الزائر الكريم: يبدو أنك غير مسجل لدينا، لذا ندعوك للانضمام إلى أسرتنا الكبيرة عبر التسجيل باسمك الثنائي الحقيقي حتى نتمكن من تفعيل عضويتك.

منتديات  

نحن مع غزة
روابط مفيدة
استرجاع كلمة المرور | طلب عضوية | التشكيل الإداري | النظام الداخلي 

العودة   منتديات مجلة أقلام > منتديات اللغة العربية والآداب الإنسانية > منتدى البلاغة والنقد والمقال الأدبي

منتدى البلاغة والنقد والمقال الأدبي هنا توضع الإبداعات الأدبية تحت المجهر لاستكناه جمالياته وتسليط الضوء على جودة الأدوات الفنية المستخدمة.

إضافة رد

مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان)
 
أدوات الموضوع التقييم: تقييم الموضوع: 1 تصويتات, المعدل 4.00. انواع عرض الموضوع
قديم 06-09-2011, 03:55 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
د.هدى قزع
عضوية مجمدة
 
إحصائية العضو







د.هدى قزع غير متصل


إرسال رسالة عبر Yahoo إلى د.هدى قزع

افتراضي قراءة في قصيدة ابن الرومي في رثاء مدينة البصرة/هدى قزع



قراءة في قصيدة ابن الرومي في رثاء مدينة البصرة/هدى قزع

كان المصاب الذي حلّ بمدينة البصرة ذا وقع كبير على نفس ابن الرومي ، الذي رأيناه حاضراً على امتداد القصيدة بشعوره ووجدانه .
ويمكن رصد تجليات الأنا ضمن محطات متنوعة هي :
1_قلق أ_حضور الذات و تجليات الأنا :
لقد كان الذات وحزنها:
إن دخول الزنج مدينة البصرة ترك أثراً عميقاً في وجدان ابن الرومي ، مما دفعه منذ مطلع القصيدة أن يبث حديث النفس الداخلي بكلمات تنبثق من ذاته ومشاعره الصادقة تجاه ما أصاب مدينة البصرة وأهلها .
إذ قال :
ذادَ عن مُقْلِتي لذيذَ المنامِ شُغلها عنهُ بالدموعِ السجامِ
وفي هذا البيت يَظهَر حزن ابن الرومي ، الذي عبر عنه بصدق عميق ظهر من خلال المصدر الذي انبثق عنه وهو الوجدان والذات (مقلتي/أنا) ، ومما عمقّ صدق الإحساس أنه لم يكن بالبصرة ، وأن عينه التي كانت تذرف الدموع لم ترَ ما حلّ بالبصرة عياناً ،ولكن نفسه الشفافة دعته بأن يحضر مع البصرة وأهلها بعاطفته وشعوره الداخلي ،وأن يعيش الحدث وكأنه عاينه .
2_تلهف الذات على البصرة وما حل بها :
يطلق الشاعر صرخة داخلية ، ينفس من خلالها عن أوجاع نفسه ، التي كانت تتقطع حزناً وألماً على ما حلّ بالبصرة ، ولأن وجع الشاعر كان كبيراً نراه يعبر بأنه يريد للهفته أن تبقى على مدى الأعوام علَ الهم العنقودي المتراكم يخفف وطأته على ذاته المجروحة .


إذ قال ابن الرومي :
لهفَ نفسي عليكِ أيَّتُها البص رةُ لهفاً كمثل لهب الضِّرام
لهف نفسي عليك يا معدن الخي رات لهْفاً يُعضُّني إبهامي
لهف نفسي يا قُبَّةَ الإس لام لهفاً يطولُ منه غرامي
لهف نفسي عليكِ يا فُرضةَ البل دانِ لهفاً يبْقى على الأعوام
لهف نفسي لجمعكِ المتفاني لهف نفسي لِعِزِّكِ المُستضام
إن هذا الحضور اللافت لذات الشاعر بهذا المقطع لدليل على أن الشاعر موجوع من داخله ، وأن عاطفته ومشاعره فاضت بهذا الوجع ، وما أوقد بنفسه هذه اللهفة عظم الملهوف عليه (مدينة البصرة، معدن الخير ، قبة الإسلام ، فرضة البلدان ) .
ويظهر الشاعر إضافة إلى تلهفه نوعاً من الندم حينما يقول (لهفاً يُعضُّني إبهامي ).
3_ذكرى الذات لمدينة البصرة:
ما فعله الزنوج بالبصرة لاينسى ، وستبقى الذكرى حاضرة في نفس الشاعر ، الذي فاضت عاطفته وأضرم قلبه حرقة ووجعاً وألماً ، لما حلّ بالبصرة من ذل وهوان على أيدي الزنوج.
قال:
ما تذكرتُ ما أتى الزنج إلا أُضرم القلب أيّما إضرام
ما تذكرتُ ما أتى الزنج إلا أوجعَتْني مرارةُ الإرغام
فمجرد الذكرى لما فعله الزنوج كفيل بأن يشعل القلب وجعاً وحرقة ، ذلك لأن إهانتهم وإرغامهم لأهل البصرة بعد عزهم يوجع القلب ويبث مرارة النفس.


4_الفداء والتضحية :
إن الشاعر لم يقف صامتاً اتجاه ما حلّ بالبصرة ، فهو حينما يستحضر جرائم الزنج ، ولا سيما مشهد الجثث المترامية ، والوجوه التي ملئت بالدماء ،فإنه يحلف بتلك الوجوه بما يشي بثورة تنطلق من تلك الذات تكريماً لتلك الوجوه وانتقاماً لها إذ قال :
ووجوهٍ قد رمَّلتْها دماءٌ بأبي تلكمُ الوجوه الدوامي
5_الندم والشعور بالتقصير :
لطالما انتاب ابن الرومي الشعور بالذنب تجاه ما حلّ بالبصرة، وهو لا يفرغ نفسه من المسؤولية ،والدليل عى هذا ما أقره من ندم ، واستحياء.
إذ قال:
وا ندامي على التَّخلُّفِ عنهمْ وقليلٌ عنهُم غَناء نِدامي
وا حيائي منهُمْ إذا ما التقينا وهُمُ عند حاكم الحُكّام
وا حيائي من النَّبيِّ إذا ما لامني فيهم أشدَّ الملام
فهو يندم على تخلفه عن أخوته في البصرة ، ويرى أن هذا الندم لا يجدي إزاء الهنات العظيمة التي حلت بأهل البصرة .
ويبدي الشاعر حياءه من رب العباد ، ويستحضر مشهد الحساب ، ويرى نفسه متورطاً يوم الحساب بالجواب عن سبب تخاذله وتوانيه عن إخوانه .
ويمتد الشاعر بحيائه إلى النبي المرسل، وهذا الندم والحياء لدليل قوي على تعلق ابن الرومي بالقضية ، وهذا التعلق والارتباط هو الذي دفعه للندم.



ب_ التكرار في نسيج البنية :
لعب التكرار في قصيدة ابن الرومي دوراً بارزاً في التعبير عن وجعه وموقفه ، هذا الوجع الذي نراه ماثلاً على امتداد البنية .
وقد وفق بتوظيف التكرار ، للتعبير عن جرائم الزنج المتكررة ، بما يظهر قبح فعلهم وانتهاكاتهم العديدة للبصرة وأهلها.
وفي بعض الأحيان يلتمس من التكرار وسيلة للتعبير عن أوجاع أهل البصرة.
وتوظيف التكرار يأتي لغايات عديدة منها ،التأكيد ،والتهويل ،والتعظيم ...إلخ من الأغراض ، التي نجدها حاضرة في القصيدة.
وأما عن ضروب التكرار التي ظهرت بالقصيدة فهي :
1_تكرار الأداة:
لجأ الشاعر إلى تكرار بعض الأدوات ، من مثل تكراره ل (كم/ 7مرات) بقوله:
كم ضنينٍ بنفسهِ رامَ مَنْجىً فتلقّوا جبينه بالحسامِ
كم أخٍ قد رأى أخاهُ صريعاً تَرِبَ الخَدِّ بينَ صَرْعى كرامِ
كم أبٍ قد رأى عزيزَ بنيه وهْوَ يُعلَى بصارمٍ صمصام
كم مُفدّىً في أهلهِ أسْلمُوه حين لم يحْمِه هنالك حامي
كم رضيع هناكَ قد فطموه بشبا السيف قبل حينِ الفطام
كم فتاةٍ بخاتِم الله بِكرٍ فضحوها جَهْراً بغير اكتتام
كم فتاةٍ مصونة قد سَبَوْها بارزاً وجهُها بغير لثام
ويلحظ أن هذا التكرار جاء منسجماً مع الغاية المبتغاة ،وهي التعبير عن جرائم الزنج تجاه أهل البصرة ،فيأتي تكرار هذه الأداة(كم) معبراً عن كثرة هذه الجرائم وامتدادها، إذ طالت هذه الجرائم جميع الفئات على اختلافها :
_الصغار (الرضع) . _الفتيات المصونات والأبكار.
_الأبناء. _الآباء .
_الأخوة.
وجاء التكرار معبراً عن مبالغة الزنوج في الانتهاكات ،وكذلك يصور همجيتهم في الحرب والعداء ، إذ لا مسوغ لحربهم من الأساس .
ويعمق التكرار الأسى ، ويبث الغيرة في النفس تجاه هذه الجرائم البشعة .

وقد يجيء التكرار ليصور التبدل والتحول الذي حلّ بمدينة البصرة ،وفي هذا قال :
رُبَّ بيعٍ هناك قد أرخصُوهُ طال ما قدْ غلا على السُّوَّام
رُبَّ بيتٍ هناك قد أخرجُوهُ كان مأوى الضِّعافِ والأيتام
رُبَّ قصْرٍ هناك قدْ دخلوه كان من قبلِ ذاك صَعْبَ المرام
رُبَّ ذي نعمةٍ هناك ومالٍ تركوه مُحالفَ الإعدام
رُبَّ قوم باتوا بأجمعِ شَمْلٍ تركوا شملَهُمْ بغير نظام
ولأن ما حلّ بالبصرة من تغير كان كبيراً ، ولأن التحول في الظروف والمكان كان شديداً كرر الشاهر الأداة (رب/5 مرات) التي تدل على الكثرة .
وكذلك كرر الأداة الإشارية( هناك/3مرات) والتي تعمق ذاكرة المكان ، بما يضفي صراعا وفجوة بين الحاضر المؤسف والماضي المشرق لمدينة البصرة.
لقد أسهم التكرار في رسم صورة التحول والتبدل في المكان ،وكذلك أظهر أثر دخول الزنج للبصرة ،وما تبع ذلك من سوء على المستوى الاجتماعي الذي عبر عنه بتفريق الجمع ، والمستوى الاقتصادي بإشارته إلى الخسارة بالبيع والتجارة لأن الزنوج لم يدركوا قيمة ما سلبوه فباعوه بأرخص الأثمان ، والمستوى السياسي من خلال انتهاك الزنج للقصور بما يشي بضعف الطبقات العليا لا سيما الحكام.

ولجأ ابن الرومي إلى التكرار لينقل لنا صورة البصرة ،وهي تزهو بحضارتها قبل أن يجتاحها الزنوج إذ قال :
أين ضوضاءُ ذلك الخلقِ فيها أين أسواقُها ذواتُ الزِّحام
أين فُلْكٌ فيها وفُلْكٌ إليها مُنشآتٌ في البحر كالأعلام
أين تلك القصورُ والدورُ فيها أين ذاكَ البنيانُ ذو الإحكام
وهذا التكرار لأداة الاستفهام(أين) يحيل إلى التساؤل عن المكان وهويته وذاكرته الحضارية، إذ تساءل الشاعر عن أهل البصرة، وأسواقها ، والسفن التجارية ،والقصور ،والبنيان المحكمة البناء .
بصورة أخرى إنه يتساءل عن الحياة الإنسانية والحضارية ومظاهرها من كون إنساني، وعمراني ، ..إلخ.
ولا يلبث الشاعر إلى أن يكرر سؤاله بنفس الأداة في موطن آخر رابطاً إياه بالبعد الديني ، في محاولة منه لإكساب هذا السؤال أهمية وشرعية ، بما يجعله مؤثراً ومستنهضاً الهمم إذ قال :
بل ألِمَّا بساحةِ المسجدِ الجا مع إنْ كُنْتُما ذَوِي إلمام
فاسألاهُ ولا جوابَ لدْيهِ أين عُبَّادُهُ الطوالُ القيام
أينَ عُمَّاره الأُلى عمَروهُ دَهْرَهُمْ في تلاوة وصيام
أين فِتيانه الحِسانُ وجُوهاً أين أشياخُهُ أولو الأحلام
ويُظهر التكرار في حالة أخرى استنكار ابن الرومي من تخاذل البعض وعدم غيرتهم تجاه ما حلَ بنساء البصرة من ذل وهوان وانتهاك من قبل الزنوج إذ قال في هذا :
كيف لم تعطفوا على أخواتٍ في حِبال العبيدِ من آل حامِ
كيف ترضى الحَوراء بالمرءِ بَعْلاً وهو من دونِ حُرمة لا يُحامي
ويلقي ابن الرومي في هذا التكرار اللوم على المتوانين والمتخاذلين ، ذلك لأن المشهد الذي يُظهر إذلال الزنوج للنساء الحرائر ، وانتهاكهم للحرمات ، يدعو للتحرك والاستنكار.
ويكرر الشاعر في موقف آخر الأداة ليظهر الخطوب والمصائب التي حلت بالبصرة وأهلها إذ قال:
أيُّ خَطْبٍ وأيُّ رُزْء جليلٍ نالنا في أولئكَ الأعمام
أيُّ عُذْرٍ لنا وأيُّ جوابٍ حين نُدْعَى على رؤوسِ الأنامِ
وقول ابن الرومي (نالنا ) /و(الأعمام) يظهر قرب الصلة بين أهل البصرة ،إذ ما حلَ بالبصرة من هنات طال أساه النفوس جمعاء.
وفي المقابل نجد الشاعر يشعر بالتقصير ، بل والخوف من المواجهة يوم الحساب.
إذن كان تكراره ل( أي) يظهر كثرة الخطوب ، وكذلك شعوره بالندم للتخاذل والتقصير.
2_تكرار اللفظ:
لقد امتد التكرار من الحروف إلى الألفاظ ، ليعبر عن غايات عديدة منها ، إظهار العجب بما حلَ بالبصرة مما يدفع لعدم التصديق أوالقبول بهذا الحاضر المأساوي،و الاكتفاء بجعل هذا المشهد مجرد وهم أو رؤيا في منام إذ قال ابن الرومي:
إنَّ هذا من الأمورِ لأمْرٌ كاد أن لا يقومَ في الأوهام
لرأينا مُسْتَيْقظين أموراً حسبُنا أن تكونَ رُؤيا منام
ووظف ابن الرومي تكرار الألفاظ ليعبر عن طول المدة الزمنية للحرب ،وامتدادها فيوم من الحرب يوازي ألف عام ، إذ قال ابن الرومي:
صبحوهُمْ فكابدَ القومُ منهم طولَ يومٍ كأنه ألفُ عامِ
ألفُ ألفٍ في ساعةٍ قتلوهُمْ ثم ساقوا السِّباءَ كالأغنام
ونراه في تكراره يعبر عن كثرة القتلى ، وما قوله ألف ألف في ساعة إلا ليظهر هول الحدث بما يستهض الهمم ويدفع للتحرك والمواجهة.
وتظهر صور أخرى لتكرار الألفاظ ، منها تكرار لفظ الزنج /اللعين ،ليظهر قبحهم وعدم أحقيتهم بشيء من البصرة ،و ما تكراره للفظ اللعين بما توحيه لفظة اللعن من الطرد والخروج إلا إشارة إلى ضرورة استئصال تلك الفئة من مجتمع البصرة بالمواجهة والدفاع .
قال في هذا :
أقدم الخائنُ اللعينُ عليها وعلى الله أيَّما إقدام
إن قعدتُمْ عن اللعينِ فأنْتُمْ شركاءُ اللَّعينِ في الآثامِ
أبْرَمُوا أمرَهُمْ وأنتُمْ نِيامٌ سوءةً سوءةً لنوْمِ النيام
وتكراره لفظ سوءة سوءة لنوم النيام فيه نوع من التوبيخ والتقريع لكل متواني ومتخاذل .
3_ تكرار التركيب:
يظهر تكرار التركيب كنمط آخر وظفه ابن الرومي ليظهر موقفه من القضية ، فغالباً ما كان تكرار التركيب فيضاً تلقائياً لآهات وأوجاع الذات وقلقها وألمها ،بما يعمق أجواء الحزن والأسى في القصيدة .
قال :
أيُّ نومِ من بعد ما حل بالبصْ رَةِ من تلكمُ الهناتِ العظام
أيُّ نومٍ من بعد ما انتهك الزّنْ جُ جهاراً محارمَ الإسلام
فابن الرومي بهذا التكرار ينفي الراحة وأسبابها عن ذاته ، لأن ما حلَّ بالبصرة من مصائب عظيمة ، انتهكت فيها حرمات الإسلام ، لكفيل بأن يقض مضجع الإنسان ويسلبه الراحة .
وأظهر التكرار في بعض المواطن صدق ابن الرومي بعاطفته تجاه البصرة وذلك من خلال اقتران التلهف بنفسه بموتيفة حزينة قال فيها :
لهفَ نفسي عليكِ أيَّتُها البص رةُ لهفاً كمثل لفحِ الضِّرام
لهف نفسي عليك يا معدن الخي رات لهْفاً يُعضُّني إبهامي
لهف نفسي يا قُبَّةَ الإس لام لهفاً يطولُ منه غرامي
لهف نفسي عليكِ يا فُرضةَ البل دانِ لهفاً يبْقى على الأعوام
لهف نفسي لجمعكِ المتفاني لهف نفسي لِعِزِّكِ المُستضام
وقد يأتي التكرار ليشير إلى مدى تأثير الحرب على أهل البصرة ، والذعر الذي بثه الزنوج في نفوسهم ، و الحزن الذي كان يخيم على ذواتهم بما منعهم من التمتع بأبسط الأشياء من طعام أو شراب.
قال :
أيَّ هَوْل رأوْا بهمْ أيّ هَوْلٍ حُقَّ منه تَشيبُ رأسُ الغلام
كم أغصُّوا من شاربٍ بشراب كم أغصُّوا من طاعمٍ بطعام
وفي مشهد آخر يصف ما حلّ بالنساء إبان الحرب ،يحسن الشاعر توظيف التكرار بقوله:
من رآهُنَّ في المساقِ سبايا دامياتِ الوجوهِ للأقدام
من رآهنَّ في المقاسم وسْطَ ال زنج يُقسَمْنَ بينهم بالسِّهام
من رآهُنَّ يُتّخذنَ إماءً بعد ملْكِ الإماء والخُدَّام
فتكراره ل(من رآهن ) فيه أكثر من دلالة :
_الدلالة على الانتهاك وكشف ستر النساء ، إذ إن النساء لم تكن تظهر إلا لحاجة ماسة ، وقوله رآهن دليل على الكشف والظهور لعامة الناس، وما يتبع ذلم من دلالة على انتهاك حرمات الإسلام ، والذل والهوان الذي ألحقه الزنوج بالنساء
_الدلالة على تخاذل الرجال في الدفاع عن النساء رغم شدة الأذى الذي كنّ يواجهنه.
_هول المنظر ، إذ إن هذا المشهد يظهر النساء وهن يقسمن بالسهام من قبل الزنوج ، إضافة إلى المشهد الدموي.

ج_ مدينة البصرة( المكان ،الذاكرة):
لقد كان قلب الشاعر ينبض بعاطفتين تجاه مدينة البصرة هما:
_عاطفة الحنين إلى البصرة المدينة الزاهية قبل أن يجتاحها الزنوج ، وتتمثل هذه العاطفة بحديثه عن ذكرى المكان الماضية.
_عاطفة الحزن والأسى على البصرة المقفرة بعد أن اجتاحها الزنوج ، وتظهر هذه العاطفة من خلال حديثه عن الواقع الحاضر لمدينة البصرة .
وقد تمتزج العاطفتان ، فيختلط المكان بالذاكرة .
1_مدينة البصرة قبل دخول الزنوج إليها ( الذكرى) :
تساءل الشاعر عن مظاهر الحياة التي كانت تعم في أرجاء البصرة ، من أسواق ، وخلق ، وازدهار تجاري ، وحضارة معمارية كالقصور والبنيان المحكمة البناء ، وقد استدعى صاحباه مخاطباً لهما ليشاركاه الحديث عن مظاهر الحضارة التي كانت للبصرة قبل أن يحلّ الزنوج بها ويقلبوا تلك الحضارة إلى ركام من الرماد وجثث هامدة ،فقال :
عرِّجا صاحبيَّ بالبصرةِ الزَّهْ راء تعريج مُدنفٍ ذي سقام
أين ضوضاءُ ذلك الخلقِ فيها أين أسواقُها ذواتُ الزِّحام
أين فُلْكٌ فيها وفُلْكٌ إليها مُنشآتٌ في البحر كالأعلام
أين تلك القصورُ والدورُ فيها أين ذاكَ البنيانُ ذو الإحكام
2_ مدينة البصرة بعد دخول الزنوج إليها (المكان)
صور ابن الرومي دخول الزنوج إلى البصرة ، وكيف أن لونهم الأسود جعلهم يضفون السواد والظلام على مدينة البصرة فهم كقطع الليل الحالك الشديد الظلام ، وفي هذا التشبيه دلالة عرقية تظهر كيف أن تلك الطبقة كانت مدانة للونها الأسود .
قال ابن الرومي :
دخلوها كأنهم قِطع اللْي لِ إذا راحَ مُدْلَهِمَّ الظلام
وانتقل ابن الرومي ليصف وجعه الذاتي ، إذ نفى عن نفسه أسباب الراحة بعدما انتهك الزنوج جهراً محارم الإسلام ، من أرض ، ونفس ..فقال:
أيُّ نومِ من بعد ما حل بالبصْ رَةِ من تلكمُ الهناتِ العظام
وقد استنكر ابن الرومي فعل الزنوج ووصفهم بأقبح الصفات وهي : الخيانة ، فهو لم يسوغ كما فعل الخريمي من قبله دخولهم وفعلهم القبيح.
قال :
أقدم الخائنُ اللعينُ عليها وعلى الله أيَّما إقدام
وبعد ذلك كان لا بد لابن الرومي أن يكشف عن الجرائم التي ارتكبها الزنج ، إذ هدموا المكان وأحرقوه ، وقتلوا أهله ، حتى تحولت البصرة إلى ديار يستنكرها الزوار ، إذ أصبحت قفراً لا حضارة فيها ولا سكان، قال:
سُلِّطَ البَثْقُ والحريقُ عليهم فتداعت أركانُها بانهدامِ
وخلتْ من حُلولها فهْي قَفْرٌ لا ترى العين بين تلك الأكام
3_مدينة البصرة (الذكرى/المكان ) :
لعل هذه اللوحة هي أشد اللوحات دلالة على التحول الكبير والمفاجىء الذي حلّ بالبصرة ، مما يعمق الحزن والأسى والتحسر ، في هذه النقلة الكبيرة ، التي وازى فيها ابن الرومي بين ماضي البصرة ، وحاضرها بعدما دخلها الزنوج وعاثوا فيها فساداً وتدميراً.
ويمكن تمثيل هذا التحول من خلال الحديث عن ذكرى ابن الرومي للمكان ، والمكان بعد تحوله حينما دخله الزنوج :
الذكرى المكان
البصرة معدن الخيرات الزنوج استغلوا خيراتها
البصرة قبة الإسلام الزنوج انتهكوا حرماتها
البصرة تجمع أهلها الزنوج فرقوا جمع أهل البصرة
البصرة موطن العز والقوة الزنوج استضاموا العز والقوة فيها
البصرة أهلها يعيشون بأمن واستقرار الزنوج بثوا الرعب بالبصرة
البيع الذي غلا على السوام بالبصرة الزنوج أرخصوا البيع
البيوت التي ترعى الضعاف واليتامى أخرجوا الأهل من بيوتهم
القصور كانت منيعة لا يصلها أحد انتهك الزنوج تلك القصور ودخلوها
أهل البصرة كانوا ينعمون بالرخاء والمال أصبح أهل البصرة فقراء




ح_ الصور:
لقد غلبت الصورة الوصفية على أغلب لوحات القصيدة ، فابن الرومي وصف البصرة في أوج ازدهارها وحضارتها ، ومن ثم وصف دخول الزنوج إليها ، الذي قلب حياة المدينة إلى موت وظلام ، وبعدها كان لا بد ان يصف أثر هذا التحول على أهل البصرة .
وقد تحدثت سابقاً عن تلك اللوحات .
وبقي أن أشير إلى نمط آخر من الصور وهو (الصور البيانية) ، إذ قال ابن الرومي:
لهفَ نفسي عليكِ أيَّتُها البص رةُ لهفاً كمثل لهب الضِّرام
شبه ابن الرومي لهفته على مدينة البصرة ، بلهب اضرام ، ووجه الشبه هو الدوام ، والتوقد والاشتعال ، وما ذلك إلا دليل على حرقة نفس ابن الرومي العظيمة على ما حلّ بالبصرة .
وقال :
ألفُ ألفٍ في ساعةٍ قتلوهُمْ ثم ساقوا السِّباءَ كالأغنام
شبه ابن الرومي السباء الذين جرهم الزنوج بوحشية وإذلال ، بالأغنام ، ووجه الشبه ( الذل والهوان ، والكثرة، والانقياد) .
وأراد ابن الرومي أن يظهر ما عاناه أهل البصرة من مذلة وقهر بعد عز وقوة ، وكذلك أن يبين كثرة السباء الذين ساقهم الزنوج بذل و هوان دون رحمة .
وقال:
أدْرِكوا ثأْرَهُمْ فذاك لديْهِم مثلُ ردِّ الأرواحِ في الأجسامِ
صور ابن الرومي الثأر لمدينة البصرة وأهلها ، بأنه رد لروح جسد قد فني ومات ووجه الشبه ( رد الحياة وأسبابها) .
وفي هذا التصوير نوع من الاستفزاز واستنهاض الهمم للتحرك من أجل الانتقام للبصرة وأهلها وبث الحياة فيها من جديد.
وقال:
عارُهُمْ لازمٌ لكُمْ أيُّها النَّا سُ لأنَّ الأديانَ كالأرحام
شبه ابن الرومي الأديان على اختلافها وتفاوتها كالأرحام ووجه الشبه ( الصلة الوثيقة والقرابة الحميمة) .
وابن الرومي في هذا التصوير يدعو لتوحد أهل البصرة ، فالمصاب جماعي ، ولا يتعلق بانتهاك محارم الإسلام فقط ، وإنما يتعلق بموت ودمار جماعي للمدينة وأهلها على اختلاف دينهم .
خ_ الحس الديني :
ثمة إشارات عديدة ظهر فيها الشعور الديني قوياً لدى ابن الرومي ، وإن كان قد عرّف عنه أنه لم يكن قوي الإيمان ، من ذلك إشارته إلى حزنه الداخلي العميق لانتهاك الزنج محارم الإسلام، وأيضاً من خلال رفضه لما قام به الزنوج واعتباره ما قاموا فيه أنه نوع من الإقدام على الله والخيانة والظلم .
قال:
أيُّ نومٍ من بعد ما انتهك الزّنْ جُ جهاراً محارمَ الإسلام
أقدم الخائنُ اللعينُ عليها وعلى الله أيَّما إقدام
ومن الإشارات الدالة ، تلهفه على ما حلّ بالبصرة ، ودور العبادة فيها إذ قال :
لهف نفسي يا قُبَّةَ الإس لام لهفاً يطولُ منه غرامي
وقال:
بل ألِمَّا بساحةِ المسجدِ الجا مع إنْ كُنْتُما ذَوِي إلمام

ومن الإشارات ندمه على تخاذله ، وشعوره بالتقصير تجاه أهل البصرة ، خصوصاً فئة النساك ، والفقهاء إذ قال :
كم خذلنا من ناسكٍ ذي اجتهادٍ وفقيهٍ في دينهِ علَّام
وقال:
وا ندامي على التَّخلُّفِ عنهمْ وقليلٌ عنهُم غَناء نِدامي
وا حيائي منهُمْ إذا ما التقينا وهُمُ عند حاكم الحُكّام
وقال:
وا حيائي من النَّبيِّ إذا ما لامني فيهم أشدَّ الملام
ومن الإشارات ، استنكاره لجرائم الزنج على النساء خاصة ، ومعاتبته للرجال الذين لم يغاروا على حرمات النساء وتركوهن ينتهكن على أيدي الزنوج دون عطف أو غيرة قال:
كيف لم تعطفوا على أخواتٍ في حِبال العبيدِ من آل حامِ
لم تغاروا لغَيْرتي فتركْتُمْ حُرماتِي لمَنْ أحَلَّ حرامي
إنَّ من لم يَغَرْ على حُرُماتي غيرُ كُفْءٍ لقاصراتِ الخيام
ومن الإشارات دعوته إلى الجهاد والأخذ بالثأر لمدينة البصرة ، مشيراً إلى أن الدنيا زائلة وأن الجنة هي دار المقام بقوله :
انفرُوا أيها الكرامُ خِفافاً وثِقالاً إلى العبيدِ الطَّغام
وقال
لا تطيلوا المقام عن جنَّة الخل دِ فأنتمْ في غير دار مُقام
فاشتروا الباقيات بالعرَضِ الأد نى وبِيعوا انقطاعه بالدَّوام

لقد أظهر التحليل عدداً من جوانب المفارقة بين كل من قصيدة الخريمي و ابن الرومي ، مع أن الغرض واحد وهو ( رثاء المدن ) .
ففي بنية القصيدة :
أقصد بالبنية هنا اللوحات التي تنبني القصيدتان عليها، و مدى انسجامها مع الغرض المبتغى وهو رثاء المدن، نجد أن قصيدة الخريمي انبنت على عدد من اللوحات هي :
أ_ وصف حال بغداد قبل الفتنة الأبيات ( 1_ 6) / الأبيات ( 22_25)
ب_ وصف الخلافة في بغداد:
1 _الخلافة في قوتها (قبل فتنة الأمين والمأمون) :الأبيات(8_10).
2_الخلافة في ضعفها(بعد فتنة الأمين والمأمون):الأبيات( 11_21).
ت_وصف حال بغداد بعد الفتنة: الأبيات ( 26_ 31).
ث_ الوقوف على أطلال بغداد:الأبيات ( 32_45) .
ج_ العقاب الإلهي لمدينة بغداد:الأبيات(49_57)
ح__ تبرير جرائم الحرب:الأبيات (58_ 105)
1_ وصف دخول جنود الطاهر والمأمون لمدينة بغداد:الأبيات من(58_69):
2_وصف أثر الحرب على بغداد ونواحيها:الأبيات( 70_ 82) .
خ_ وصف أثر الحرب على أهل بغداد 83_105).
1_أ ثر الحرب على النساء الحرائر:الأبيات(83_89).
3_أثر الحرب على الثكلى :الأبيات (90_ 94)
4_أثر الحرب على الفتيان:الأبيات (95_ 100).
5_أثر الحرب على النساء:الأبيات ( 101_ 105) .
د_مدح الخليفة المأمون وذكر وزيره الفضل : الأبيات (108_ 135) .
وعلى امتداد هذه اللوحات نجد الخريمي مسرفاً بالوصف ، دون أي موقف يذكر تجاه المكان وأهله ، فهو بدأ قصيدته بالوصف على لسان مجموعة غيّب ذاته منها ، وبعد ذلك وصف الخلافة بقوتها وضعفها ، مظهراً ميله إلى المأمون .
ومن ثم عاد ليصف حال بغداد قبل وبعد فتنة الأمين والمأمون ، وهو في وصفه يظهر كأنه مجرد قاص وراوٍ للأحداث دون أي موقف ذاتي رافض أو مستنكر لدخول جيش الطاهر وكتائب الهرش لمدينة بغداد .
وبعد ذلك ظهر صوت الشاعر بخفاء ، حينما تساءل ، ووقف على أطلال بغداد ولكن هذا الصوت يبدو مشوباً بالزيف والنفاق والتشفي ، إذ إن الخريمي أظهر حقده الدفين على أهل بغداد حينما ساواهم بأصحاب الفيل وقوم عاد، وحينما رأى أن بغداد تستحق ما حلّ بها بذنوب أهلها .
والأمر الذي يثير العجب ، صمته وتسويغه لدخول جنود الطاهر والمأمون لمدينة بغداد ، وكذلك كتائب الهرش ، مدعياً أنها لم تكن تبغي لا رزقاً ولا عطاء .
وبعد ذلك عاد الخريمي ليصف أثر الحرب على بغداد وأهلها ، دون أي موقف أو رفض أو استنكار ، بل يكتفي بالوصف المجرد من أي حس وشعور تجاه بغداد وأهلها.
وأخيراً اختتم الخريمي قصيدته بلوحة المدح للمأمون ، وقد أقحم الخريمي تلك اللوحة في بنية القصيدة ، مع أنها لا تمت بصلة للغرض المرجو وهو (رثاء بغداد) .
من هنا يمكن القول أن هذه القصيدة أقرب ما تكون بغرضها ، إلى الدعاية السياسية والموالاة لجهة دون أخرى تحقيقاً لغايات نفعية ذاتية بالدرجة الأولى .
إذ لم نجد صوت الشاعر في هذه القصيدة إلا متشفياً ببغداد وأهلها ، أو مسوغاً لجرائم الحرب التي ارتكبها جيش الطاهر وكتائب الهرش، أو مادحاً للمأمون وأتباعه.
من هنا كانت هذه القصيدة ببنائها بعيدة عن غرضها ، وغير منسجمة من حيث إقحامها لبعض اللوحات في صلب القصيدة دون أي صلة ناظمة لها مع موضوع الرثاء ، كلوحة مدح المأمون.

أما قصيدة ابن الرومي فتنبني من عدة لوحات هي :
أ_وصف الشاعر حالته النفسية على إثر ما حلّ بالبصرة (الأبيات 1_5) .
ب_ذم محمد بن علي على خيانته وتنصيب نفسه إماماً بغير حق ( الأبيات 6_7).
ت_إطراء بالبصرة ، وبيان عظم شأنها في نفسه وتلهفه عليها ( الأبيات 8_12).
ث_وصف شراسة الزنج ،وفظاعة ما ارتكبوه من جرائم في مدينة البصرة (الأبيات 13_ 31).
ج_التحسر والتوجع الداخلي على ذكرى مدينة البصرة وما حلّ بها من جرائم من قبل الزنج( الأبيات 32_ 33).
ح_ وصف ما حلّ بالبصرة وما حولها من مصائب ، وتداعيات ذلك على مختلف فئات المجتمع (الأبيات 34 _38).
خ_الحديث عن صور الحضارة المشرقة لمدينة البصرة قبل دخول الزنج إليها (الأبيات 39_ 57).
د_ندم الشاعر وأسفه على التفريط بأسباب ثبات أركان الدولة وبقائها ( الأبيات 58_ 74).
ذ_استهاض عزائم الناس للدفاع عن البصرة وعرى الإسلام ، ودعوتهم للثأر لمدينة البصرة وأهلها (الأبيات 75_86).

لقد بدأ ابن الرومي قصيدته بالتحسر والبكاء ، وقد دفعه وجدانه النابض بحب البصرة بأن يعيش بقلب الحدث والمكان ، وإن كان بعيداً عنه واقعاً ( أقصد بعده عن البصرة).
وقد كانت ذات ابن الرومي حاضرة على امتداد القصيدة ، إذ بدأ متوجعاً وحزيناً على ما حلّ بالبصرة ، ومن ثم انتقل إلى ذم أصحاب الجريمة( الزنوج) وبعدها انتقل للحديث عن عظم البصرة وعلو شأنها مظهراً تلهفه على ما أصابها من تبدل وتحول جراء دخول الزنج إليها.
وبعد ذلك انتقل ليصف جرائم الزنج وما حلّ بالمكان وأجزائه من مصائب وتداعيات ذلك على أهل البصرة .
وبعدها انتقل إلى الحوار مع صاحبيه ، طالباً منهما الوقوف على البصرة وسؤالها عن شتى جوانب حضارتها التي انقلبت وتحولت .
ولم يرضَ ابن الرومي أن يجرد ذاته من تالمسؤولية تجاه ما حلّ بالبصرة ، فنراه دائم التأسف والندم على التفريط بالبصرة وخذلانه لأهلها.
ولم يكن لا بن الرومي إلا أن حث أهل البصرة للدفاع عنها ، وعن الإسلام وعراه.
ولا نبالغ إن قلنا إن ابن الرومي كان حاضراً بشعوره بكل لوحة ، وقد اتخذ موقفاً تجاه المكان وأهله وتجاه العدو ، وهذا ما لم نجده لدى الخريمي.

العاطفة:
أظهر التحليل أن عاطفة الخريمي لم تكن صادقة ، وقد كان فيها نوع من التمويه والزيف من أجل تحقيق منفعة ذاتية ، وغرض سياسي وهو الموالاة للمأمون والانتصار له.
يظهر ذلك من إطالته بلوحة المدح للمأمون ،وتسويغه لدخول جيش الطاهر وكتائب الهرش لبغداد ، وكذلك من خلال تشفيه بأهل بغداد ، الذين وازاهم بالطغاة ، ورأى بأنهم يستحقون ما حلً بهم ، ليس هذاوحسب بل نراه يدعو على بغداد حينما يقول :
يا بؤسَ بَغداد دار مَملَكة دارَت عَلى أَهلِها دَوائرها
أما ابن الرومي فنرى أن عاطفته كانت صادقة ، والدليل على ذلك انسجام قوله مع الموقف دون أي خروج عن الغرض لغرض ذاتي ، فالقصيدة جاءت خاصة للموقف وهو ( رثاء البصرة) .
فابن الرومي بدأ التحسر والبكاء على ما حلّ بالبصرة بذاته، وحث على الانتقام من الزنوج واستنكر بذاته ، ووقف على المكان وذاكرته بذاته، وندم على تخاذله بذاته .
أخيراً يمكن القول إن حضور الأنا المشاركة (ذات الشاعر) على امتداد القصيدة، وتكرار الألم النفسي والذاتي ، وإلحاح الذاكرة على استدعاء حاضر البصرة الزاهر ، واستنكار جرائم الزنج ، لشاهد على حضور الموقف وتداعياته على نفس ابن الرومي بشدة ، من هنا كانت عاطفته صادقة ، الأمر الذي يدعونا نطمئن حينما ندرج هذه القصيدة تحت باب ( رثاء المدن).






 
رد مع اقتباس
قديم 07-09-2011, 01:29 AM   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
نايف ذوابه
أقلامي
 
إحصائية العضو







نايف ذوابه غير متصل


إرسال رسالة عبر MSN إلى نايف ذوابه

افتراضي رد: قراءة في قصيدة ابن الرومي في رثاء مدينة البصرة/هدى قزع

لا شك أن رثاء ابن الرومي لمدينة البصرة جراء ما ارتكبه الزنج من فظاعات .. هو ملحمة من الحزن والوجع والألم الممض ولا تخطئ عين وقلب من يردد هذه الأبيات أن الشاعر ابن الرومي كان مفجعا والهًا بما رآه من قتل استحر بكل من في البصرة أطفالا ونساء وشيوخا ثم ما لحقها من خراب ودمار.. عاطفة الشاعر ملتهبة تلهب كل من يقرأ هذه القصيدة .. إن القصيدة من عيون الشعر في موضوعها وهو رثاء المدن ..

مرور سريع للترحاب بما أودعت الدكتورة هدى آملين أن يستقر بها المقام في منتدياتنا وتجد ما تستحق من الاحتفاء بموضوعاتها المتخصصة وعقليتها الباحثة القديرة

أكرر ترحابي وتقديري للكريمة د. هدى .. حللت أهلا ووطئت سهلا في أقلام بيتنا الكبير







التوقيع

اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين
وأصلح لي شأني كله
لا إله إلا أنت
 
رد مع اقتباس
قديم 08-09-2011, 11:25 AM   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
فاكية صباحي
إدارة المنتديات الأدبية
 
الصورة الرمزية فاكية صباحي
 

 

 
إحصائية العضو







فاكية صباحي غير متصل


افتراضي رد: قراءة في قصيدة ابن الرومي في رثاء مدينة البصرة/هدى قزع

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته


من القضايا التي يثيرهاعمود الشعرإجمالا قضية
الوضوح،
والصدق،والطبع. وهذه القضايا الثلاث هي المعايير
والقيم التي ينبغي الإرتكاز عليها في البناء الشعري..
لتشهد للشاعربالجودة والتجديد ..
ولو تأملنا شعر ابن الرومي نجد الوضوع سيدا عبر
كل قصائده فليس غريبا أن يضاف صدق العاطفة
لهذا الوضوح الذي بدا جليا من خلال هذه القصيدة تحديدا ..
فهو لم يذكر أشياء من الخيال بل اتكأ على واقع لمسه
القارىء عبر شواهد تاريخية قبل أن يحسنه الشاعر
باستعارات أو كنايات من نسج الخيال
.


وإذا تأملنا ما أدرجه بعض النقاد في مناقشتهم بعض قضايا الصدق
أو الكذب نجد أنهم بقوا بعيدا كل البعد عن لب المشاكل التي يدرجها
عمود الشعر ..وهذا البعد ربما يعود إلى ربط الشعر بالقارىء لا بالشاعر...
وهذا ما جعل نظرتهم للإبداع الشعري ناقصة نوعا ما..
إذْ لم ينتبهوا لنفس الشاعر ونظرته أو تجربته الخاصة..
ولم يلقوا الضوء كاملاعلى بيئته ..وهذا ما سبب جمود الشعر
العربي وتقهقره نوعا ما ..
وإذا تأملنا هذه الرثائية المتميزة لابن الرومي نجد أنها
تلبس ثوب الصدق أنيقا بدءا من أول بيت حتى آخرحرف ..
لأن وجع الشاعر كان طافحا على وجه كل كلمة ترقرق
دمعها في صمت لتجلجل بصدورنا ونحن نجترها كذكرى
دامية ليست من وحي الخيال ..
حتى لكأننا نشعر بصوته متهدجا وهو يردد كل بيت كأنه
رثائية قائمة بذاتها خلدت لجرح غائر ما أوقف الزمن نزه


الأديبة الفاضل ة هدى قزع ..
مرحبا بك بيننا وبطيب ما أضفت

نسأل الله لك إقامة طيبة ببيتنا العتيد..
ونرحب بما تضيفين دائما


تقبلي مني مفردات الشكر والتقدير







 
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 04:36 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والردود المنشورة في أقلام لا تعبر إلا عن آراء أصحابها فقط