منتديات مجلة أقلام - عرض مشاركة واحدة - الفخ
الموضوع: الفخ
عرض مشاركة واحدة
قديم 06-03-2014, 01:13 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
مناف كاظم
أقلامي
 
إحصائية العضو







مناف كاظم غير متصل


افتراضي الفخ

الفــــخ
عندما اجتاز الممر المتهدم لم يكن ثمة صوت غير الظلام الليلي ولهاثه المبحوح وخشخشة الاكياس والملابس الممزقة التي تدوسها اقدامه ورائحة الجثث المتسربة عبر رطوبة الجدران. اكتشفت اقدامه التي هدها التعب الجثة المرمية بجانب البركة القذرة , جثة امرأة مغتصبة بعنف. اطلق صوتا غريبا من فمه المملوء بلعاب بسيل كلما ازداد تشبعا برائحة الجثة ....وجبة شهية.... اهتز فوقها كراقص زنجي محتفل بمولد جديد منتش باللحم البشري الميت تنهش اسنانه القوية الجسد الممتلئ حيوية قبل ايام مضت والمرمي على حافة البركة الان بعد نضال دام لحظات ضد وابل الرصاص. لم يستمر احتفاله بالجسد الشهي إلا دقائق مشتته , اطلقت على اثرها رصاصتين مصوبتين بدقة. ارتمى الجسد النازف فوق الجثة مطلقا عواء عميقا متهدجا كصوت الالم البشري. ساد الصمت المفاجئ منسجما للحظة مع كثافة العتمة , اخترقه صوت بشري انتشر صداه فوق الجدران المهجورة " تبا لك ايها النتن ولهذه الحياة القذرة التي اصبحتم فيها اكلي لحوم البشر " . بصق الرجل وتحرك باحثا عن الجثة , احتراما للموت وليس للإنسان الذي اصبح قذرا يموت ككلب ويترك عاريا , تلتهمه الحيوانات الاخرى. تعثرت اقدامه واقتربت منه. كانت اصواتهم رنانة , همجية , فسقط مرتطما بوجه بارد , ارتمى سريعا على بندقيته المرمية بجانبه . كان القتال قصيرا , عنيفا , اكتشف في تلك اللحظة انه يمتلك قوة رهيبة لم يعرفها من قبل مدفونة بأعماقه خرجت دفعة واحدة ضد هذه الكلاب الشرسة التي تهجم دون خوف يدفعها الجوع الذي اعاد خلقها كائنات قاسية يتملكها التوحش امام كائنات الدم واللحم والعظام . انتهى القتال بخمسة رصاصات عشوائية اطلقت مرة واحدة تلاها الصمت الليلي المعتاد , تبدده اصوات الكلاب البعيدة المحتفلة بانتصارها , بسيطرتها على الليل زارعة الرعب فيه.
شعر الرجل بالموت القريب . حاول ان يتذكر كم مضى عليه من الوقت .. ما الذي حدث وما السبب في وجوده هنا كل شيء مشوش , الهواء البارد الرطب , الارض الموحلة , الظلال الباهتة , روائح الموت المنتشرة في كل مكان , والجثة التي تتعفن . الحياة تهرب سريعا ليبقى الموت الكابوس الجاثم الى الابد . حاول جاهدا ان يبعد كل هذا عن رأسه حاصرا تفكيره في الزمن القليل الباقي لديه . فتح عينيه بصعوبة ليرى الاشياء من حوله كثيفة للغاية , جدران مهدمة تبدو عالية بشكل لا يطاق , كلاب مقتولة تزدحم جثثها المغسولة بالدماء على حافة الوحل . حاول الهروب من كوابيسه الاسرة بعد الكلاب المقتولة , اضنته اللاجدوى . كانت تبدو كثيرة .. كثيرة جدا. لم يحاول قط النظر الى المرأة المقتولة , احس بالألم يلتهم جميع انحاء جسمه . اتعبه النهوض وظلال الجدران المنخورة التي اطبقت عليه كمخالب نسر تخنقه بقوة كلما حاول الاسترخاء مستسلما لآلامه وشبه الغيبوبة التي يعيشها والشعور العنيف بالموت كي يصبح جثة تتعفن سريعا فتأكله الكلاب . يجب عليه الخروج من البناء المهجور بأية وسيلة . ولم يكن هناك غير الزحف بدمائه المتخثرة وآلامه الحادة . احس برأسه ثقيلا .. ثقيلا جدا . سقط بعدها متعبا يئن تارة ويصمت تارة اخرى, محاولا الزحف مرة اثر اخرى فاقدا احساسه بالوقت , يتملكه خياله المضطرب المشوش . تراءت حوله صور لم يعتدها من قبل تدور وتدور بلا رحمة – كلاب شرسة يقطر من فمها الدم , تأكل بوحشية الجثث المنتشرة على جوانب البرك الطينية , او تهجم على الاطفال المذعورة , وتلك المرأة التي تركته يحبها بعنفوان الحياة والموت معا . حاول التشبث بكل ما يمكن ان يؤكد له بأنه لم يمت بعد , ويعيش معالجا جراحه كي يناضل مرة اخرى ضد كل الكلاب التي شاركت في افتراس جثة المرأة التي علمته حب الحياة تاركة في انفه رائحة جسمها الحي , لا تفارق جسمه اينما ذهب . الوقت يمر سريعا وقواه منهارة الان . استحالت الجثث والجدران اشباحا طويلة جدا تاركة هذا الكائن وحده في انتظار الموت محاولا عبثا الصمود ضد الالم والجوع , حالما للحظات قليلة بالخروج من هذا المستنقع الموحش.
استجمع اخر شتات قوته المتلاشية وبدأ الزحف الصامت دون ان يفكر في هدف ما سوى المحاولة الاخيرة للخروج بعيدا عن هذا الكابوس العفن . استنشق الهواء الجاف بعد اجتيازه اخر المتاهة المهجورة . غمره فرح طفولي واستلقى وقت طويل على الارض الباردة .
احس اخيرا انه يستطيع ان يفتح عينيه الان كي يستمتع بحلاوة الانتصار وقد اصبح حرا بعيدا عن ذلك السجن النتن والكلاب التي تهجم بوحشية لتأخذ فريستها المنتظرة هناك.
لما فتح عينيه وحدق حوله ببرود وجد نفسه محاطا بقطيع من الكلاب الجائعة يسيل اللعاب من فمها المفتوح دائما.


مناف كاظم






 
رد مع اقتباس