منتديات مجلة أقلام - عرض مشاركة واحدة - الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم
عرض مشاركة واحدة
قديم 01-12-2007, 12:14 AM   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
إبراهيم العبّادي
أقلامي
 
الصورة الرمزية إبراهيم العبّادي
 

 

 
إحصائية العضو







إبراهيم العبّادي غير متصل


إرسال رسالة عبر MSN إلى إبراهيم العبّادي

افتراضي مشاركة: الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم

التعصب للمذهب



ومن التعصب المذموم: التعصب للمذهب، شأن غلاة المقلدين الذين يكادون يضفون على مذاهبهم العصمة، وعلى أئمتهم القداسة.

وهم يبنون تعصبهم هذا على دعائم غير مسلمة لهم.

منها: أن التقليد واجب، وخصوصا تقليد المذاهب أو الأئمة الأربعة. كما قال صاحب (الجوهرة) في علم التوحيد:

فواجب تقليد حبر منهمو كما حكى القوم بلفظ يفهم!

مع العلم المقطوع به: أنه لا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله، ولم يوجب الله إلا رسوله اتباع زيد أو عمرو من الناس بأعيانهما، وإن بلغا في العلم والفضل ما بلغا.

ومنها: أنهم لم يجيزوا لمن اتبع مذهبا أن يخرج منه، ولو في بعض المسائل التي يتبين للمقلد فيها ضعف دليل مذهبه، حتى قد يوصف بأنه مذبذب! وهذا إلزام آخر، بما لم يلزمه الله تعالى به.

ويلزم من هنا اعتبار أصحاب المذاهب كأنهم شارعون واعتبار أقوالهم كأنها أدلة شرعية يحتج بها، ولا يحتج لها!

وهذا مخالف لهدي الأئمة أنفسهم، فإنهم نهوا الناس عن تقليدهم وتقليد غيرهم.

ومخالف لما كان عليه سلف الأمة: الصحابة ومن بعدهم، طيلة القرون الأولى التي هي خير القرون، وأقربها إلى هدي النبوة.

ولهذا أنكر كبار علماء الأمة ومحققيها هذا الغلو في التقليد الذي كاد يشبه ما فعله أهل الكتاب من اتخاذ أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله.

يقول الإمام عز الدين بن عبد السلام:

"ومن العجب أن الفقهاء المقلدين يقف أحدهم على ضعف ما أخذ إمامه، بحيث لا يجد لضعفه مدفعا، وهو مع ذلك يقلده فيه، ويترك من شهد الكتاب والسنة والأقيسة الصحيحة، لمذهبهم، جمودا على تقليد إمامه، بل يتحيل لدفع ظاهر الكتاب والسنة ويتأولها بالتأويلات البعيدة الباطلة، نضالا عن مقلده.

وقال: لم يزل الناس يسألون من اتفق من العلماء من غير تقييد بمذهب ولا إنكار على أحد من السائلين، إلى أن ظهرت هذه المذاهب ومتعصبوها، من المقلدين، فإن أحدهم يتبع إمامه مع بعد مذهبه عن الأدلة، مقلدا لهم فيما قال، كأنه نبي أرسل، وهذا نأي عن الحق وبعد عن الصواب، لا يرضى به أحد من أولي الألباب.

وقال الإمام أبو شامة: ينبغي لمن اشتغل بالفقه أن لا يقتصر على مذهب إمام، ويعتقد في كل مسألة صحة ما كان أقرب إلى دلالة الكتاب والسنة المحكمة، وذلك سهل عليه إذا كان أتقن معظم العلوم المتقدمة وليتجنب التعصب والنظر في طرائق الخلاف المتأخرة، فإنها مضيعة للزمان، ولصفوه مكدرة، فقد صح عن الشافعي أنه نهى عن تقليده وتقليد غيره، قال صاحبه المزني في أول مختصره: اختصرت هذا من علم الشافعي، ومن معنى قوله لأقربه على من أراد مع إعلاميه نهيه عن تقليد غيره، لينظر فيه لدينه، ويحتاط لنفسه، أي مع إعلامي من أراد علم الشافعي: نهى الشافعي عن تقليده وتقليد غيره.

ولا عجب أن رأينا المحققين المنصفين من العلماء يدعون مذهبهم، ويرجحون غيره إذا تبين قوة دليل المخالف، وضعف حجة المذهب.

وهذا كان عند أصحاب الأئمة المباشرين أظهر ممن بعدهم مثل مخالفة أصحاب أبي حنيفة ـ أبي يوسف، ومحمد وزفر ـ لإمامهم في مسائل لا تحصى.

وكذلك مخالفة أصحاب الأئمة: مالك والشافعي وأحمد، لهم في مسائل كثيرة على درجات متفاوتة.

ولم تخل العصور التالية من أناس رجحوا غير مذهبهم.

فنجد مثل الإمام القاضي أبي بكر بن العربي يرجح مذهب أبي حنيفة في القول بوجوب الزكاة في كل ما أخرجت الأرض، ويضعف مذهبه، مذهب مالك وغيره. لما هداه الدليل إلى ذلك.

ففي كتابه (أحكام القرآن) عند تفسيره للآية (114) من سورة الأنعام، وهي قوله تعالى: (وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه، كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده، ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين). قال: أما أبو حنيفة فجعل الآية مرآته فأبصر الحق.. ونصر هذا الرأي، وضعف مذهبه والمذاهب الأخرى.

وفي شرح سنن الترمذي عند حديث "فيما سقت السماء العشر" قال: وأقوى المذاهب في المسألة مذهب أبي حنيفة، وأحوطها للمساكين، وأولاها بشكر النعمة وعليه يدل عموم الآية والحديث.

وكذلك نجد الإمام النووي في شرحه لمسلم، أو شرحه للمهذب للشيرازي يرجح أحيانا غير الراجح في المذهب (الشافعي) حسبما يلوح له من الدلائل.

وكذلك مثل الكمال ابن الهمام الحنفي.

أما الإمامان ابن تيمية وابن القيم فموقفهما من مذهبهما الأصلي ـ وهو المذهب الحنبلي ـ معروف غير مجهول، وكثيرا ما تركاه بل تركا المذاهب الأربعة جميعا واعتمدا على اجتهادهما المطلق في مسائل غير قليلة.

وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن رجل ترك مذهبه في بعض المسائل ـ كرفع الحنفي يديه عند الركوع وعند القيام منه ـ فأنكر عليه أصحابه ووصفوه بأنه مذبذب لا يستقر على مذهب! فأجاب إجابة مفصلة جاء فيها:

إذا كان الرجل متبعا لأبي حنيفة أو مالك أو الشافعي أو أحمد: ورأى في بعض المسائل أن مذهب غيره أقوى فاتبعه كان قد أحسن في ذلك، ولم يقدح ذلك في دينه، ولا عدالته بلا نزاع بل هذا أولى بالحق، وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن يتعصب لواحد معين، غير النبي صلى الله عليه وسلم، كمن يتعصب لمالك أو الشافعي أو أحمد أو أبي حنيفة، ويرى أن قول هذا المعين هو الصواب الذي ينبغي اتباعه دون قول الإمام الذي خالفه.

فمن فعل هذا كان جاهلا ضالا، بل قد يكون كافرا، فإنه متى اعتقد أنه يجب على الناس اتباع واحد بعينه من هؤلاء الأئمة دون الإمام الآخر فإنه يجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل. بل غاية ما يقال: إنه يسوغ أو ينبغي أو يجب على العامي أن يقلد واحدا لا بعينه من غير تعيين زيد ولا عمرو.

وأما أن يقول قائل: إنه يجب على العامة (يعني: الناس كافة) تقليد فلان أو فلان فهذا لا يقوله مسلم.

ومن كان مواليا للأئمة محبا لهم يقلد كل واحد منهم فيما يظهر له أنه موافق للسنة فهو محسن في ذلك، بل هذا أحسن حالا من غيره، ولا يقال لمثل هذا مذبذب على وجه الذم، وإنما المذبذب المذموم الذي لا يكون مع المؤمنين، ولا مع الكفار، بل يأتي المؤمنين بوجه، ويأتي الكافرين بوجه، كما قال تعالى في حق المنافقين: (مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا) (سورة النساء: 143).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين: تعير إلى هؤلاء مرة وإلى هؤلاء مرة".

فهؤلاء المنافقون المذبذبون هم الذين ذمهم الله ورسوله.

وقد أمر الله تعالى المؤمنين بالاجتماع والائتلاف، ونهاهم عن الافتراق والاختلاف فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعا، ولا تفرقوا) إلى قوله: (لعلكم تهتدون) إلى قوله: (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) قال ابن عباس رضي الله عنهما: تبيض وجوه أهل السنة والجماعة وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة.

فأئمة الدين هم على منهاج الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، والصحابة كانوا مؤتلفين متفقين، وإن تنازعوا في بعض فروع الشريعة في الطهارة أو الصلاة أو الحج أو الطلاق أو الفرائض أو غير ذلك فإجماعهم حجة قاطعة.

ومن تعصب لواحد بعينه من الأئمة دون الباقين فهو بمنزلة من تعصب لواحد بعينه من الصحابة دون الباقين، كالرافضي الذي يتعصب لعلي دون الخلفاء الثلاثة وجمهور الصحابة. وكالخارجي الذي يقدح في عثمان وعلي رضي الله عنهما. فهذه طرق أهل البدع والأهواء الذين ثبت بالكتاب والسنة والإجماع أنهم مذمومون، خارجون عن الشريعة والمنهاج الذي بعث الله به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن تعصب لواحد من الأئمة بعينه ففيه شبه من هؤلاء، سواء تعصب لمالك أو الشافعي أو أبي حنيفة أو أحمد أو غيرهم.

ثم غاية المتعصب لواحد منهم أن يكون جاهلا بقدره في العلم والدين وبقدر الآخرين، فيكون جاهلا ظالما، والله يأمر بالعلم والعدل، وينهى عن الجهل والظلم، قال تعالى: (وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ليعذب الله المنافقين والمنافقات) إلى آخر السورة.

وهذا أبو يوسف ومحمد أتبع الناس لأبي حنيفة وأعلمهم بقوله، وهما قد خالفاه في مسائل لا تكاد تحصى، لما تبين لهما من السنة والحجة ما وجب عليهما اتباعه، وهما مع ذلك معظمان لإمامهما. لا يقال فيهما مذبذبان بل أبو حنيفة وغيره من الأئمة يقول القول ثم تتبين له الحجة في خلافه فيقول بها، ولا يقال له مذبذب، فإن الإنسان لا يزال يطلب العلم والإيمان فإذا تبين له من العلم ما كان خافيا عليه اتبعه، وليس هذا مذبذبا، بل هذا مهتد زاده الله هدى، وقد قال تعالى: (وقل رب زدني علما)

فالواجب على كل مؤمن موالاة المؤمنين، وعلماء المؤمنين، وأن يقصد الحق ويتبعه حيث وجده، ويعلم أن من اجتهد منهم فأصاب فله أجران. ومن اجتهد منهم فأخطأ فله أجر لاجتهاده، وخطؤه مغفور له، وعلى المؤمنين أن يتبعوا إمامهم إذا فعل ما يسوغ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما جعل الإمام ليؤتم به" سواء رفع يديه أو لم يرفع يديه لا يقدح ذلك في صلاتهم، ولا يبطلها، لا عند أبي حنيفة ولا الشافعي ولا مالك ولا أحمد، ولو رفع الإمام دون المأموم دون الإمام لم يقدح ذلك في صلاة واحد منهما، ولو رفع الرجل في بعض الأوقات دون بعض لم يقدح ذلك في صلاته، وليس لأحد أن يتخذ قول بعض العلماء شعارا يوجب اتباعه، وينهى عن غيره مما جاءت به السنة، بل كل ما جاءت به السنة فهو واسع مثل الآذان والإقامة، فقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه أمر بلالا أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة"، وثبت عنه في الصحيحين "أنه علم أبا محذورة الإقامة شفعا كالأذان" فمن شفع الإقامة فقد أحسن ومن أفردها فقد أحسن، ومن أوجب هذا دون هذا فهو مخطئ ضال، ومن والى من يفعل هذا دون هذا بمجرد ذلك فهو مخطئ ضال.

وبلاد الشرق من أسباب تسليط الله التتر عليها كثرة التفرق والفتن بينهم في المذاهب وغيرها.. حتى تجد المنتسب إلى الشافعي يتعصب لمذهبه على مذهب أبي حنيفة حتى يخرج عن الدين، والمنتسب إلى أبي حنيفة يتعصب لمذهبه على مذهب الشافعي وغيره حتى يخرج عن الدين، والمنتسب إلى أحمد يتعصب لمذهبه على مذهب هذا أو هذا، وفي المغرب تجد المنتسب إلى مالك يتعصب لمذهبه على هذا أو هذا، وكل هذا من التفرق والاختلاف الذي نهى الله ورسوله عنه.

وكل هؤلاء المتعصبين بالباطل، المتبعين الظن، وما تهوى الأنفس المتبعين لأهوائهم بغير هدى من الله، مستحقون للذم والعقاب، وهذا باب واسع لا تحتمل هذه الفتيا لبسطه، فإن الاعتصام بالجماعة والائتلاف من أصول الدين، والفرع المتنازع فيه من الفروع الخفية، فكيف يقدح في الأصل بحفظ الفرع.






 
رد مع اقتباس