خاطب به الشاعر جنياته المتحببات إليه ، فهو ليس خائفاً ولا مذهولا ولا مندهشاً مما يجري ويحدث معه بحضور جنياته الغيداوات ، بل هو يقظ ومتوازن وقادر على مجاراة الجنية في حوارها الذي استلطفته فيه . ثم إن فوق ذلك - وهو مالك لزمام أمره - يصدر أوامره فيأمرهن بالانسحاب والعودة من حيث أتين بكل ثقة وثبات.
إنسحبي عـن شاعـــر يَقِــظ *** أيتها الجِنّـةُ؛بـل عــــودي
وهكذا ينتصر الشاعر بحكمته وامتثاله لطاعة الله ويخرج من أسطورته الشعرية " أسطورة الغيد " وهو أكثر مما كان ثباتاً واتزانا ً...عساهن لا يعدن للانتقام منك يوماً ما أخي الشاعر المبدع وقد فرقتهن عنك في تلك الصحراء المتسعة .ما عليكم إلا التزام قراءة المعوذات ، وتلك نصيحتنا .
التحية والتقدير