الزائر الكريم: يبدو أنك غير مسجل لدينا، لذا ندعوك للانضمام إلى أسرتنا الكبيرة عبر التسجيل باسمك الثنائي الحقيقي حتى نتمكن من تفعيل عضويتك.

منتديات  

نحن مع غزة
روابط مفيدة
استرجاع كلمة المرور | طلب عضوية | التشكيل الإداري | النظام الداخلي 

العودة   منتديات مجلة أقلام > المنتديــات الأدبيــة > منتدى القصة القصيرة

منتدى القصة القصيرة أحداث صاخبة ومفاجآت متعددة في كل مادة تفرد جناحيها في فضاء هذا المنتدى..فهيا لنحلق معا..

إضافة رد

مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان)
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-08-2017, 04:27 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عبدالرحيم التدلاوي
طاقم الإشراف
 
الصورة الرمزية عبدالرحيم التدلاوي
 

 

 
إحصائية العضو







عبدالرحيم التدلاوي متصل الآن


افتراضي فجوة

فجوة
**
لم أدخل في سباق مجنون مع التلاميذ للحصول على الطاولات الأولى، تركت للنوابغ والمجدين فضيلة احتلالها، كما أفسحت المجال لماسحي الأحذية وملمعيها بلوغ الأرب، إنهم حصني الحصين للابتعاد عن نظرات الأساتذة، وأسئلتهم المحرجة، وبخاصة أستاذ الاجتماعيات الذي عرف عنه إحراج التلاميذ، بطرحه لأسئلة عويصة تجعل السبورة تغيم معالمها من شدة الضيق والحرج.أراه شبيها بصقر على استعداد للاقضاض على فريسته متى أظهر ضعفا. أذهب إلى آخر الصف، وأتحذ لي مكانا غير مرئي، ولا أسمح لأحد باحتلاله حتى حين يتنافسون للحصول على مقعد خلفي في حصة الاجتماعيات. يعرفون أن مقعدي منطقة محمية بفعل القوة. لا أحد يجرؤ على الجلوس على عرشي المتواضع. أضرب بقوة على الطاولة لتسمع عضلاتي، فيرهبني الجميع، من الضروري أن تعلن عن شراستك في هذا الواقع لتجلب الاحترام، وتبعد اللئام.
أترك المقعد المجاور لصديقي الذي يحمل لي جديد الأخبار، من مثل غرق نائبين برلمانيين في نهر واحد، وقصف طائرات لدبابة كالت الهم للناس، رصدتها بعين نسر من الأعلى، ثم بعثت لها بالصواعق.
كثيرة هي الأخبار التي يحملها إلي لكونه مولعا بالسياسة. وما كنت بها مولعا، لكن للأخبار متسقطا حتى أبدو في نظر الناس ملما، وأجلب اهتمام الفتيات.
وكانت تلميذة الفصل الحسناء، ومحط عيون التلاميذ، وغير التلاميذ، تتعمد الجلوس إلى الطاولة التي أمامي، تطلق عقال خصلات شعرها إلى الخلف حتى تلامس أنفي. أنفي المصاب بداء العطب السريع حين يستنشق عبير الجاذبية وعطر الإغواء. فأحلق في بساتين الجمال بقلب عامر بالحب.
أتخيل، في تلك اللحظة، بفعل رائحة الخزامى، أني في حديقة غناء، تشتمل على كل الأعشاب العطرية، أتداوى بها من أوصاب الزمن الرديئ، وأحتمي بها من سطوة الأستاذ وعنجهيته. أقرب أنفي كما لو كنت كلب صيد مدرب على ملاحقة طرائده من الروائح، لا يفيقني سوى صديقي بلكزة من مرفقه حين يحس أني قد تناولت خصلة من ليل الجمال وقربتها من حاسة شمي ، أفيق مذعورا لاعنا، بداخلي، فعله المشين، أما هي فإنها تميل برأسها تساعدني على الهروب في أدغال روعتها، تساعدني على السباحة في فضائها الفاتن، تعتبرني طريدتها المفضلة.
ينادي عليها الأستاذ، يطلب منها بجفاء القيام إلى السبورة لرسم خريطة الوطن العربي. يقول لي صديقي ساخرا: عليها أن تحمل فانوس ديوجين ، أو مجهرا للوصول إلى الجواب. ولما يرى الدهشة بادية على محياي، يضيف موضحا: لا وجود لهذا العالم إلا في أذهان المسطولين، هناك إمارات ودويلات، وما زال فعل التفتيت مستمرا. الله يخلف.
وأصاب بالحيرة من رده، كما ألاحظ
الحيرة بادية عليها و سطوة الاضطراب. تمسك بالطبشور تضعه بين أصابعها تحركه بعصبية. نحس بمأزقها ولا نملك لها حلا، نداري خيبتنا بمتابعة ردفيها المكورين، تمتلك خصرا نحيفا، واستادرة مؤخرة وامتلاء فخذين، لا يتركان سوى فجوة بينهما، منها ينفذ الضوء؛
من خلال تلك الفجوة النورانية تحت الردفين المدوين مباشرة وقبل التقاء الفخذين الممتلئين ، أرى، ولأول مرة، العالم جديرا بالحياة، بدل ذلك العالم الذي يرسمه لنا مدرس الاجتماعيات والغاص بالكوارث والحروب. من تلك الفجوة الشبيهة بقلب صاف كنا نتسرب إلى العالم فناره قد شع نورا، وامتلأ جمالا. يعمه السكون الهادر، وتضبط أمواجه بفعل إيقاعات آهاتنا والتياعنا. كانت تتحرك يمنة ويسرة ببطء فترينا من عجائب العالم ما كنا نجهل، وتفضح الكثير من أسراره، فنخرج من التجربة بعلم وفير، وكنز كثير......كنت من خلال موقعي أتابع تفاصيل حركات التلاميذ، وأسمع آهاتهم حين تقف وحين تجلس وحين تسير، كما كنت أضبط سلوك الأستاذ، وأتوقع أفعاله، وأستطيع تفادي مفاجآته....لم يكن أحد يجرؤ على احتلال مقعدي لقوة بدني، وحمرة عيني، وصلابة يدي، وسرعة حركتهما إلى حد التهور........وعن وجهها، هل حدثتكم عن وجهها ؟ أه من روعته، كان مدورا بخدين قد سكنهما الورد، وبعينين نجلاوين فوقهما حاجبان مقوسان كهلالين ، وأنف دقيق، وفم صغير ذي شفتين ممتلئتين كنداء شهوة، وعنق دقيق. لم يعد كذلك وأنا أراها تمر قربي تدفع عربة طفليها التوأم، وهو ما حفزني على كتابة هذا النص.
كنا نشعر بلذة قصوى وهي تتحرك بغنج، فيهتز نصها وقلوبنا تبعا، عسى ينقذها ذلك التغنج من حيرتها العظمى، وورطتها الكبرى. ونظل مسمرين أعيننا عليها، وعلى جسدها الفاتن، لا نتحرك، جامدين إلا من حركة عيوننا التي تنتقل بين تضاريس الحسد الرائع. ونتخيل أشياء كثيرة، يقويها كبتنا التاريخي. كانت بالرغم من حرج موقفها تتحرك بطريقة فيها تلاعب بمشاعرنا وحواسنا. آه من حلاوتها، كيف بلوغ ذلك الشهد؟ وآه من ضعفنا وعدم قدرتنا على إنقادها. إذ لو استطعنا لامتلكنا مفاتيحها. أعود إلى المنزل مثقلا بها، أعياني الركض وراء الأحلام، الجري وراء الأوهام.
و أستيقظ من غفوتي الممتعة بسؤال الأستاذ وقد وجهه إلي، بإصبعه الممدودة كخنجر، سؤالا حادا: ما أسباب اندثار الأمم؟
بقيت للحظة متيبسا، ثم أشرت بنظراتي إلى تلك التي تقف بشموخ: هي التي تمتلك مفاتيح الأجوبة كلها.






التوقيع

حسن_العلوي سابقا

 
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 08:50 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والردود المنشورة في أقلام لا تعبر إلا عن آراء أصحابها فقط