منتديات مجلة أقلام - عرض مشاركة واحدة - الجلاد.
الموضوع: الجلاد.
عرض مشاركة واحدة
قديم 24-10-2014, 05:34 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
هارون غزي المحامي
أقلامي
 
إحصائية العضو







هارون غزي المحامي غير متصل


افتراضي الجلاد.

الجلاد.


قريب من الأرض.. بالوني البطن، فخذيه عريضين ، ساقاه غاية في القصر، حمشين، سمانتاهما ممتلئتان في غير تناسق..
إذا مشي يتمايل علي الأرض؛ مرة يميننا حتى لتظن انه سيقع، فإذا به ينحني شمالا حتى ليكاد يسقط، خطواته قصيرة كطفل يحبو، قدماه تدب الأرض دبا كأنما لتثبته فلا يندلق.
اسمه عياط لأنه لحظة ولادته اعترض باكيا بصوت جهوري أحدث صداه حتى اليوم ، فسمي "عياط" وقالت أمه:
-" يعيط بس يعيش"
وهو اليوم في الأربعينات.
كنا نسافر للزيارة في القرية مرة، أو مرتين في السنة.
إذا تكلم فبثقة. حديثه كتلقين معلم، أو خبير. في لسانه لثغة ينطق بها الراء غينا خفيفة.
له فكر خاص يعتز به إذ يراه الحق الصراح، وما عداه باطلا زهوقا.
سوطه من جلد البقر الثخين الذي يصنع منه نعل الحذاء. علقه علي الحائط ليردعهم بالعلقات. لكنه لم يفلح في كفهم عن الخطأ والنسيان، ولا عجب في ذلك.
مجلسه؛ كرسي مدعم بعدة شلتات، ووسائد لترفع قزميته إذا جلس في الغرفة الواسعة بجوار الشباك.
يطل منه علي الشارع، ويبيع للزباين الجبنة القريش المغلفة في ورق كراريس التلاميذ فتتزخرف بأحبارها.
ناولته الجثة حرمه كوز الماء قائلة في تلعثم، ولجلجة، والرعشة ترج ثروتها السمينة وعيناها سريعة الرمش .
- تفضل يا سى العياط.
قال:
- بسم الله. وتجرع تؤدة
تجشأ عاليا في ارتياح وقال:
- الحمد لله.
وهو يناولها الكوز. قال كأنه ينقدها الثمن عاجلا غير آجل:
- عشر.
ارتعشت كالمحمومة، وولولت في خفوت، وتمتمت في تلعثم:
- " يايايا سسسيدي أنا نسسسيت. ع فو ك ياسيدي"
ورموشها ترمش في سرعة كسرعة الضوء.
فأومأ إليها في صرامة؛ فانصرفت في لهفة لتتكوم في الغرفة الصغيرة المظلمة، وهي تكفكف دموعها وتكتم عويلها، فصاح: كأنه نسي أن ينفحها باقي الحساب؛ فهو رجل حقاني.
- عشر ثانية.
فارتفعت هنهناتها وزاد نشيجها.
جاءت أمي في شيء من الجرأة وقالت له:
- السماح يا أخويا، والمسامح كريم.
برقت عيناه في غيظ، وصرخ:
- إياك؛ ونظامي! قال الحبيب المصطفي " ولا ترفع عنهم عصاكأدبا وأخفهم في الله "
فانخذلت أمي، وتقهقرت تواسي الزوجة الباكية.
فهمت من أمي أن عقوبة عدم إلقاء السلام عند الدخول عليه عشر جلدات،وعند الإنصراف بدون القاء السلام عشرة أخر.وعلقت أمي لعله يسمعها:
- " إلقاء السلام سنة، والفرض هو رد السلام، والسهو عفو"
ينفذ أحكامه الصاعقة، وقت الهدوء بعد العصر، حيث طراوة الهواء.
يحضر من عليه الحكم الجلدة- زوجته، أو ابنه، أو بنته- وبيدها الجلدة وتقول:
-السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تناوله الجلدة في طواعية، ذليلة باكية! وتجلس متلفعة بملاءة تحجبها.توجه ظهرها ليكون بين يدي الجلاد، وطوع سوطه، فيرفع ذراعه علي قصره بالجلدة ، ويسوط الظهر لسعا.






 
رد مع اقتباس