وما هذه الشياطين إلا كالذباب والبعوض والهوام، ولا تحوم إلا على رائحة تجذبها، فإن لم تجد في النفس ما تجتمع عليه، تفرقت ولم تجتمع، وإذا ألمت الواحدة منها بعد الواحدة لم تثبت. فلو أننا طردنا من أنفسنا الكلمات التي أفسدت علينا رؤية الدنيا كما خلقت. لكان للدنيا في أنفسنا شكل آخر أحسن وأجمل من شكلها، ولكانت لنا أعمال أخرى أحسن وأطهر من أعمالنا.
وفي موضع آخر يقول :
فالشياطين تنجذب إلى المعاني، والمعاني يوجدها اللفظ المستقر في القلب استقرار غرض أو شهوة أو طمع؛ فإذا خلا القلب من هذه المعاني؛ فقد أمن منازعتها له وشغلها إياه، فيصبح فوقها لا بينها؛ ومتى صار القلب فوق الشهوات ولم يجد من ألفاظها ما يعميه ويعترض نظره إلى الحقائق، انكشفت له هذه الحقائق فانكشف له الملكوت؛ فإذا وقع بعد في واحدة من اللذات ولو "كالرقاقتين والحلوى"، استعلت الأشياء عليه فحجبته، وعاد بينها أو تحتها، وعمي عمى اللذة؛ والحجاب على البصر كأنه تعليق العمى على البصر.
من كتاب ( وحي القلم ) لمصطفى صادق الرافعي الجزء الثاني صفحة 163_164