منتديات مجلة أقلام - عرض مشاركة واحدة - من وجوه الإعجاز البلاغي في القرآن الكريم...1
عرض مشاركة واحدة
قديم 29-09-2011, 06:03 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
احمد زكريا
أقلامي
 
إحصائية العضو







احمد زكريا غير متصل


افتراضي من وجوه الإعجاز البلاغي في القرآن الكريم...1

من وجوه الإعجاز البلاغي
في القرآن الكريم...1بقلم /أحمد زكريا عبد اللطيف
ahmed1698@gmail.com

كلما قرأت القرآن ،شعرت بالرهبة والانبهار في آن واحد.
ما هذه الحلاوة؟،وما هذه الطلاوة؟،وما هذا الأسلوب المعجز الذي حير الفصحاء والبلغاء؟.
إنه كلام الله، ولا ينبغي له إلا أن يكون كلام الله – عز وجل – .

فنزل القرآن على النبي محمد ، وهو معجزته الكبرى، ودليله على النبوة وأنه لا ينطق عن الهوى إنْ هو إلاَّ وحي يوحى، وقد وقف أئمة اللُّغة من العرب عاجزين أمام القرآن أنْ يحاكوه أو يماثلوه في أزهى العصورللأُمَّة العربية بياناً وفصاحة وبلاغة. فكان التحدي بألفاظ القرآن وكلماته في فصاحته وبلاغته وبيان أسلوبه.

وها نحن نحاول الوقوف مع بعض الأسرار البلاغية في قوله - سبحانه وتعالى - {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُالذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُعَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}،(الشورى:49،50).
آملا أن ييسر الله لي الفهم الصحيح،وللقراء الكرام المتعة الإيمانية والعقلية.
(لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُالذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً)؛ يزوِّجهم بمعنى: يجعلهم إن شاء من النوعيْن الذّكر والأنثى.
وهاتان الآيتان فيهما دقائق ورقائق بلاغية في باب الإبهام، وفي باب التقديم والتأخير، وفي باب التعريف والتنكير؛ ولكننا نقرِّر أولاً صلة هذه الآية بما سبقها،فنقول: إنّ هاتيْن الآيتيْن الكريمتيْن واردتان على سبيل الإستئناف البياني لما قبْلهما.
ما معنى الإستئناف البياني؟
معنى الإستئناف البياني: أنّ الكلام السابق يولِّد في نفس المستمع سؤالاً لا ينطق به، ولكنّ المتكلِّم البليغ يلاحظ أو يلحظأنّ كلامه الذي قاله يولِّد في نفس المستمع سؤالاً، فلا يتركه ينطق بهذا السؤال،وإنما يقدِّم له إجابة على هذا السؤال النفسي؛ هذا هو ما يسميه البلاغيّون: "الاستئناف البلاغي". نجد ذلك كثيراً في الآيات التي تشتمل على أوامر أو نواهٍ،مثلاً: قول الله -سبحانه وتعالى-: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌلَهُمْ}.عندما يَرِد على الإنسان أمرٌ يجول في خاطره سؤال: ما سِرُّ، أو ما سبب هذا الأمر؟ ولذلك جاء بعْد(وَصَلِّ عَلَيْهِمْ)قوله:(ِإنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ(،كأنّ هذه الجملة إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ):إجابة عن السؤال النفسي الذي تولّد في نفس المستمع.
وكذلك قول الله -سبحانه وتعالى يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌعَظِيمٌ( بعد أن نؤمر بالتّقوى نقول: ما غرض هذاالأمر؟ في أنفسنا، فتأتي الجملة الثانية: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌعَظِيمٌ} مجيبةً عن هذا التساؤل النفسي، وهذا هو: "الإستئناف البياني" في البلاغة.

ونرجع إلى آيتَيْ سورة (الشورى). ما صلة آيتَيْ سورة (الشورى) بالكلام السابق عليها. قد جاء قبل آيتَيْ سورة (الشورى): قول الله -سبحانه وتعالى إِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَبِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإنْسَانَكَفُورٌ( .

وبعد قراءة هذه الآية يتوارد إلى ذهن القارئ المتدبِّر عدّة أسئلة مُؤدّاها: لماذا فُطر الإنسان على هذيْن الخُلُقيْن؟يعني: لماذا خُلق وطُبع على هذيْن الخُلُقيْن، من كونه يفرح بالنعمة ويكفر بالنقمة،ولم يُفطر على الخُلق الأكمل والمَثل الأعلى في كونه يتلقّى النعمة بالشكر والنقمةبالصبر والضراعة إلى الله؟ وأيضاً سؤال آخّر: لماذا يُذاق الإنسان النّعمة مرة،والبؤس مرة أخرى؟ وأيضاً سؤال: لماذا لم يُجعل الإنسان خالياً من اللّذات والإبتلاءات شأنه شأن العجماوات -أي: الحيوانات- التي لا تعقل؟ كل هذه أسئلة تتواردعلى ذهن القارئ المتدبِّر بعد أن يقرأ قول الله -سبحانه وتعالى وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَاوَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإنْسَانَ كَفُورٌ)؛ فيأتي قول الله -سبحانه وتعالى لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُالذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُعَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ)، يأتي إجابة عن الأسئلة التي تتولّد من الآية السابقة. فكان الجواب معناه الإجمالي: أنّ الله المتصرِّف في السماوات والأرض يخْلُق فيهما ما يشاء من الذوات وأحوالها؛ وهذا جوابٌ إجمالي يُناسب التّرفع عن الدخول في المجادلة عن الشؤون الإلهية، كما يقول الشيخ محمد الطاهربن عاشور صاحب كتاب "التحرير والتنوير". فقد جاء في هذه الآيات جوابٌ إجمالي: أن يُقال للإنسان: "ترَفّعْ ولا تَدخل في المجادلة عن الشؤون الإلهية! فهويفعل ما يشاء، ولا يُسأل عمّا يَفعل!"؛ وهذا هو ما قرّرتْه الآيتان من أوّلا لأمر:{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِوَالأَرْضِ}. وملكيّتُه للسماوات والأرض كناية عن ملكيّة مَن فيهما، وما فيهما من المخلوقات، يتصرّف فيهما كيف يشاء على وفْق علْمه وقُدرته تعالى.
وتلاحظ في:(لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِأنّ الخبر وهو: الجار والمجرور: {لِلَّهِ}، قد تقدّم على المبتدأ وهو(مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ(؛ وهذا التقديم مفيد للاختصاص، بمعنى: أنه يُثبت ملكيّة السماوات والأرض وما فيهما ومَن فيهما لله وحده، ونفْي ملكيّة أيِّ شيء فيهما عن غيره من المخلوقات؛ فهذه أوّل دقيقة من دقائق الآيات.ولمّاكانت هذه الملكيّة ثابتة له - سبحانه وتعالى- على الدوام، جاءت الجملة اسميّة لِتعبّر عن هذا الثبوت والدوام، ولذلك)ِللَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)فيها من الظواهرالبلاغية التي تكشف لنا: التقديم -أي: تقديم المسند على المسند إليه-، وفيها التعبير في الجملة بالجملة الاسمية لكي تعبِّر عن الثبوت والدوام الذي تفيده الجملة الاسميّة: الثبوت من أصّل وضْع الجملة الإسمية، وأمّا الدوام فمِن قرائن خارجية. وأمّا خلْقه تعالى لما يشاء فهو متجدِّد إلى يوم الدِّين. يعني: ملكيّة السماوات والأرض وما فيهما ومن فيهما ثابتة ودائمة لله -سبحانه وتعالى- بمقتضى التعبيربالجملة الاسميّة، وأمّا كونه -سبحانه وتعالى- يخلق ما يشاء، فهذا الخلْق متجدِّد إلى يوم الدِّين، ولذلك جيء بالجملة الدالة على التجدّد والحدوث، أي: بالجملة الفعلية في قوله -سبحانه وتعالى-: (يَخْلُقُ مَايَشَاء).إذاَ، فلْنوازن بينالجملة(لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)من ناحية دلالتها على الثبوت والدوام، وبين قوله تعالى (يَخْلُقُ مَايَشَاءُ)، والتعبير فيها بالجملة الفعلية الدّالةعلى التجدّد والحدوث.

ثم في قوله تعالى:(يَخْلُقُ مَا يَشَاء)إبهاماً،لأنّ {مَا} اسم موصول مُبهم، وكيف اشتملت {مَا} على جميع مخلوقات الله الواقعة فيمُلكه؟ فقد خلَق الملائكة على وضْع كماليّ:)لاَيَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)،وخلَق الدّوابّ على وضْع هي مسخّرة فيه، بلا عقل ولا اختيار. وخلَق الإنسان وفيه نوازع الخير ونوازع الشر، كما قال -سبحانه وتعالى وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا)، وترَك له حرّيّة الإرتقاء فيمنازل الخير درجات، أو الإنحطاط في منازل الشر دركات، على وفقٍ مِن اختياره العقلي والاقتدائي برسول الله --، وبالقرآن الكريم وما فيه من أوامر وما فيه من نواهٍ. وخلق أيضاً إلى جانب الملائكة والدواب والإنسان، كلّ المخلوقات من جمادات على اختلاف تنوّعها وعلى كثرة عددها وعدم إمكان حصرها؛ كل هذا دخل تحت(مَا) المبهَمة، فكان الأسلوب الإبهام هنا هو عيْن البيان عن طلاقة القدرة الإلهية في بثِّ المخلوقات المناسبة للزمان والمكان في السماوات وفي الأرض، هذا دليل ملكيّته وتصرّفه فيهما.

ونكمل بقية اللطائف البلاغية في مقال قادم،محاولين تذوق بلاغة القرآن في شهر القرآن.






 
آخر تعديل فاكية صباحي يوم 01-10-2011 في 07:40 PM.
رد مع اقتباس