الزائر الكريم: يبدو أنك غير مسجل لدينا، لذا ندعوك للانضمام إلى أسرتنا الكبيرة عبر التسجيل باسمك الثنائي الحقيقي حتى نتمكن من تفعيل عضويتك.

منتديات  

نحن مع غزة
روابط مفيدة
استرجاع كلمة المرور | طلب عضوية | التشكيل الإداري | النظام الداخلي 

العودة   منتديات مجلة أقلام > منتديات اللغة العربية والآداب الإنسانية > منتدى البلاغة والنقد والمقال الأدبي

منتدى البلاغة والنقد والمقال الأدبي هنا توضع الإبداعات الأدبية تحت المجهر لاستكناه جمالياته وتسليط الضوء على جودة الأدوات الفنية المستخدمة.

إضافة رد

مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان)
 
أدوات الموضوع التقييم: تقييم الموضوع: 1 تصويتات, المعدل 5.00. انواع عرض الموضوع
قديم 08-10-2011, 12:05 AM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
هدى قزع
عضوية مجمدة
 
إحصائية العضو







هدى قزع غير متصل


افتراضي الأسطورة في شعر عبد الرحيم عمر1/هدى قزع

الأسطورة في شعر عبد الرحيم عمر




" يا كلمات الشعراء احترقي واتقدي مشاعلًا
يا كلمات الأنبياء رفرفي ترقرقي في دربنا مناهلًا
لكي يموت شاعر على الدروب المظلمة
وتستفيق أمة على أساها نائمة"



(عبد الرحيم عمر ،الأعمال الشعرية الكاملة ، ص128)


يعنى هذا البحث باستخدام عبد الرحيم عمر للأسطورة والرمز باعتبارهما أداة فنية في بنية النص الشعري ، ومن نافلة القول الإشارة إلى أن استخدام الأسطورة في الشعر العربي الحديث ليس إعادة إنتاج للمبنى القصصي والفكري الظاهر في الأسطورة الأصلية ، وإنما هي في النهاية أداة وتشكيل ، لا تقف عند الظاهر ولا تطفو على السطح ، وإنما تشكل النص وتتشكل به .
ويعد عبد الرحيم من أوائل الذين اهتموا بالأسطورة ، باعتبارها أداة تشكيل وبناء ، في الشعر العربي الحديث في الأردن وفلسطين ، بيد أن اهتمامه لم يكن انسياقًا وراء الاحتفال السائد ، آنذاك ، بالأسطورة لدى الشعراء والرواد في الوطن العربي ، ولا محاولة للتباهي بإظهار الثقافة وادعاء الحداثة ، وإنما كان استلهامه للأسطورة جزءًا من حساسيته الشعرية ، وبحثه عن الأدوات الشعرية القادرة على تشكيل تجربته ، ومحاولة فهمه للعالم .
وربما يتبادر إلى الذهن شيء من المفارقة بين أسلوب عبد الرحيم عمر في التشكيل الشعري ونظرته إلى وظيفة الإبداع وبين استخدام أداة فنية تسهم في تعقيد عملية التلقي وقد تؤدي إلى الغموض ، فعبد الرحيم عمر _الذي كان أحد رواد الشعر الحديث في الأردن وفلسطين _ يقول حول عنف المعركة بين المحافظين والمجددين :
"وما سببه ذلك من ردّة فعلٍ لدى المجددين ضدَّ كلِّ ما هو قديم ، من جهةٍ ، ثم إسراف بعض من المجدّدين في السعي وراء الغامض المبهم من الصورة ، والخيال ، والكلمة ، وكلِّ أداة من أدوات البناء الشعريِّ من جهة أخرى ، وتجاهل بعض المجددين لطبيعة المناخ الفني الذي ستعيش فيه حركةُ التجديد هذه ولجوئهم إلى استحضار أشكال تعبيرية نبتت في مناخات غربية ، ومحاولة فرضها على المناخ الأدبي العربي من جهة ثالثة" ( عبد الرحيم عمر، الأعمال الشعرية الكاملة، منشورات مكتبة عمان ، الأردن ، 1989م ، ط1 ص28).
بيد أن من يتأمل صنيع عبد الرحيم عمر يدرك أنه ظل وفيًا لنظرته إلى الشعر ، فهو يرى الشعر رسالة فنية ، وليس من الطبيعي أن يسعى لاستخدام أدوات فنية تضعف من قيمة الوضوح وتؤدي إلى شيء من الغموض وربما الإبهام.(انظر: عبد الرحيم عمر ،المصدر نفسه، ص28)
وآية ذلك أنه لم يغال في التوسل بالأسطورة ، وما استلهمه منها في شعره ينسجم مع الرؤية الكلية التي تنبثق من الإحساس بمأساة المكان ، التي تنضوي تحت ثنائية الإقامة والرحيل ، وهي ثنائية تتآزر مع منظومة من الثنائيات التي تقيم بناء شعره الفكري إذ تأتلف معها ثنائية العدل والظلم ، والحرية والعبودية ، والوطنية والعمالة ، والأنانية والتضحية ، والجرأة والجبن إلى غير ذلك.
" ولعل عدم ميل عبد الرحيم إلى الإكثار من استخدام الأسطورة يعود إلى علة بنائية ، إذ يحتاج هذا الاستخدام إلى نوع من الأناة ، والصنعة الخفية ، والصبر على تأمل الفكرة الشعرية في جوهر الأسطورة وتمثيلها وإحالتها إلى روح خفية في شبكة العلاقات المتآزرة ، وعبد الرحيم عمر أقرب إلى الشاعر المطبوع وربما يضيق ذرعًا بالوقوف أمام هذه التقنيات الحديثة " (إبراهيم السعافين ، الأسطورة في شعر عبد الرحيم عمر ،من أوراق ندوة " عبد الرحيم عمر الشاعر الذي قال شيئا وارتحل" التي عقدتها وزارة الثقافة بمناسبة الذكرى الثانية لوفاته ، الأردن ، 1998، ص17) .
بيد أن قلة الأساطير المباشرة في شعره لا تمنع استلهام روحها في شعره ، ولا بدّ من الدراسة التفصيلية لاستجلاء هذا الجانب .
المحور الأول ( الأساطير الغربية ) :
لعل توظيف الأساطير الغربية هي الظاهرة الأنضج والأكثر حضورًا في قصائد الشاعر الذي عمل على استحضارها وإسقاطها على الواقع ، وكثيرًا ما انطلق الشاعر في بناء القصيدة من خلال ثقافته الأسطورية ، إذ يكون البعد الأسطوري هو الحافز لكتابة القصيدة .
كما هو الأمر في قصيدة " من ليالي بنلوب" :
مات النهارْ
يا مغزلي المنكودَ قد مات النهارْ
والزائرون التافهون تجمعوا خلف الجدار
لكنهم لن يدخلوا
يا بيتي المحزون إني في انتظارْ
ستفُلُّ كفُّ الليل ما حاك النهارْ
لكن سيولدُ من جديدْ
يومٌ جديدْ
وأعود أرنو للبحارْ
وأعلِّقُ العين الحزينة بالبعيدْ
ويدورُ مغزلي العنيدْ (الأعمال الشعرية الكاملة ، ص75).
كتب عبد الرحيم عمر هذه القصيدة في أثناء اغترابه في الكويت1959 ، وقد ابتدأ قصيدته بمقدمة صغيرة عرّف فيها القارئ بالأسطورة الإغريقية ، ثم ذكر أن " بنلوب" كانت تتسلى في غياب زوجها بحياكة الصوف ، ولكنها كانت تفلّ في الليل ما تغزله في النهار ، فعاشت عمرها في انتظار حبيبها "أوديسس"الغائب.
واستعار عبد الرحيم جو أسطورة بنلوب _أوديسس ؛ ليعبّر عمّا تلاقيه "بنلوب" - وأحسب أنها هنا"فلسطين" _من حزن وألم في ظل المحتل وبعد الأهل ، وهي ما زالت تنتظر "أوديسس" الفارس العربي المخلّص ، فتأتي الرؤى مضيئة تبعث على التفاؤل ، فالجبين مرفوع ، والحلم حنون ، والحب لم تنل منه السنون ، والمحيّا جميل ، وهذه القصيدة تذكرنا إلى حد بعيد _بقصيدة بدر شاكر السياب "رحل النهار" إلا أن السياب كتبها بعد عبد الرحيم عمر ، ويذكر " السندباد" بدلًا من "أوديسس" فهو تركيب مزدوج يقوم على جمع نموذجين أسطوريين ، أحدهما

عربيّ ، والآخر إغريقي :
رحل النّهار
ها إنه انطفأت ذبالته على أفق
توهجّ دون نار
وجلست تنتظرين عودة سندباد من السّفار
والبحر يصرخ من ورائك بالعواصف والرعود
هو لن يعود (بدر شاكر السياب ، رحل النهار ، مج1، دار العودة، بيروت، 1989، ص229) .
أما في قصيدة "غرباء في الجزائر" فصورة "بنلوب" هي هي ، فما زالت تنتظر عودة الحبيب الغائب، يقول :
لم تزل " بنلوب" ترنو للجديد يهلُّ من شيب الزمان
وللجديد يطلُّ من موج البحار ولا تملُّ مُسائِلَهْ:
يا عابر الدرب العنيد أما رأيت من البعيد
شجًا يذوب على الحديد ولوعة متحاملة ؟ ( ص396_397)
لا زالت "بنلوب" عبد الرحيم تنتظر الغائب ، وتسأل عن عودة الحبيب الغائب ، وكأني بالشاعر قد ملّ الانتظار ، وشعر بثقله ، فخفّت روح الأمل لديه ، وخاصة وأن فترة ربع قرن أو يزيد من الأحداث (بين القصيدتين) كانت كافية ليغيّر عبد الرحيم رأيه في العودة ، وخاصة وأنه استبصر الحقيقة أكثر من قبل .
ولكن في القصيدة الأولى "من ليالي بنلوب" نجده قد بنى قصيدته على تلك الأسطورة ، وقد استوحى جوهر الأسطورة وروحها ، فبعثها حيّة في جسد وروح جديدين .
أما في قصيدته الثانية " فبنلوب" تمر مرورًا عابرًا ، رغم إفادته من هذه الإشارة ، بحيث شكلت الوجه التعبيري الذي انتظم الأمل بالنصر والعودة الذي قامت عليه القصيدة.
أما أسطورة "بروميثيوس" فقد وظفها في شعره في قصيدتين هما :
"انتظار" وقصيدة "ضائع على الدرب " ، ففي قصيدة انتظار 1959 ، يقول عبد الرحيم مضمنًا أسطورة سارق النار الثائر "بروميثيوس:
يا ليل قد شابت أمانينا وعاث بها الظلام
فمتى الصباح يهلُّ !؟ قد ملَّ النيام
حتى نجومك باهتات ترتعش
مقرورة تشكو انتفاضات الرياح
وتلفُّها
وكأنّ ما يعنيك أمرٌ مبهم
فنسيتها وتركتها
وتركت أرض الله في صمتٍ ثقيلْ
وكتمت أنفاس الحياة ( ص78)
وقد قدم عبد الرحيم للقصيدة بالمقدمة التالية : " في الأساطير اليونانية أن بروميثيوس قد تمرّد على الآلهة التي أرادت لبلاد اليونان الجميلة أن تعيش في الظلام ، فاختطف النار من مركبة إله الشمس ، وألقى بها لليونان " .
فعبد الرحيم يسقط أحداث هذه الأسطورة على الواقع العربي المعاصر ، هذا الواقع الذي يعيث به الظلام الطويل ، وكأنه يبحث عن منقذ مخلص يأتي لأمته العربية بالضياء ، ويطرد حشرجات هذا الليل البهيم .
والشاعر "يتمثل أبعادًا عامة في طبيعة الفكر البروميثي تتلخص في هذه الحَيْرة بين التطلع للخلاص واليأس من تحقيقه في آنٍ ، والقصيدة بمجملها تقدم صورتين : صورة تضجر الإنسانية من طول الظلام ، وما رافق هذا الظلام من غياب الإحساس بالحياة ، أما الصورة الأخرى فتكمن في جذوة الأمل حيث يعلو الإحساس بالخلاص ، أو في بعث النور في ليل البشر " (علي الشرع ، الفكر البروميثي والشعر العربي الحديث، منشورات جامعة اليرموك، 1993 ، ص69) .
والشاعر لا يصرّح بالإشارة إلى أسطورة "بروميثيوس" بل يكتفي بالإيحاء بمضمونها ، فبروميثيوس رمز الثورة والثوار ، وهو قوة التغيير الذي يجتاح العالم العربي ، إلا أن اليأس من التغيير يغمر قلب الشاعر، فيقول :
وتموت أصداء النداء
وتغيض في الأرض الحزينة
حيث الدم المطلول والشرف الذبيح
والصّمْت إلا حشرجات الميتين
ثم ابتهالات النساء
ياربّ قد حقَّ الجزاء
ياربِّ إنا كالشظايا فوق أرض المعركة
ماتت أحاسيس الجراح (ص79)
وفي قصيدته الثانية "ضائع على الدرب" لا يصرّح الشاعر بالإشارة إلى الأسطورة ، بل يكتفي بالإيحاء بمضمونها ، وذلك من خلال المقابلة بين الظلمة والنور ، وهي " تقدّم صورة ألصق بأسطورة بروميثيوس وبملامحه الفكرية والفنية ، والشاعر يتقمص في هذه القصيدة روح التمرد الإنساني رغم إحساسه العميق بالحدود الضيقة التي يتحرك فيها "( علي الشرع، ص70) .
فهو يقول:
فانوسكَ الخابي مجاعة مقلتيك
ضاع الطريق
لا الريح تكشفه ولا جرُّ الخطا المكدود فوق الرمل
يقطع رهبة الليل العميق
التيه خلفك ضاع ما قدمت من عرق
ومن دمع سفحت على الطريق
ومصير جدِّك ينتظر (ص31)
وهكذا فإن "بروميثيوس" يبقى رمزًا للإرادة التي لا تقهر ؛ لأنه واثق من انتصار قضيّته :
ضاع الطريق
وسننتصر
وسننتحر (ص33)
وفي قصيدة "إيفاجينايا ...تواجه البحر" ارتقى عبد الرحيم فنيًا في استخدام الأسطورة حتى غدّت جزءًا من بنية القصيدة ، وقد قدّم الشاعر لقصيدته بالمقدمة التالية :" ثار البحر ، وأوشكت الحملة المتوجهة إلى طروادة على الغرق ، فسارع أجامنون إلى الكاهن ، فجاء الجواب أن عليه إلقاء ابنته إيفاجينيا إلى أعماق البحر استجابة لرغبة " يوسيدون" الذي يريد الزواج بها " ويقول فيها :
يا عروس الأبدية
أنتِ يا من كُوِّنتِ من نور عيني ، ومن رفات روحي!
أنت...يا إيفاجينايا
عابس وجه الصباح
وصراخ الموج والحيتان في الآفاق ترجيع استغاثات جريح
بالجراح
أنزلت آلهة الأولمب بالجملة أنواع الرزايا
فغدت مشلولة غص بها البحر فما في عصفه درب غدوٍّ أو
رواح
فاصبري ايفاجينايا
وافتدي الحملة !
روّي غلّة الرّبِ الذي سدّ عليها الدربَ
روّي غلة العبد الذي استعدى عليها الربَّ
كوني الزاد والخمرا
وكوني الدفء والجمرا
وكوني مريم العذراء ، كوني شهرزاد (ص439_440).
بشبكة اتصالات محكمة تلتقي "إيفاجينايا " بمريم العذراء وشهرزاد لتمثل هذه النساء قصة التضحية ، وتلتحم مع مأساة الشاعر الوطنية ، لتصبح "إيفاجينايا" رمزًا لكل تضحية وفداء ، وليرى فيها فلسطين التي قُدِّمت لليهود ، وقد شحن الشاعر قصيدته بجو هذه الأسطورة ، وصاغها صياغة جديدة ، فانعتق من أسر قيود الأسطورة القديمة ؛ ليستوحي جوهر الأسطورة وروحها ، فيبعثها في جسدٍ وروح جديدين يرتكزان على التضحية والفداء .
أما "فينوس" آلهة الحب عند الرومان" (آرثر كورتل ، قاموس أساطير العالم ، ترجمة سهى الطريحي ، المؤسسة العربية للدراسات، بيروت، 1963، ط1، ص165.
فقد وظفها الشاعر دون الشكل المطور لأساطيره السابقة ، فلم تؤدِّ سوى وظيفة تفسيرية توضيحية ، بحيث أصبح غرضها هنا كغرض التشبيه في الشعر التقليدي ، فهو يقول في قصيدته "هذيان" :
كان محموم الخيال
ثائرًا ليس يَعي معنى الهُدوء
باحثًا عن غامضٍ يجهل سرّه
هو طيفٌ
هو صورة
أبدعت فينوسُ فيه كلَّ ذرّةْ (ص257_258).
ففينوس التي احتلت مكانة بسيطة في المجتمع الإلهي الروماني ، والتي ترمز أيضًا إلى الربيع والخصوبة ، هي التي ألهمت الشاعر هذا الإبداع .
وفي قصيدته " في مهرجان جرش" جعل " أرتيمس ، تزفّ إلى زفس" فيقول:
واليوم ، ها أنا ، والهوى المكتوم في القلب يرتعش
بادٍ أساي ، معذّب الخطوات أعبر يا جرش !
أشتاق للوادي الوريف
لغلالة الليل الشفيف
لمواكب التاريخ تسرد قصة الآباء والغرباء
والصّرح المنيف
ظمآن جئتك يا جرش
متطلعًا لمواكب العشّاق ...زُفَّت " أرتميسُ" "لزفس"
تلقى حبَّها ، تفنى وتخلد في صبابات من الحب اللهيف .
....
إلى أن يقول :
وتطير أشواقي سكارى
لتحوم ولهى فوق "حمّام العذارى "؟
فعسى يبلُّ الظامئ الملهوف شوقًا يا جرش
وعسى نبدّدُ غلّ آلاف السنين من العطش ( ص424_ 425) .
فقد جعل الشاعر " أرتيمس" إلهة القمر (لطفي الخوري، معجم الأساطير ، ج1،دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد ، 1990، ص31_32) أو إلهة الصيد (آرثر كورتل ، قاموس أساطير العالم ، ص161_162) ، تزف إلى "زفس" أعلى آلهة الإغريق إله البرق والرعد في السماء (المصدر السابق نفسه، ص161_162) ، ربما لإضفاء روعة وبهجة ومرح.
وفي قصيدته " الأرض المحرمة " يقول موضحًا الأسطورة :"في الأساطير القديمة غضبت الآلهة على رجل ما فقضت بأن يعيش حياته طائرًا يجوب الجو حول جبلٍ في البحر ، ومنحته فرصة الخلاص إذ يزور البر مرة كل سبع سنوات ، فإذا وجد امرأة تحبه ، تخلّص من ذلك العذاب ، وإن لم يجد عاد إلى الطيران حول الجبل في البحر مرّة ثانية " (ص163):
حملتك فوق أجنحتي
خيالًا حاني القسمات والصورة
وهدهدت الجراح وطرت في المنفى
أدور أدور لا عشًّا أطير له ولا مرفأ
يموت الليل تهجره عذارى الليل مذعورة
ويبقى ظلي المطرود يوقد غافي الأنواء
تحمله وتدفعه
كأني رائد المجهول أكتب في الفراغ الهش أسطورة (ص163) .
فعبد الرحيم يؤكد في قصيدته هذه متكئًا على الرمز الأسطوري على شخصية الفرد الذي لم يحقق أحلامه ، وهي تصور معاناة عبد الرحيم نفسه في هذه المرحلة ، وخاصة وأنه كتبها بعد حرب حزيران 1967م :
لو أني مرة أرسو على القاع الحزين هناك
أرقد تحت زيتونة
وأشتم الثرى أبكيه أذرف دمعتين إليك
واحدة لأنك يا أبا الأقدار تظلمني وترفض ميتتي دونه
وأخرى دمعة للحزن أذرفها وأتركها كما أرضي مأسورة
أراك أراك يالجدائل الأنوار ما انهمرت على الكتفين
ولا عشاقها ذهلوا
فالأرض المحرّمة هي وطن الشاعر الذي حُرِمَ منه باحتلاله ، ورجل الأسطورة الشقي هو عبد الرحيم (الشاعر) ، فهو يستوحي جوهر الأسطورة وروحها ، فيبعثها حيّة في جسد وطنه وروحه ، وقد شحنها بالحيوية والدلالات المعاصرة في صياغة جديدة ، يرغمها على التفاعل مع إرثه ، والانعتاق من أسر قيود هذه الأسطورة .
وفي قصيدته " من أجلنا ...لا ترحلوا " يلتفت الشاعر التفاتة لكيوبيد فيقول :
وأفتح قلبي للجمال يحوطه على علة أعددتُ للحبِّ نادبا
ولولا هو أنا ما ترنم طائر ٌ بوجدٍ ، ولا زانت ذُكاء مغانينا
...
ولا سهر "كيوبيد" صبًّا لياليا ولا سمعت أسحار فجرٍ قوافينا (عبد الرحيم عمر ، تيه ونار ،وزارة الثقافة، عمان ، 1993، ص27_28) .
"فكيوبيد" إله الحب عند الإيطاليين واسيروس عند الإغريق "(آرثر كورتل ، قاموس أساطير العالم ، ص168) يحضر الشاعر عند الحديث عن الحب والجمال ولوعة المحبين ، ولكنه توظيف جزئي لا يعدو كونه تضمينًا للحظات شاعرية سرعان ما تزول .
ومن الأساطير البابلية ما يبدو في قصيدة " حطين" إذ تبدو التفاتة سريعة " لتموز " الذي أحبته عشتار ، ولسبب ما غريب ومجهول ، أدّى هذا الحب إلى موت تموز ، وهكذا اختطف الموت تموز إله الحصاد ، وهو في عزّ شبابه ، وأجبر على النزول إلى العالم السفلي " (لطفي الخوري ، معجم الأساطير ، ص202) ، ويقول فيها:
تثاءب ، إذ أغفت ذُكاءُ نهارُها ومال إلى صبح الثريَا انحدارها
وما زال يُحصى نجم تموز ساهرٌ تأبَّت عليه كأسها وجرارُها
وها هو في وقر المشيب وهمُّه جفافُ عيون لا يكفُّ انهمارها
هو اليوم يومٌ والغداة قريبةٌ ولابدَّ يومًا أن تولّي عسارها (عبد الرحيم عمر ، تيه ونار، ص58_59) .
وهي_ أيضًا_ التفاتة سريعة تؤكِّد أن أنماط الإفادة من الأسطورة لدى الشاعر قد تفاوتت ، ما بين التفاتة عابرة ، واستحياء جوهر الأسطورة وروحها ، وبعث الحياة في جسد القصيدة .
وإذا كان هذان النمطان من الإفادة من الموروث الأسطوري والرمزي القديم قد شاع استخدامهما عند عبد الرحيم ، فإنّ ذلك لا يعني أن شعره قد اتسّم بنمطٍ محدّد من هذين النمطين ، وإنما قد يجتمع هذان النمطان لدى عبد الرحيم عمر .
والملاحظ _أيضًا_ أن هذا الزخم الملحوظ من توظيف الأساطير في شعره كان في الخمسينيات وبداية الستينيات ، ولكن حدّة التوظيف الأسطوري ، واتكاءه على الأسطورة أخذت تفتر في أعماله الشعرية المتأخرة .











 
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 05:32 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والردود المنشورة في أقلام لا تعبر إلا عن آراء أصحابها فقط