منتديات مجلة أقلام - عرض مشاركة واحدة - الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم
عرض مشاركة واحدة
قديم 24-11-2007, 11:47 PM   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
إبراهيم العبّادي
أقلامي
 
الصورة الرمزية إبراهيم العبّادي
 

 

 
إحصائية العضو







إبراهيم العبّادي غير متصل


إرسال رسالة عبر MSN إلى إبراهيم العبّادي

افتراضي مشاركة: الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم

الباب الثالث : الدعائم الاخلاقية لفقه الاختلاف :


أهمية الدعائم الأخلاقية


مهما يكن من أهمية للدعائم الفكرية والعلمية في تقريب الشقة بين المختلفين من أبناء الصحوة الإسلامية، وتجنيدهم في صف واحد لمواجهة القوى الضخمة التي تكيد للإسلام وأمته في الشرق والغرب، فسيظل للجوانب الإيمانية والأخلاقية أهميتها الخاصة.

فالإنسان في حاجة إلى عقل يقظ، كما يحتاج إلى ضمير حي. في حاجة إلى العلم النافع، وإلى الإيمان الوازع، وإلى الخلق الفاضل.

ومن هنا أفردنا الحديث عن عدد من الدعائم ذات الطابع الأخلاقي، لها أثرها الكبير والعميق في ترسيخ أدب الاختلاف، وتثبيت فكرة الائتلاف، وتأكيد معاني الأخوة والتعاون والتسامح التي دعا إليها الإسلام، والتي يجب أن تسود وتتعمق بين المسلمين عامة، وبين العاملين للإسلام خاصة.


أولا : الإخلاص لله والتجرد من الأهواء





أول ما نبدأ به هنا أمر يسبق كل ما ذكرناه من المبادئ والقواعد وهو: الإخلاص لله وحده، والتجرد للحق، ومجاهدة النفس حتى تتحرر من اتباع هواها أو أهواء غيرها.

فكثيرا ما تكون الخلافات بين الأفراد والفئات، ظاهرها أنه خلاف على مسائل في العلم، أو قضايا في الفكر، وباطنها حب الذات، واتباع الهوى الذي يعمي ويصم، ويضل عن سبيل الله، وهذا ما لمسته ـ للأسف الشديد في كثير من ألوان الخلاف التي وقعت ـ ولا زالت تقع ـ بين الجماعات والحركات الإسلامية بعضها وبعض، وبين الأجنحة المختلفة داخل الجماعة الواحدة، وبين الأفراد القياديين بعضهم وبعض، فكثير منها يرجع إلى أمور شخصية، وتطلعات ذاتية، وإن كانت تغلف بالحرص على مصلحة الإسلام أو الجماعة، أو غير ذلك مما قد يدق ويخفى حتى على الإنسان نفسه، فيزين له سوء عمله، فيراه حسنا.

أجل كثيرا ما يكون الخلاف في حقيقة الأمر من أجل أن يكون زيد زعيما، أو عمرو رئيسا، أو بكر قائدا، ويظن اتباع هذا أو ذاك أو ذلك أنه خلاف على المبادئ والمفاهيم، وهو خلاف على المغانم، وحب الظهور أو الجاه أو التصدر وهو الذي جاء به الحديث النبوي "ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه".

والمراد بالشرف هنا: الجاه والمنصب، والمعنى: أن الحرص على المال والجاه أكثر إفسادا من إفساد الذئبين للغنم.

لقد حرصت التربية الإسلامية، القرآنية والنبوية، على تكوين الإنسان مؤمن الذي يجعل غايته رضا الخالق، لا ثناء الخلق، وسعادة الآخرة، لا منفعة الدنيا وإيثار ما عند الله على ما عند الناس، (ما عندكم ينفد وما عند الله باق) (سورة النحل: 96).

وحذرت هذه التربية من الإنسان الذي تكون الدنيا أكبر همه، ومبلغ علمه فهو يعمل للجاه، والشهرة، أو للمصلحة الذاتية، أو لنزعة عصبية ظاهرة أو خفية.

ولهذا صح في الحديث أن أول من تسعر بهم النار يوم القيامة هم أهل الرياء والكذب على الله، الذين يزينون للناس أنهم يعملون لله تعالى، وهم لا يعملون إلا لذواتهم، وشهوات أنفسهم، وإن كان فيهم العالم والمعلم، والمنفق الباذل والمجاهد المقاتل!!

ومن هنا نوه الحديث الشريف بأولئك الجنود المجهولين الذين يذيبون حبات قلوبهم، وينفقون أغلى أيام أعمارهم، في نصرة دينهم وطاعة ربهم، دون أن تسلط عليهم الأضواء، أو يشار إليهم بالبنان.

روى الحاكم وغيره، عن زيد بن أسلم عن أبيه، أن عمر رضي الله عنه، خرج إلى المسجد فوجد معاذا عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ يبكي، فقال: ما يبكيك؟ قال: حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "اليسير من الرياء شرك، ومن عادى أولياء الله فقد بارز الله بالمحاربة، إن الله يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء، الذين إن غابوا لم يفتقدوا، وإن حضروا لم يعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى، ينجون من كل غبراء مظلمة".

ولكم رأيت كثيرا من الناس الذين يدافعون عن بعض الاتجاهات الفكرية، والعقدية يبالغون في الحماس لها، وشدة الإنكار على من خالفها، ويستخدمون أقصى العبارات في الهجوم وهم هواة أو محترفون جدد، دخلاء على أصحابه الأصليين، ولكنهم يريدون أن يثبتوا أنهم مخلصون لهذا الاتجاه، فيبدون في صورة من هو أشد حماسا من أهله على نحو ما قيل: ملكيون أكثر من الملك!

ويتجلى ذلك ويبرز أوضح ما يكون البروز، عندما يوجد من الأعين والآذان من يرجى أن ينقل عنه صولاته وجولاته، في الكر والفر، والهجوم والدفاع.

إن المسلم الحق هو الذي يكون عبدا لله، لا عبدا لذاته، فحيث وضع عمل وحيث وجه توجه، في الإمام أو في الخلف، قائدا، أو جنديا، دون تطلع إلى منصب أو دنيا..

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، إن أعطى رضي، وإن لم يعط سخط. تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش؟ طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، أو كان في الساقة كان في الساقة".

ورضي الله عن خالد بن الوليد سيف الله المسلول، الذي عمل قائدا، فنصر الله به، وحقق على يديه الخير الكثير، فلما ولي أبو عبيدة القيادة بدلا منه كان له نعم الناصح والمشير، وهكذا يكون المؤمنون الصادقون.

إني انظر إلى كثير من الخلافات بين الفصائل الإسلامية، فأشم من ورائها رائحة التعصب المذموم، لحزب أو لجماعة، أو لإقليم، أو لمدينة أو لشخص أو لمدرسة، أو لثقافة.

ولو أنصف الجميع لجردوا أنفسهم للحق، وأخلصوا دينهم لله، حتى يخلصهم الله لدينه، (قل إن صلاتي ونسكي، ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) (سورة الأنعام: 162،163).

إن اتباع الهوى لون من الشرك، ولهذا قال السلف: شر إله عبد في الأرض الهوى! وذلك لأنه يضل الإنسان عن الحق رغم علمه به (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه، وأضله الله على علم، وختم على سمعه وقلبه، وجعل على بصره غشاوة، فمن يهديه من بعد الله؟) (سورة الجاثية: 32).

وإن مما يؤسف له غاية الأسف: أن نجد بعض علماء الدين أو بعض أعضاء الجماعات الإسلامية، يتعاونون أحيانا مع جماعات علمانية صريحة في علمانيتها، ضد إخوانهم من العاملين للإسلام في حركات أو جماعات تختلف معهم في المنهج أو الموقف السياسي، مخالفين بذلك توجيهات القرآن والسنة وأقوال سلف الأمة، وعمل الهداة والصالحين من رجالها في مختلف الأعصار.

لقد وجدنا في المعارك الانتخابية في ـ عدد من أقطار الإسلام ـ من المتدينين والمنتسبين إلى بعض الجماعات الدينية من يعطي صوته ـ ومن يوصي اتباعه أن يعطوا أصواتهم ـ للعلمانيين الذين يرفضون شريعة الله جهرة، ويتهكمون بالدعاة إليها، ويستهزئون بحدود الله، ولا يقبل أن يعطيها للمسلمين الملتزمين بالدعوة إلى الإسلام عقيدة وشريعة ومنهاج حياة! لأنهم يخالفونه في بعض الأفكار والآراء.

فهل يمكن أن يكون وراء هذا التصرف منطق يقبله الإسلام بحال، إلا أن تكون الأهواء والخصومات ونزعات الأنفس الأمارة بالسوء التي تتردى في هذه المهلكات، وهي تحسب أنها تحسن صنعا؟ ونسأل الله السلامة.







 
رد مع اقتباس