الزائر الكريم: يبدو أنك غير مسجل لدينا، لذا ندعوك للانضمام إلى أسرتنا الكبيرة عبر التسجيل باسمك الثنائي الحقيقي حتى نتمكن من تفعيل عضويتك.

منتديات  

نحن مع غزة
روابط مفيدة
استرجاع كلمة المرور | طلب عضوية | التشكيل الإداري | النظام الداخلي 

العودة   منتديات مجلة أقلام > منتديات اللغة العربية والآداب الإنسانية > منتدى البلاغة والنقد والمقال الأدبي

منتدى البلاغة والنقد والمقال الأدبي هنا توضع الإبداعات الأدبية تحت المجهر لاستكناه جمالياته وتسليط الضوء على جودة الأدوات الفنية المستخدمة.

إضافة رد

مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان)
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-09-2006, 11:55 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عبدالجليل الشيخ
أقلامي
 
إحصائية العضو






عبدالجليل الشيخ غير متصل


افتراضي النورس و أنشودة الحرية - محمد عثمان كجراي

النورس و أنشودة الحرية
محمد عثمان كجراي
1927م - 2003م

(1)

من مـقالة هـل ولى زمـن الشعر ؟؟ بـقـلم بـيار أبي صـعـب في زاويته الأسبوعية - مـجـلة الـوسط - العدد (601) بتاريخ 29/3/1993م: ( أليس الـشعر وجـعا حـميما، هـمسا سـريا، تـجـريـبا متـواصـلا ، تجاوزا دائـما، تـصادما مع الـواقع، و تـخـلـيا عـن كل الامتـيازات ؟ أليس مـقامرة بالذات ، و رحلة بلا قـرار بـحثا عـن الثمار الممـنوعة، والنـشـوة المجهولة ، و ذهـب الوقت المـستحيل(بروتون) و الـشـاعـر ، هـذا الـرؤيـوى ، كالعـراف الاغـريـقي الـضـرير تـرزياس ، هذا الـطائر المغـرد خارج سـربه ، تـفـرده الجـمـاعة كمـا أفردت طـرفـه بن الـعـبد ، هـذا الـرومـانـسي المتـوحد أمـام غروب العالم، الى أيـة أكـثـرية تـراه يـنـتـمي ؟ أعـزلا الا مــن أوهـامه ، يـعيد اختراع اللـغة، يشحن المفردات الـقديمة بمعان مفاجئة، و ينبت شعره على غـفـلة مـن الناس و العـدو؟؟(1).
سؤال عـن عالم الشعر و رجاله الـذيـن أصابهم التغير في كل شئ مع متغيرات الحياة المتسارعة التي أصبحت فيه الثقافة مجرد كبسولة يتناولها القارئ في ثواني معدودة في الوقـت الـذي يـعـانـي فـيه الـشـاعـر مـن مـخـاض القـصيدة و تعقيدات الحياة .

مـن هـنـا تأتي هـذه المقاربة لما ورد أعـلاه في واقع شخصية ، عـاشـت بين ظهورنا ، و رحـلـت مـن دنـيـانـا الفـانـية في أغسطس 2003م بـعـد رحـلـة مـع المرض ، بعيداً عـن الناس ضمن أهــزوجـة حـكائية تـتـناولها الأيـدي ، و تتصفحها الأعـين لقراءة السيرة الذاتية و الإبداعية للراحـل الشـاعـر/ مـحـمد عـثمان محمد صالح كجراي ، طائر الأحزان البيجاوي ، الـذي رحـل وحـيداً في مسقط رأسـه مدينة القضارف ، التي شهدت مولده في عام 1927م ، و جـزءاً مـن حياته قـبل الرحيل و الترحال مـن أجل الحرية ، التي نسج قصائده لأجلها عـبر سـنوات عـجاف (يـعـيد اخـتراع اللـغـة ، يـشحـن المـفـردات الـقديمة بـمعان مـفاجئة، و يـنبت شعـره على غـفـلة مـن الناس و العـدو) لـيـقدم روائعه الـشعرية:
أغـلى مـا أمـلك يا قلبي *** مـهرا لعيون الـحـريـة

و هي حكاية النفس و الذات ، التي أبـدع خلالها قـصـائده بـدءاً مـن خـطـابه الموجه الى الحرية رمز البراءة ، و التعبير الداخلي لاحساسه بطفولته في قصيدة أكثر من نـافذة مضاءة:
أدعـوك يـا أمـيرة الـسـفـوح و الـسهـول
يا وردة تعبـق في رمـالـنا
بالعـطر حين تجدب الرياض و الحقول
نـامـي كطـفـل رائع يـحـلم بالخـضـرة في حـدائـق الـبراءة (2).

حـيـث يوحي هـذا التوظيف للون الأخـضـر(الرمز) في قصائده بـقدرته على اسـتغلال الـفـرق بين الدلالة اللغـويـة للكلـمة و بين دلالـتها الجمالـية، لأن الـرمـز يجـسـد لكل مـا في الحياة مـن أشـياء ملمـوسة و معـنويات مـجردة ، و أداة طـيعـة للـوصـول الى المعاني و المـشاعـر و الهـواجـس و الاحاسـيس التي تعجز اللغة المباشرة عـن ادراكها والتعـبير عـنهـا، لذلك نـجـد هـذه المفردة متنوعة متجددة مـع المفردات الأخـرى للتعبير عـن نـفسية الشـاعـر أو الساحة الخضراء فاسلمي يا ساحتي الخضراء من كل عــثــار)، و في قصيدة اللهيب المحرق يا جراحاتي التي تنزف عطرا / لنحيل الجدب في الأرض اخضرارا)، و تكون الصورة أكـثـر وضوحـاً في قصيدة تحرير الأرض (3):
ترقص الأرض اخضرارا
حيث تفتر البراري
و تموج الغابة الخضراء
في ضوء النهار .

يظن القارئ أن القريحة الكجراوية بحترية بسبب الرمزية الخضراء ، و لكـن الصورة الحقيقة مختلفة تماماً عـن الواقع النفسي لأن اللون الأخضر خـط فاصل بين الرؤية الإستبصارية للأرض و الـذات المتمردة ، التي عـاشـت ردحـاً قهرياً ، فأدت للتغير في المسار الكجراوي. و يمكن القول أن الـرمـز قـناة للتعبير عـن ذاتـه الـى الجمـوع ، حـيث أن المـرحلة الأولى من حياته، كانـت في ظل الإحتلال الإنجليزي للسـودان ، وهـي المـرحلة التى أنهى فيها دراسـتـه الأولية والتحق بعـدها بكلية المعـلمين ، لـيعـمل بعـد ذلـك في السلك الـتعـليمي و التدرج حتى وصل الى وظيفة مشرف تربوي في وزارة الـتـربــية و الـتعـلـيم .

و نـجـد مـلامح هـذه الفترة مختصرة في السيرة الذاتية التي كتبها الشاعر في صدر ديوانه الشعري الأول الصمـت و الـرمـاد ) الصادر في عام 1961م ، حيـث كـتب نشأت في بيئة دينية صرف. وكان والدي رحمه الله من المتشددين في الدين، يأخذ اولاده بالشدة التي تبلغ احياناً حد القسوة، فكان يأمرنا ونحن اخوة اربعة، ان نصحو في الرابعة لصلاة الصبح جماعة، ثم نوقد المصابيح ونخرج الواحنا ونقرأ أجزاءً من القرأن الكريم مكتوبة على الالواح. ونظل على ذلك حتى الساعة السابعة صباحاً، ثم نعرض القراءة غيباً على والدنا. والويل لمن لم يكن يحفظ لوحه فإنه عرضه للعقاب الصارم. وبعد تناول الإفطار نذهب إلى المدرسة، فاذا عدنا ظهراً أخذنا في كتابة أجزاء جديدة على الألواح. وهناك درس بعد صلاة العصر. ودرس بعد صلاة العشاء يشمل الفقه والتوحيد وقراءة القرآن. ويستمر ذلك أحياناً حتى منتصف الليل. في الرابعة عشرة كنت قد حفظت القرآن وأتممت المدرسة الاولية، فارسلني والدي أنا واخوتي الى ام درمان للدراسة في معهدها الديني. وقضيت في المعهد خمس سنوات. وعندما رأى والدي وكان متزوجا من اربع نساء، ان يسرح والدتي اضطررت للانقطاع عن الدراسة. ودخلت معترك الحياة واشتغلت في التجارة برأسمال بسيط لأعول والدتي. لكن الدكان الصغير الذي افتتحته احترق ايام الحرب، حينما امر المستر (لي) حاكم القضارف بحرق القرية التي اتخذتها موطناً لتجارتي، إذ اتهم اهلها بأنهم يهربون الاسلحة من الحدود الحبشية الى منطقة القضارف، فاشعل الجنود النار في القرية ليلاً بعد أن امروا السكان بالخروج منها، دون ان يأخذوا شيئاً من امتعتهم. ولم تكن الاسلحة تستعمل لطرد الانجليز من السودان، بل كان الناس يستعملونها للصيد. وكان الصيد محرماً في زمن الانجليز وهو مورد مهم للرزق في تلك القرية. عدت للقضارف خاوي الوفاض. وقدمت طلباً الى مفتش تعليم المديرية لاشغل وظيفة مساعد مدرس عام 1947م، فقبل طلبي وتلقيت تدريباً على التعليم في معهد بخت الرضا(4).

تشكل البيـئة الإجتماعية بركان خامـد ، ينتظر البعد النفسي ، الـذي يتنامى منذ الـصغـر حتى يجد حرارة مـرتفعة أو لهب يـلـفح وجهه، أنـفجر، و الحـمم قـصائد نارية عبر لغة صـارخـة عــنيــفة( لي لـغـتي فهي قـصـف و نـار) في حالة المواجهة مع أعـداء الـحرية مع أنها في الأصل لغة إنسانية مفعمة بالرقة و الخيال أغـنية تعـشقها الـرياح في السفوح و الجـبال/ أروع مـما قـيل أو يـقال/ أبـدع مـن قـصـائـد الـشعـر و مــن تألـق الـخيال(5). و هـذه اللغة التي يجيدها ، بوابة الحياة الأولى نحو عالم الشعر ، الصوت الذي يملكه و هـا أنـا أفـتح باب الـشعـر/ لا أمـلـك غـير نـغــم / ينساب في أمسية الذهول). و ينسج مـفرداتها ضـمـن سـمـفونية العـشق و الحرية( و ها أنذا في اخضرار المسافات أعشق/ كل تراب الـوطـن(6)، التي عـشـقها مـنذ مولده في بيت من أصل بجاوي ذو صبغة ديـنـية حـسـب مـا أشــار إلـيـه كجـراي فـي مـقـدمـة ديـوانـه.

عنصران مؤثران في حياة كجراي ، الأول إجتماعي ، يتمثل في جبروت الأب ، و طلاق الأم ، و الثاني جبروت سـلطة الإحتلال الإنجليزي ، و فـقدان مصدر الـرزق ، و أصـداء ذلك في قصيدته المعنونة(تشرين والرياح(7) : أبعد عن القرى / لا لم نعد نطيق ان نرى / وردينا موحشة معدودة / ارواحنا تائهة مفقودة / اطيارنا ميتة موؤودة / تنح عن ديارنا يا موسم الصقيع / يا قبضة من الثلوج تخنق الربيع ). و هـذان العنصران يشكلان بداية التكوين النفسي ، و يمثلان الخطوة الأولى للبحث عـن البديل الذي وجده " كجراي" في العمل في السلك التعليمي0 و يضاف إليهما عنصر البيئة الخضراء التي تبعـث على الأمل و التمسـك بالحياة مع أن العنصرين الأولين يكتمان أنفاسه التي ترفض التقوقع ، و بالتالي الخروج إلى عالم الشعر بروح متمردة . و أدى تمازج العناصر الثلاث إلى مكون أساسي لصياغة مسيرة كجراي بين البحرين الحلو و المالح على ضفاف نهر النيل و مـؤثـراتـه الحـالمـة في بيئة موسومة بالخضرة و الماء ، و مربد العشاق و الحالمين ، و أمواج الشرق الهادرة بملوحة البحر الأحمر، مما أوجد التوتر في القصيدة ، و خروجها مـن نطاق الفصحى إلى العامية0 حـيـث عمـل كجراي مدرسـاً في الجنوب ، و بالتالي تناقض نفسي بين لغتين ، و أثر ذلك على القصيدة و جنوحها من لغة عنيفة إلى النهر و مؤثراته الجمالية و لغته البسيطة المعروفة في السودان بـلغـة عـرب جـوبـا0 و أدى هـذا الأمــر لحالة مـن التناغم بين لغتين و ميلاد تـعاون مـشترك بـين صرحين عظيمين ، حيـث غـرد البلبل السوداني محمـد وردي في سماء الحرية بكلمات كجراي و قصيدته المشهورة ( ما في داعي تقولي ما في (8).






التوقيع

سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك

 
رد مع اقتباس
قديم 03-09-2006, 11:59 PM   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
عبدالجليل الشيخ
أقلامي
 
إحصائية العضو






عبدالجليل الشيخ غير متصل


افتراضي النورس و أنشودة الحرية - محمد عثمان كجراي

(2)


يمثل الـغـناء الكجراوي صورة تعبيرية لـلـذات ، التي أخـرجـت مـن قمقمها في القضارف لتطوف بأرجاء الوطـن بـاحثة عـن الحرية في صورة طائر النورس ، لـذلك يشدو بكل تفاصيل البيئة لا يترك شـاردة أو واردة إلا وجدت حـيزاً مـن ذاته ، و مفردة في قاموسه مـن الكبرياء و العطاء ، و الإنسان البسيط و أرضه الخضراء ، و الأصالة حتى أصبحت ذات ميزة ، يعرفها القاصي و الداني ، و خصوصاً بعد أن وجدت صديقاً مرهف الإحـساس يتذوق نغم الرحيل و الترحال مشاركاً كجراي مشوار حـياته لأنه صديق عمره الفـنان/ إبـراهيم حسين ، الذي أصبح يـشدو بكلمـات كجراي حـينـاً مـن الـدهـر(9).

خرج كجراي مـن بيئة جمالية، و ملامح بطولية، عـشقـها مـنذ الصغـر متمرداً مع الـقدرة على ابـداع الصـورة الجمالية باسـتخدام الـرمز ، و جعل المعـركة الـدموية صورة فـنية رقـيقة بـما فـيها مـن اسـتعارات ليـذكرنا بالـشاعر عـنـترة ، الـذى تمنى تقبيل السيوف تقطر دما ، لأنه يرى فيها صورة الحبيبة ، لـذلـك نـجـد هـذه الصورة الفنـية برؤية معاصرة لأن المعركة التي يقاتل فيها بمـثـابـة طقوس و لـقـاء الحبيبة – قصيدة لحن الإنتصار(10):
فـاذا مـا هــدر البارود نـارا ... و دخـان
و اذا مـا رف ظـل المـوت في كـل مكان
يستعير الـزئبـق الأبيض
لـون الأرجوان
يغـمر الـساحة عـطرا
مـن ريـاض الأقحـوان .

يـمكن تقسيم حـياة الشـاعـر الى ثـلاثة مـراحل ، الأولى مرحلة الاستعمار الانجليزي للسودان حتى الاستقلال في 1956م ، و هي مرحلة الاغـتـراب النـفسي (هـا أنا أرفع وجـهي للـقـمر/ لـنـسيم الغـيم ينساب رذاذا و مـطـر)، لأن المـواطن يصبح غــريبا في وطنه تحت ظل الاسـتعـمار، لـذلـك بـدأت بـذور الحـريـة تنمو مـنذ مـولـده و عـشقه لـلحرية مهـما بعدت عـنه المـسافات( وها أنـذا في اخـضـرار المـسافات أعـشق)، و حـيث أن الـغـربة تـبدأ من الـذات حـتى تصـبح قـضـية شعب ، فإن الـسودان عـاش تجربة البحث عـن الهوية، و كان للأدباء الـسـودانيين دورا بـارزا في هذا المجال لأن معظم الذين شاركوا في الحـركة الـوطنية و في مـختلف مـراحلها انطـلـقـوا مـن رحاب الأدب ، أو ما يعـرف بـمـدرسة الأحـد حـسـب تسمية الاستاذ الدكتور/ يوسـف نـور عـوض ، و ذلك نـسـبة الى نـدوة يوم الأحـد التي اقـامها الـدكتـور محمد ابراهيم الشـوش ، بعـد عودته مـن لـندن ، و التي أثمرت المجموعات الأدبية التالية (11):

** الـغابة و الـصـحـراء ، و قضية الهـوية السودانية (المجذوب ، الفيتوري ، عـبدالحـي).
** مجموعة الاكتـوبـريين و قضية الحـرية(صلاح احمد ابراهيم، كجـراي ، محمد المكي)
** مجموعة الأيـادمـاكيين و أنصار الانـغـلاق على الـواقع السـوداني0

ان هذه البـيـئة التي عـاشها الـشاعـر بـمـا فيها مـن اثراء أدبي و معرف ، و مجتمع يـعـشـق الثـقـافة، و يتميز بالكرم و طيب الـضيافة، لابـد أن تشكل احـساس مـرهـف قادر على معايشه الـواقع الإريتري مع بـروز ظـاهرة الغـربة الحـقـيقية (غربة شعب) ، لـيعـش كجراي باحاسـيـسه غــربة المكان و الانـتقال الى الـمـرحلة الـثانية مـن حـياته ، و هـي مـرحـلة الانـتقال مـن البـحث عـن الـذات الى مرحلة غيرية للتعبير عـن غـربة الـشعب الاريتري، حيث أن الظلم لا مكان له فـي قلب الانـسانـية حـيث يتسع قـلبه لكل الـبـشر، و الأقـربـون أولى بالمعـروف، فكأن حـبـه و عــشقه بـعـد حـرية السودان و ثلاثة عـقود مـن عـمره الى إريتـريـا أو جـارة البـحر ، لأن لـغة الخطاب الابداعي للـحـرية تتجاوز الحدود الـجغرافية ، كمـا أشـار في كلمة سطرها في مـقـدمة ديوان حيـن لـم يعـد الـغـريـب للشـاعـر أحـمد عـمر شيخ 1993م لابـد أن يختار اللغة التي يـجيد التعـبير بها و يـضـع نصـب عـينـيه أن خطـابـه الابداعي لا يـتوجه بـه الى فـئة مـحدودة بـل لابـد أن يشمل تغـطية مساحة واسـعة سـواء كـانـت تـلك رقـعة الوطن المعروف أو المساحة لكل مـن يتحدثون بهذة اللغة المشتركة و في هذا تعبير عـن عـمق الصلات الـثقافية الأدبية والتاريخية)0 لـذلك يـذكـر اريتريا صـراحة في قصيدة الجراح و الحريق(12):
فـارتـريـا التي تعشقها *** تصنع امـجاد السلاح
انني ازهو بتاريخك *** يا شعبي بميلاد الجراح
يا شراييني التي تنزف *** كي يـولـد في الأفـق الصباح

ان اريتريا ملحمـة، و امـتداد لما عرفه و أحـسه الشاعر ملحمة سـوف تبدأ/ مـن حـين يبدأ خيط النهار/ كتبت مقاطعها في اغـترابي بكل الحواس/ و مـزقـت اقـنعتة الـلامبالاة/ حين تـدفق مثـل السـديم دخان النعـاس)، و يعـلو صـوته دفاعا عن هذا الحب مع القسم( و أقسم أني سأغـسل عـن وجهك العار). و هذا الـقسم لا يـتوقف عـند المقولة بل بالمشاركة الفعلية – قصيدة اللهيب المحرق:
يا بلادي بـيـد الـفـرحـة مـدي لي *** ذراعــيك فـقـد جـئـت نهـارا
احـمـل الـذعـر لأعــدائـك هــولا *** يـشعـل الـليل بـركـانا و نـارا

و من هـذه الـرؤية تـأتي الـروائـع الـشـعـريـة عـن الـحريـة فـي أجمل صورهـا عـن اريتريـا أرضــاً و شعـبـاً ، مـما أكـسـب شـعـره شـمولـية متجاوزا (الأنا) حسب تـلون نـفسية الـشاعـر مـن واقع المجتمع (نحـن رايـاتك في أفـق المحال/نـحن حـراسـك في ظـلم الليـال/ نحن أمجادك في هـول القـتال/ نـحن ثـوارك أبـناء النضـال(. و هـو الخطاب الموجـه الى الوطـن باسم عشاق الـحرية، لذلك نجـد حالتـه الشـعـوريـة متموجـة مع حالة الـشـعب النـفـسية و مـسـيرتهم النـضالية لتحرير الـوطـن بـلغـة الأمـل و التـفـاؤل (13):
نحـن خـضـنا في طـريـق *** النـصـر آلام الـبدايـة
و رفـعـنا رايـة الحـريـة *** نـستـقبل أمـجاد النهاية
و تـوحدنا عـلى الـدرب *** هـمـوما و قــلوبا و نـوايـا

اذا كـانـت غربة الـفيتوري ، أدت الى مواجهة الاستعمار و الغـنـاء للقارة السمراء (أفريقيا) تعـويضا عـن العنـصـرية في اللـون و الأرض ، فإن غربة كجراي تعــويضا عـن البطـولة، و لـذلـك يعـشـق اريتـريا لأنها رمز الحرية/البـطولة التي ينشدها الـشـاعر ، و التي تـنبع مـن ذاتـه المـتعـطشة لمـاضي تـراثي، يـستدل عـليه من لـقب الـشاعـر(كجـراي)، حـيث أن المعنى لهذه اللـفظة في لغة البيـجا/البجـه(الـكجـر/ الـفارس) رمـز الـشجاعة و الـبطولة و الاقدام ، حـيث يـسـتلهم الشاعر مـاضي اجـداده عــوضـا عـن غـربته ، و مـؤكـدا حـضـوره الـفـعـلي لأنـه ثــائـر حـر ارتـرى البـطولـة ، و مـا أروعه مـن تـواصـل مـع الـشعب الاريتري ، و رؤية جـديدة للتـصاهر (مصاهرة البطولة و الحـريـة) لأنـه ابـنـاً للتـاريخ المـشترك ، و يـحق لـه أن يـدافـع عـن مـيراثـه(14):
يا نـفايات العـصابات الـدخيلـة *** لـن يـنام الثـأر في أرضي الـقتـيلة
فــأنـا أحمـل مـيراث الـرجـولـة *** ثــائــر حـــر ارتـــرى الـبـطــولــة

هـذه رؤية الـشاعر للحرية و عــشـقه للأرض مـنذ مـولـده بعـد الحرب الكونية الأولى ، و معايشته للحرب الكونية الثانية فيما بعد ، حيث عاش اشـراقة شمس الحرية في السودان (الاستقلال) في عـام 1956م، و أكتمـل الشـروق في اريتريا (الاستقلال) في عام 1991م لتكون (أنشودة في فم الغـائـبين) بعـد ستة عـقود من عمر الشاعر (ذهب الـوقت المستحيل)، و يعـيش هـذه الفرحة لأنها الحلم الذي راوده كثيرا (و توقا يقود الخطى لـذرى المجد و الانتصار/ فمدي يديك فهذا السكوت نذير بقرب سقوط الجدار)، و في مقطع أخر(اطلقي النار عليه/ هو في النـزع الأخـير(15).







التوقيع

سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك

 
رد مع اقتباس
قديم 04-09-2006, 12:01 AM   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
عبدالجليل الشيخ
أقلامي
 
إحصائية العضو






عبدالجليل الشيخ غير متصل


افتراضي النورس و أنشودة الحرية - محمد عثمان كجراي

(3)

و الانسان مرتبط بالأرض لأنه الانتماء الحقيقي لكيانه بعد الله ، لـذلك لا بد أن يـعـمـل لـتـنمية أرضـه بالبذل الفريد حتى يـولـد الـفجر الـوليد يولد الفجر عـلى اشراقة الـفجر الـوليد/ شـعبنا الـقاهـر لـن يأبه بالغدر الجـديد/ فـإذا خـر شهـيد تـنـبت الأرض شهيد/ لـفداء الـوطن الـثـائـر بالـبذل الـفـريد)، و ذلك خلال مـرحلـة التحرير الا أنـه شارك في مسيرة البـناء و التعمير بـعد قـدومه الى أسـمرا وطن الأغـنيات في عام 1993م ليـودع المرحلة الثانية مـن حياته ، و البـدء بـقطف ثمار الحرية ، حيث أدى دورا رائدا في المجالين التعليمي و الأدبي ، و قدم حضوراً ثـقافياً و إشرافيا في إريتريا عـبر جريدة إريتريا الحديثة و رعاية الجمعيات الأدبية و المواهـب الـشابة ، حـيث كـتـب عـنه المثقف الإريتري كـثيراً ، و تم تصنيفه ضمن تيارات الأدب الإريتري في دراسة بعنوان ( إريتريا و اللغة العربية – التاريخ ، الواقع ، الآمال ) منشورة في مجلة الجسور – عـدد شهر صفر 1425م، حـيث يمثل المحور الرئيسي للمدرسة الواقعية ، و بعد رحيله سطر أحد الكتًاب الإريتريين كلمات نختصرها بالعبارة التالية و هو من أبكار المثقفين في الشرق ، الذين نشروا المعرفة بين أهـاليهم في إريتريا ، و في كل بقاع السودان ودافعوا عن شرف الكلمة ومصداقيتها ورصانتها وتطويعها واستخدامها لصالح الوطن والمظلومين. عبر عن ذلك في قصائده التي فاضت بها قريحته و رسمها على ورق يتناثر ورداً في الصحافة المحلية و العربية . أدى دوراً ريادياً في مجال التعليم خلال مرحلة التحرير الإريتري ، حيث شارك في وضع منهج إريتري تربوي تعليمي ذو صبغة إريترية لتدريس المواد الدراسية باللغتين العربية و التجرينية(16). و لا يزال كجراي علامة فارقة في سماء الأدب الإريتري ، حيث يتردد لحـن الحرية في بقاع إريتريا :
في حـقل الحنطة مخـضرا *** وعلى الأحراش الغابية
مـن سـاوة حـيــث الأرض *** هناك قلاع نضال خلفية
في بركة و في وديان الـقاش *** و في الطرقات الرملية
في البحـر الأحـمر مرهوبا *** فـوق الأمـواج الفـضية
في كل بـقـاعــك يا وطــني *** يـتـردد لــحـن الحـريـة
مـن أجـل الـعـزة يا شـعـبي *** تــلـد الأبـطـال ارتـريـة

هـذا اللحن العظيم لأنشودة الحرية لم تكتمل ، لأن حـبـه للحرية التي ينشدها غير موجودة على أرض الواقع لأنه يعيش الحـرية بـمـفهومها الهلامي ، الحلم الذي يـراه في الأساطير، و رمزه النـورس ، حيث يعـود بعد هـذا العمر الى عـشه ، لأنه الطـائر المغـرد خارج سربه في قصيدة شجو المزامير: (و عاد النورس/إلى عـشه/ مخنوقا). و يـمكن القول أن رؤيته للحرية بهذا المـفهوم سـبـب انـتكاس حالته الـنفـسية، و التي أنعـكست عـلى الصورة العامة لقصائده (17).

عاد كجراى إلى مسقط رأسه مـدينة القـضـارف في شرق السودان في أواخـر عام 1999م ، ليـعـيش سـنوات عـمره الباقية عـلى نهر الحـرية: (فنهرك النازف من نهر دمائى/ للـغـد المشرق فـجـرا و ازدهـارا / فـأطـلي يا ذرى المجـد شموخا/ و اسـلمي يا بلادي دارا فـدارا). و العودة حتى يــرتـاح أعـزلا الا مــن أوهـامه بـعـد أن عـاش تجـريـبا متواصلا بـحـثـا عـن راحـة الجـبين (18) : انـها أمـنيتي الـكبرى دعـيني *** فــوق حـضـن الأرض يـرتـاح جـبيني .

رحل تـأركاً أرثـه الأدبـي للقـراءة ، و الخوض في بــئر المعاني الكجراوية لمعـرفـة الـصـورة الحقيقة لمـشاعرنا لأن غـربـة شـعـب أنعـكست على غربته الـذاتية فأبدع شعرا مـن أجل الحـريـة حتى يصـل الى الهـاجس ، الـذي يـقـلق الشـاعر والنـاقـد و القارئ ، و هـي رحلة تـناثرت أوراقها في صفحات الصحافة العربية بـدءاً مـن أواخـر الأربعينيات عندما حمل قلمه للكتابة بإسمه الكجراوي لقـبـاً لـه ينثر عبر يراعـه رؤاه ، حيث بـدأ الكتابة في جريدة (السودان الجديد) ، و بعد ذلك أنطلق إلى محيطه العربي ، حـيـث نشرت لـه مـجلـة الـرائـد قصيدة بعنوان : ( الـسـأم و الأحـلام الميـتـة ) في عام 1957م ، مروراً بـجريدة الـصراحة السودانـية في نفس العام 1957م و قصيدته المعنونة: ( العنكبوت )، و لا أعـرف أي القصيدتين يمكن تصنيفها باكورة إنتاجه الشعري المنشور، خصوصاً أن قصيدته المعنونة كلمات إلى نيسابور) تؤرخ لفترة الخروج مـن الشرنقة المحلية . كما تمثـل قصيدته المعنونة العودة من الميتافيزيقا ) مرحلة العودة للحياة الطبيعية بعد رحلة طويلة ، و المنشورة في جريدة الأيـام السودانـية في عـددها رقم (6485) الصادر بتاريخ 29/11/1988م 0 في الغياب الغامض المجهول في أبعد أعماق الرؤى/ في الحضور المستحيل / كان كل الأفق الأزرق صمت كالعويل الداخلي / وأنا أسبح في كل الفراغ المخملي/ تكتسي الشمس بلون البرتقال / وأنا كالنورس العاشق يرنو للشريط الساحلي(19). حـقـا انهـا رحـلة بلا قـرار بـحـثا عـن الثمار الممـنوعة في عالم الشعـر ، عاشها كجراي شـاعراً متفرداً بـذاته و في قصائده المرسومة على صفحات ديوانين الأول : الـصـمـت و الـرمـاد ، و الثاني: الليل عبر غابة النيون . و في كـتاب تـرانيم ثورية مـن ارتريا – اصدار جـمعية المـعـلمين الارترية – الميدان 1984م ، حـيث حازت أشعـاره على ثـلث صفحات الكتاب ، و الثلثين للشعراء الآخـرين (20). و تعتبر قصيدة : ( شجو المزامير) و المنشورة في جريدة إريتريا الحديثة ، أخر قصيده سطرها الراحل ، حيث يتضح للقارئ أن النورس المقصود ، الذي يشدو بـه ، و يتحدث على لسانه عازفاً أنغامه للحرية ، شخصية تمثل ذات الشاعر محمد عثمان كجراي ، الـذات المتفردة كـأنـما تـفرده الجـماعة كما أفـردت طـرفـه بـن العـبد ، هــذا الـرومانسي المتـوحد أمـام غـروب العالم ، لـنـعـود مـرة أخـرى الى مقالة بـيار أبي صـعـب (مجلة الـوسط) دون الوصول الى نـتـيجة نهائية لهذه المـقاربة لأن الحرية التي يـنـشـدهـا الـشاعـر لا مكان لها في زمن يـرتدي أقـنعة الـلامـبالاة ، و يـظل الـسـؤال: الى أيـة أكـثرية تـراه يـنتمي؟؟ حيث يرى السودانيون أنـه سوداني ، و هـذا أمـر مـؤكـد . و يرى الإريتريون أنـه إريتري ، و هـذا امر مـؤكـد . و نراه عـربياً أصـيلاً بـلغته و قـصائده للإنسـان و الأرض بـعـيداً عـن الحدود الجغرافية و تواصلاً حميمياً بين الإنسان و أخيه الإنسان في منطقة غـرب البحر الأحمر بين أحضان جبال أومال و نهر القاش العظيم .

و يظل السؤال عـن طــائر الـنورس البيجاوي ، الـذي أرهـق الجميع بالسؤال عـن هـويته ، و هـو لا يبالي لأنـه طــائر الأحزان في مملكة الـشًعر، و البـاحـث عـن الحـرية متـخـذاً مـن الـعـلم و التعليم وسـيلـة للرحـيل و الترحـال فـي سـبيل واقع يـؤمـن بـه ، لـذلك تجده في فم الـغـائبين أنـشودة ، و في السودان شواهـد كثيرة أهمها أعمدة الأدب و الـفن و مـدرسة الأحـد ، و الدراسات الأدبية كثيرة حـول إبداعاته ، و نـنـتظـر المـزيـد عـن حـياتـه و مسيرته الأدبية مـن كافـة الذين عرفوه ، و على رأس هـؤلاء صـديق عـمره الأديـب و الـناقد السوداني/ جـابر حسين ، الـذي يـنـتظر منه الكتابة عـن الشـاعـر محمد عثمان كجراي ، حتى يتعرف عليه القارئ أكثر فأكثر مـن اجل معرفة الإبداع الكجراوي أو من يسير على نهر الحرية الـنازف مـن دمـه ، و يـعـجـز الـطـبـيب عن العلاج .

رحـم الله الشاعر محمد عثمان كجراي ، عاش حـراً ، و مـات حـراً ، طـائـراً مـغرداً مـن أجل الحرية ، و ذكـراه تـتـردد يـومـاً بـعـد يـوم بـأجمـل الألحـان مـع قصائده المسطورة في سماء السودان حيث مسقط رأسه – اللهم أغفر له ، و أرحـمـه بـواسـع رحـمـتك إنـك سميع مجيب الدعاء .

إضـاءة:
* المقال: ملخص لدراسة عـن الشاعر بعنوان : ( النورس و أنشودة الحرية : محمد عثمان كجراي أنموذجا ). و الدراسة تمثل مجموعة من المقالات التي وفقني الله بنشرها فيما سبق . و الأرقام داخل الأقواس دلالة للمصادر و المراجع ، لذلك لزم التنوية.







التوقيع

سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك

 
رد مع اقتباس
قديم 13-09-2006, 11:01 PM   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
محمود السمهري
أقلامي
 
إحصائية العضو






محمود السمهري غير متصل


افتراضي مشاركة: النورس و أنشودة الحرية - محمد عثمان كجراي

إطلالة رائعة و أسماء لائقة بالشخصية الكجراوية - النورس و أنشودة الحرية - شاعر نهر القاش العظيم ، و أجمل من ذلك أن تكون هذه الشخصية رمز للتواصل الأخوي بين الشعوب في الأرض الواحدة و المنطقة الواحدة حيث الأهل هنا و هناك حتى أصبح الشعار الحالي لدى المثقفين في المنطقة عبارة برنامج رائع ( أرتريا و السودان - تلاحم - ثقافة - و فـن ) لا جديد اذا كان الراحل محمد عثمان كجراي جسد الشعار قولاً و فعلاً . إطلالة رائعة قولاً - أتمنى أن تكون فعلاً على مستوى وطننا العربي الكبير و إرهاصات الحلم العربي من جنوب وادي النيل العظيم.







 
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
رسولنا الكريم محمد (ص) في عيون غربية منصفة نايف ذوابه منتدى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم 4 26-12-2008 01:24 PM
مقدمة عن الخلافة و الخلفــاء الراشدين (رضي الله عنهم) ياسر أبو هدى المنتدى الإسلامي 20 12-07-2006 06:36 AM
التوسل بين المانع والمجيز!! ياسر أبو هدى المنتدى الإسلامي 56 11-06-2006 07:47 PM
دعوة للتضامن - الحرية للكاتب الجزائري محمد دلومي د.محمد شادي كسكين منتدى الحوار الفكري العام 1 07-06-2006 10:19 PM
مجنون ليلى ! الشاعرة الصغيرة منتدى الأدب العام والنقاشات وروائع المنقول 5 29-11-2005 11:04 PM

الساعة الآن 04:20 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والردود المنشورة في أقلام لا تعبر إلا عن آراء أصحابها فقط