خطاب أنقرة يحتاج "خطة تنفيذية"
في شؤون وسياسات شتّى، تبدو إدارة السيد أوباما الواعدة بـ "التغيير" ساعيةً إليه، ونحو ما يمكن وصفه بـ "أميركا أكثر وداعة" إزاء العالم؛ وأكثر ليبرالية إزاء السياسة الداخلية الأميركية.. ولكن، وفي أمر واحد، هو المسألة الفلسطينية هناك "ثبات" على سياسة الإدارة السالفة.. ولكن، باتجاه "تفعيل" و"تحريك" ما كان "رؤية" تطورت "خارطة"، فإلى "خطة".. نحو جعل الدولة الفلسطينية "ورشة عمل".
صحيح أن رؤية بوش وخارطة الطريق وخطة أنابوليس منسوبة لإدارة الرئيس السابق، لكن بذور "الرؤية" زرعها الرئيس كلينتون في خلاصة "أفكاره" بعد فشل الرهان الكبير في كامب ديفيد 2000، هذا إنْ لم نقل إنّ بوش الأب هو الذي حرث التربة في مؤتمر مدريد 1991، بعد حرب "عاصفة الصحراء" الأميركية - الدولية على العراق.
هذه "الديباجة" لازمة وغير متعدية لفهم "خطاب أنقرة" الرئاسي الأميركي، في ختام جولة رئاسية أميركية في أوروبا، أحرزت نجاحات أو تسويات لأزمات ومسائل، تبدأ من الأزمة المالية في قمة الـ g20 في لندن، فإلى تحريك لدور حلف الناتو في المسألة الأفغانية بقمّة ستراسبورغ.. وثالثاً، اعتبرت قمّة الاتحاد الأوروبي قمّة مشتركة مع الولايات المتحدة، لأنها وثيقة الصلة بقمتي لندن وستراسبورغ. حلف مالي. حلف عسكري.. وحلف سياسي يؤطّر ما سبق.
تبقى هناك، بالطبع، تباينات في مدى التزام الدول التي حضرت القمم الثلاث، أو وجهات نظر في نجاعة التسويات التي تمت فيها، ولو وُصِفت بأنها "تاريخية".
أما في صدد "خطاب أنقرة"، وله صفة إلزام سياسية معينة، باعتباره أُلقِي في البرلمان التركي؛ فإنّ الرئيس أوباما يكاد يكون تحدّث باسم القمم الثلاث فيما يخصّ المسألة الفلسطينية، أي مسألة الدولة الفلسطينية، فقد وضعها في مركز سياسة أميركية جديدة، أو مختلفة عن سياسة إدارة بوش، إزاء العالم الإسلامي: ليست الولايات المتحدة في حالة حرب مع هذا العالم.. ولن تكون.
كانت وزيرة الخارجية، السيدة هيلاري كلينتون، قد أعلنت، قبل أيام من "خطبة أنقرة" أن تعبير "الحرب على الإرهاب" قد تم سحبه من التداول، كسياسة معلنة أو ممارسة للولايات المتحدة.
يستطيع الاتحاد الأوروبي، أو دول معينة ومؤثّرة فيه، مثل فرنسا وألمانيا، أن يعتبر تزكية أوباما تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي تدخّلاً أميركياً غير مقبول لتمييع الفوارق بين عضوية الاتحاد وعضوية حلف الناتو، علماً أن أوروبا الرسمية بقيت متحفظة من خلط أوساط أميركية في الإدارة السابقة بين "الحرب على الإرهاب" والحرب على "الأصولية الجهادية الإسلامية".
لكن، وفي المسألة الفلسطينية بالذات، واظبت أوروبا على سياسة أكثر انتقادية لسياسة إسرائيل في فلسطين وإزاء فلسطين، وأكثر تشجيعاً للولايات المتحدة في تطوير "الرؤية" و"الخريطة" و"الخطة".
هناك سجال ورهان حول قدرة سياسة "التغيير" الأميركية الجديدة على بقاء الولايات المتحدة في مركز "قائد العالم"، وعلى الصعيدين الاستراتيجيين: الأمني والمالي. بيد أنه في مسألة الدولة الفلسطينية يوجد سجال قليل ورهان كبير على دورها في قيادة "خطة أنابوليس" إلى ورشة دولية لإقامة دولة فلسطينية.
حتى قبل "خطاب أنقرة"، وربما ابان حملته الانتخابية، ثم فور تولّيه مقاليد السلطة، أظهر السيد أوباما نيّة لدفع سياسة بوش الفلسطينية نحو الانجاز، وبرهن على ذلك بتعيين جورج ميتشل مبعوثاً رئاسياً خاصاً حتى قبل استكماله طاقم إدارته الجديد.
هناك مَن يتسرّع معتبراً حكومة إسرائيلية يمينية متملّصة من "حل الدولتين" بمثابة عقبة إضافية، كما كان صعود "حماس" عقبة.. وتجميد مفاوضات عباس - أولمرت عامل إحباط، لأن الإسرائيليين مختلفون حول "حل الدولتين"، كما الفلسطينيين مختلفون بسببه، ولو أن نصف السلطة الفلسطينية المنقسمة تؤيّد هذا الحل، فيما تعارضه بشدّة قيادة الائتلاف الحكومي الإسرائيلي، وتتحفظ عليه أطراف في الائتلاف، مثل حزب العمل، أو جناح باراك فيه.
لكن، في مقابل الانقسام السياسي المتبادل في فلسطين وإسرائيل، تقف جبهة عالمية رسمية تؤيّده، وكذا جبهة رسمية عربية لم تسحب مبادرة السلام العربية - الإسلامية، وإنْ كانت تلوّح بذلك.. بهدف دفع حل الدولتين إلى الأمام.
المحصلة السابقة ستؤهّل الولايات المتحدة، كقائدة وفاق عالمي على "حل الدولتين" لممارسة ضغط على الجانبين معاً، بعد أن بدا أن الضغط أكبر، خاصة منذ فوز حركة "حماس"، على الجانب الفلسطيني، بربط حل الدولتين بوفاق سياسي عليه.
مشكلة السيد بوش أنه كان يضع آجالاً للانجاز، ثم يتمهّل أو يتقاعس أو يمارس ضغطاً رخواً. السيد أوباما لا يضع جداول زمنية، لكنه يلوّح بتفعيل آلية ضغط أميركية مدعومة دولياً.
خطاب أنقرة يحتاج، بدوره، خطة.. تنفيذية هذه المرّة.
حسن البطل