منتديات مجلة أقلام - عرض مشاركة واحدة - أبو بكر والرسـالة الإلكترونيـة
عرض مشاركة واحدة
قديم 09-11-2008, 12:27 AM   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
د.طارق البكري
أقلامي
 
الصورة الرمزية د.طارق البكري
 

 

 
إحصائية العضو






د.طارق البكري غير متصل


افتراضي مشاركة: أبو بكر والرسـالة الإلكترونيـة

7 – رجل لا يعرف أصحابه جيداً


قا ل أبو عبدالله: سأحكي لكم قصَّــَة رجلٍ.. وعليكم أنْ تقولوا رأيَكم فيه...
ثمَّ أضاف:
هل سمعتم عن رجل تزوج امرأة قيلَ عنها بعد وفاته بزمن كلامٌ ليس طيباً.. وقالوا عن أبيها كلاماً مثله..
كما أنّ الرجلَ نفسَه زوَّجَ ابْنَتهُ لرجُلٍ قيلَ عنه أيضاً كلامٌ لا أحبُّ سَمَاعَه ولا قوله.. وبعد مدة ماتت هذه الابنة.. فعاد الرجل وزوَّجَه ابْنتَه الثانية.. كمَا أنَّه زوَّج ابنته الأخرى لرجل فيه كلام مماثل.. فما تقولون في هذا الرجل؟
لم يتكلم أحد.. الأم فطنت ما كان يَقصُدُ الأبُ..
"ما رأيكم؟؟ تكلموا!!".
قال الأبُ بعد أنْ ساد صمتٌ: لو قلنا هذا الكلام لإنسان لا يعرف ما نقصد لقال في هذا رجل كلاماً وكلاماً معاذ الله أنْ نقوله.. وأنتم الآن تعرفون أنني أتحدث عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
وسأل الأبُ متابعاً كلامه باستغراب دونَ أنْ يَنْتظرَ منْهُم جَواباً: هلْ يُعْقلَ أنَّ رَسُولنَا الكريم، وهو لا ينطق عن الهوى، لا يحسنُ اختيار زوجته ولا أزواج بناته ولا حتى أصحابه المقربين.. وخاصة أبي بكر وعمر وعثمان.. وأبو بكر أشدّ النَّاس قرباً منه بشهادة القرآن الكريم - ولو ورد أنَّ أنبياءً آخرين في أزواجهم أو أولادهم سوء وكفر فإنَّ هذا لا يليق ولم يثبت بحق رسولنا الكريم، فهو أعظم الخلائق جميعاً - فهل يعقل أنْ يختار الرَّسول رفيقاً في أعظم رحلة في التاريخ.. وهي الرحلة التي ستحدد مصير هذا الدين.. هل يعقل أنْ يصحب رجلاً سينقلب عليه بعد موته؟؟ ولو قال قائل إنّ هذا حدث بعد موته.. فهذا أمر فيه غرابة..
فهل يتغير الحال بهذا الشكل والرسول الكريم لم يُدفن بعد؟؟
ثم أينَ أهلُ المَدينة كلهم؟؟؟ بَل أينَ علي بن أبي طالب رضي الله عنه؟؟ وهل سكوتهم عن الحق في هذه الظروف حكمة وفضيلة.. ولماذا لم يطالبوا بالحق ما دام حَقاً؟
اهتزت أطراف الأب وهو يتكلم..
ثمَّ وقف رافعاً سبابته:
أنا رجلٌ بسيط ضعيفُ البُنية.. ولستُ رياضياً ولا مُصارعاً.. ولا حتَّى أمَارسُ السِّباحة أو الركضَ.. لكنِّي لا أتصوَّر، وأنا رجل في الخمسين وأعيش في القرن الواحد والعشرين، أنْ يأتي رجلٌ يطرقُ بابَ بيتي... وأنا جالس على أريكتي.. ولا أقوم وافتح الباب.. وليس ذلك فقط؛ يدفعُ الرجلُ البابَ باتجاه أمِّكم ويكسر ضلعها ولا أقوم وأكسر كلَّ أضلاعه.. فكيف وهذا الزوج هو علي بن أبي طالب وهذه الزوجة هي فاطمة بنت محمد رضي الله عنها.. وعليّ فارس الفرسان.. وبطل الأبطال.. وليس ذلك فقط.. يحدث كلّ هذا أمام مرأى الصحابة الكبار.. ويعرف بالحادثة أبو بكر الصديق.. ولا يفعل أحد شيئاً لرد اعتبار ابنة الأمين صلى الله عليه وسلم.. قولوا بربكم.. كيف يحدث هذا؟؟
ولو قيل أن علياً لم يكن موجوداً.. حتى ولو كان غائباً.. لماذا لم يفعل شيئاً عندما عاد؟.. ولو قيل إن فاطمة منعته.. فهل هذا أمر ممكن.. يعني لو أمكم منعتني عن أحد أساء إليها هل امتنع؟؟.. لا يمكن.. بل مستحيل.. لأن المسألة مسألة كرامة.. وشرف.. وهنالك تهمة بالقتل.. بالقول إن من كان وراء الباب قتل الجنين الذي في بطن فاطمة رضي الله عنها..
قالت نورة: هذه أوَّل مرة أسمع فيها هذا الكلام العجيب..
قال عبدالله: وأنا أيضاً.. إنَّ عقلي الصغير المحدود يسأل الأسئلة نفسها؟ حتى وأنا طفل صغير لو اساء أحد لأمي سأهجم عليه ولو كان أقوى مني.. فكيف والحسن والحسين رضي الله عنهما في المنزل.. ولو كانا في ذلك الوقت صغيرين.. فالطفل في تلك الأيام مع صعوبة الحياة وقسوتها وشدتها يكون قوياً.. وليس مثلنا نحن أطفال القرن الواحد والعشرين..
قالت الأم: لم نكن نحب أن نخبركما بهذه القصص الحزينة؛ كما أننا لا نحبُ أساساًً التكلمَ فيها...
هنا قال عبدالله: سأحكي لكم هذه القصة التي حدثت قبل سنوات.. أذكر أنَّ صبياً ضربني مرَّةً في المدرسة وأنَا صغير.. فأقام أبي الدنيا ولم يقعدها، هل تذكرُ ذلك يا أبي؟؟
لقد طلبتَ يومها من الناظر أنْ يَحضر ولي أمر الطفل بنفسه، وكانَ الطالبُ أكبرُ منِّي سناً.. ولم تقبلْ بأقل من اعتذار الطالب في طابور الصباح بحضور أبيه وجميع التلاميذ.. لأنَّ الصبيَّ ضربني في باحةِ المدرسةِ وأمَامَ الطلابِ لأني أوقعت له حقيبته وأنا أمشي دون أن أنتبه إليها، فغاظه ذلك ولم يقبل اعتذاري فهجم عليَّ وضربني..
فإذا كانت كلُّ هذه الضجة قد أحدثتها أنتَ يا أبي وأنتَ رجل هادئ.. مع أمر بسيط مثل هذا.. فكيف بعليٍّ بطل الأبطال وسيد الرجال.. في تلك الحادثة العجيبة...
قال الأبُ: جميلة هذه الملاحظة يا بنيَّ.. فأنا ما زلتُ أذكرُ تلك الحادثة.. لقد ظلمك الصبيُّ وأنا أكرهُ الظلمَ ولو على من يكرهني.. فكيفَ وقد وقعَ الظلمُ على أهل بيتي؟؟ فهل يعني هذا أنّ عنفواني أعلى من عنوان علي.. لا وربي.. ولن أقول هذه حكمة من علي.. لأنه ببعد نظره سيدرك أن هذه الحادثة لو حصلت فعلاً سوف تخلف منازعات في الأمة لن تتوقف..


* * * * * *




8 - مصاهرات بيت النبوة وأبي بكر

قالت الأم: دعكم الآن من هذه القصص المُحْزنة، ومَا دُمْتَ يا زوجي العزيز تحدثتَ عن أهل بيتك.. ما رأيك لو تحدثنا الآن عن المصاهرات التي حدثت بين بيت النبي الكريم وبين بيت آل بكر الصديق رضي الله عنه..
قال عبدالله: فكرة جميلة يا أمي.. كنتُ أريد الحديث في هذا الموضوع.. فقد قرأت من قبل لوحة جميلة وضعتها لنا المدرِّسة في الفصل.. وفيها تأكيد من مصادر مختلفة لا يمكن إنكارها عن حدوث ست مصاهرات مشهورة بين آل البيت النبوي وآل الصديق رضي الله عنه.
أمّا أشرفها فهو الزواج المحمدي من الصديقة عائشة رضي الله عنها..
والمصاهرة بين هذين البيتين الكريمين لم تتوقف هنا.. فهذا سبط النبي وريحانته الحسن - وفي بعض المصادر الحسين - يتزوج حفيدة أبي بكر (فصة بنت عبد الرحمن).
ثم يتزوج أحفاد الحسن (موسى الجون) بن عبدالله المحض بن الحسن المثنى من أم سلمة بنت محمد بن طلحة بن عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي بكر.
أما بالنسبة للبيت الحسيني، فقد تزوج الباقر في سنة 80 للهجرة تقريباً أم فروة بنت القاسم بن محمد لتنجب له جعفر الصادق.
وكذلك تزوج إسحاق بن عبدالله بن علي بن الحسين من كلثم بنت اسماعيل بن عبدالرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر.
أما من بيت جعفر الطيار فتزوج إسحاق بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب من أم حكيم بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر أخت أم فروة (ام جعفر الصادق) فتكون بذلك أم حكيم خالة جعفر الصادق.
وتوقف عبدالله عن الكلام قليلا ثم قال: لا شكَّ أنَّكمْ لاحظتم أنّ معظم هذه المصاهرات تمت بعد وفاة أبي بكر، وهذا دليلُ حبٍ وودٍ بينَ البيتين الكريمين..
وتابع يقول: لاحظوا أنَّ الأزواج كلهم من آل البيت النوي الشريف وأن الزوجات كلهن من بيت أبي بكر.. وهذا دليل على أنَّ الخطبة كانت من آل البيت، لأنَّ الرجال عادة هم من يطلب الزواج.
وهنا قال الأبُ: أحب أن أضيف شيئاً.. وهو أن الروايات الثابتة أنّ جعفر بن محمد (الباقر) بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين الملقب بـ(الصَّادق) كان يفخر بجده الصديق الذي يصل إليه من أمِّه أمِّ فروة بنت فقيه أهل المدينة القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق..
وأم فروة هي أسماء بنت عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق.
ولهذا كان جعفر يقول: ولدني أبو بكر الصِّديق مرتين..
وفي هذا فخر واضح..
فقالتِ الأمُّ: وهل كان للصَّادق أن يفخر بغير أهل التُّقى.. لكن ألم تفكروا ما الذي جعل الباقريتزوج أم فروة. خاصة أن هذا الزواج تمَّ بعد وفاة الصديق بسبعين سنة تقريباً، وثمرة هذا الزواج كانت إماماً كبيراً هو جعفر الصادق.. الذي له روايات صحيحة وكان مشهوراً بالفقه والعلم..



ثم قالتِ الأمُّ: ما أجمل ما جمعت يا ولدي.. من هي هذه المدرسة الكريمة الرائعة التي أتت باللوحة ووضعتها على الحائط؟
عبدالله: إنها أبلة سعاد.. مدرسة القرآن الكريم..
الأم: بعد العطلة سأذهب بنفسي لأشكرها.. وسوف أسألها من أين أتت بهذه اللوحة لأنني أريد الحصول على لوحة مثلها..
الأب: بارك الله بك يا زوجتي العزيزة.. بالفعل.. هي مدرِّسة تستحق الشكر.. كما يستحق الشكر من أنجز هذه اللوحة الكريمة..
وتوقف الجميع عن الكلام.. وعادوا يقلبون صفحات الكتب يبحثون عن أشياء مميزة..



*******





9 – مدونة على الإنترنت

سرَّ عبدالله بهذا الكلام وقال:
أود هنا قبل أنْ نبْدأ بسَرْدِ بعض أعْمَال الخليفة أبو بكر وإنجازاته العظيمة التي أداها في دولة ناشئة، وخلال سنتين فقط، مدة حكمه القصيرة، وهي إنجازات يعجز كثير من الناس عن إنجازها، ليس في عامين فقط لكن في عشرات بل مئات السنين..
وقد جاءتني فكرة الآن وأنا أحدثكم.. وهي أنْ نعمل مدونة على الإنترنت بالرسائل التي نرسلها وخاصة الأحاديث التي تتحدث عن فضائل أبو بكر رضي الله عنه.. وقد ها هي أمامي مجموعة من الأحاديث الصحيحة التي وردت في الصحيحين سأذكر بعضها وهي ليست أهمها.. وهنالك الكثير الكثير غيرها.. سأكتفي بالقليل لنعرضه على المدونة ليطلع عليها أكبرعدد من الناس..
قال الأب: فكرة رائعة.. هيا ابدأ وسوف نساعدك في كتابة النصوص وأنت تضعها على المدونة التي سنسميها مدونة (فضائل أبي بكر)..
الأم: ولماذا أنتما فقط.. أنا ونورة معكما..
نورة: وبالطبع أنا أيضاً.. هيا يا عبدالله انطلق وكلنا آذانٌ صاغية.
قال عبدالله بعد أن شرب قليلاً من الماء وقال بخشوع:
كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه أبيض اللون نحيفَ الجسم، خفيفَ العارضين ناتئ الجبهة، أجود الصحابة، وهو كما قلنا سابقاً أوَّل من أسلم من الرجال وكان عمره تقريباً 37 سنة، وعاش في الإسلام 26 سنة. بويع بالخلافة يوم وفاة النبيّ صلى الله عليه وسلم في السنة الحادية عشرة للهجرة وأجمع الصحابة كلهم على خلافته.
وراح عبدالله يروي تفاصيل البيعة فقال:
بُويع رضي الله عنه في سقيفة بني ساعدة يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة الهجرة، وذلك حين ذهب هو وعمر رضي اللع عنه وبعض الصحابة ليتشاوروا في أمر الخلافة، حتى قال عمر لأبي بكر: أبسط يدك، فبسط أبو بكر يده فبايعه، ثم بايعه المهاجرون ثم الأنصار، ثم كانت البيعة العامة في اليوم التالي.
وعن هشام بن عروة عن أبيه قال: لما وُلي أبوبكر الخلافة؛ خطب الناس فحَمِد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال:
"أما بعد أيها الناس قد وُليتُ أمركم ولستُ بخيركم، ولكن الله أنزل القرءان وسنَّ النبيُ صلى الله عليه وسلم السنن فعلمنا، اعلموا أن أكيس الكيس التقوى، وأن أحمق الحمق الفجور. إن أقواكم عندي الضعيف حتى ءاخذ له بحقه، وإن أضعفكم عندي القوي حتى ءاخذ منه الحق، أيها الناس إنما أنا متبع ولست بمبتدع فإن أحسنتُ فأعينوني وإن زغتُ فقوِّموني".
والمعلوم أنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم عظمت مصيبة المسلمين حيث كثر النفاق وارتدت بعض القبائل، والبعض امتنع عن أداء الزكاة، فأسرع أبوبكر الصديق رضي الله عنه لمداركة هذا الأمر العظيم وقتل مسيلمة الكذاب الذي ادّعى النبوة، وهرب طليحة بن خويلد إلى أرض الشام وكان ادعى النبوة أيضًا ثم أسلم في عهد عمر بن الخطاب، واستشهد من الصحابة نحو 700 رجل أكثرهم من القرّاء ما جعله يأمر بكتابة القرآن الكريم في الصحف، كما جهز رضي الله عنه الجيوش لفتح بلاد الشام..

وتابع عبدالله حديثه قائلاً: سأروي لكم الآن بعض الأحاديث الشريفة.. فلنستمع إلى أول هذه الأحاديث الرائعة:
- خطب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالناس فقال: إن الله خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله، قالوا: فبكى أبو بكر فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله (صلى الله
- عليه وسلم) عن عبد خير.. فكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هو المخير، وكان أبو بكر أعلمنا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): إن أمنّ الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبابكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لايبقين في المسجد باب إلا سدّ إلا باب أبي بكر).
علق الأب بالقول: لكن هذا الحديث الصحيح قد ينكره من ينكر..
نورة: ما لنا الآن بالذي ينكر.. نحن يا أبي نريد أن نستمع إلى مثل هذه الأحاديث الرائعة.. فنحن واثقون بصحتها.. وليس عندنا شك.. تابع يا عبدالله فنحن متشوقون للمزيد..
فتابع عبدالله كلامه:
عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي (صلى الله عليه وسلم) بعثه على جيش ذات السلاسل، قال: ( فأتيته، فقلت: أي الناس أحب إليك، قال: عائشة، فقلت: من الرجال؟ قال: أبوها، قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر بن الخطاب فعدّ رجالاً).‏
ومن حديث أبي الدرداء قال: (كنت جالساً عند النـبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذاً بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما صاحبكم فقد غامر، فسلم وقال: يا رسول الله إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء فأسرعت إليه ثم ندمت، فسألته أن يغفر لي فأبى عليّ فأقبلت إليك، فقال: يغفر الله لك يا أبا بكر (ثلاثاً)، ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل: أثم أبو بكر؟ فقالوا: لا فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعر حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه، فقال: يا رسول الله.. والله أنا كنت أظلم (مرتين). فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي (مرتين) فما أوذي بعدهـــا.
ثم علق عبدالله بالقول: قال البعض: إن أبا بكر الصديق تفرد بهذه الفضيلة لم يشركه فيها أحد.
نورة: يا لها من فضيلة عظيمة.. هيا يا عبدالله ماذا لديك بعد من أحاديث.. لا أطيق صبراً حتى أسمعها كلها..
عبدالله: إذن اسمعي:
جاء في الصحيحين عن أنس بن مالك عن أبي بكر رضي الله عنه قال: (قلت للنبي صلى الله عليه وسلم وأنا في الغار: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا فقال: ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما).
ومن حديث أبي موسى الأشعري قال: مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتد مرضه فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس، فقالت عائشة: يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق متى يقم مقامك لا يستطيع أن يصلي بالناس، فقال: مري أبا بكر فليصل بالناس، فإنكن صواحب يوسف.. قال: فصلى بهم أبو بكر حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
الأب سعيداً مبتسماً.. أبدعت يا بني أبدعت..
ثم تابع يقول.. هل عثرت على شيء في شهادة صحابة رسول الله لأبي بكر رضي الله عنه...
عبدالله: نعم.. فقد شهد لأبي بكر كثير من الصحابة بأنه كان أفضلهم ومنهم علي رضي الله عنه.
وفي خبر البيعة قال عمر لأبي بكر: أنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك بحضور جمع من الصحابة فلم ينكر ذلك أحد فكان إجماعاً.




10– الخلاف مع فاطمة

رفع أبو عبد الله يده مستأذناً بالحديث ثم قال لزوجته.. بالنسبة للخلاف الذي قال إنَّ فاطمة طلبت ميراثها من أرض (فدك).. هل لديك يا زوجتي الحبيبة علم في هذا؟
ضحكت الأم وقالت: هذه القصَّة تحتاج لبعض الكلام..
الأب: تكلمي وهل هنالك من يمنعك؟
الأم: كنتُ انتظر الفرصة لأتكلم فعبد الله لديه معلومات غزيرة عظيمة.. ما شاء الله عليه.. الله يحفظه..
عبدالله: شكراً يا أمي.. لكني أريد أن أفهم قليلاً هذه المسألة..
الأم: حاضر يا ولدي.. يقال إنَّ فاطمة طالبت بميراث أبيها عند وفاته.. فلم يقبل أبو بكر رضي الله عنه محتجاً بقول رسول الله بأن الأنبياء لا يورثون..
ولكني أتساءل.. هل يمكن أن تأتي فاطمة بنت سيد الخلق بعيد وفاة أبيها مباشرة تطلب ميراثاً؟؟ وكيف تعادي أبا بكر لأمر شخصي ولا تعاديه لاتهامه بأنه أخذ الخلافة عنوة كما قيل.. وكيف يمكن أن يفعل أبو بكر ذلك بحضرة آلاف الصحابة الكرام.. وبذلكَ نتّهمُ أهْلَ المدينة كلهم مهاجرين وأنصاراً.. فهل يمكن أن يتواطأ كل هذا الجمع على الخداع؟؟
ولو اقتنعنا بوقوع الحادثة.. فإن إقرار أهل المدينة لموقف أبي بكر يؤكد أنّ الحديث صحيح وهم يعرفونه ولا ينكرونه..
الأم: أريد أنّ أقولَ شيئاً هنا.. لو افترضنا أنَّ الخليفة الأول لم يردَّ الأرضَ التي طالبت بها فاطمة على أساس أنّها أرثٌ لها من رسول الله.. فكيف وافقه عمر وعثمان على ذلك..
بل إنّ علياً رضي الله عنه عندما تولى الخلافة لم يسلم أرض (فدك) إلى ورثة فاطمة.. أليس هذا يدعونا للتساؤل؟
عبدالله: آه يا أمي.. من أين تأتي بهذا الأفكار؟؟!!
نورة: هذا رأي ممتاز.. لكني أريد أن أتعرف أكثر على حياة أبي بكر وشخصيته.. من يفيدني بذلك؟
الأب: أرى أن نتعاون جميعنا في هذا الجانب لأنّه موضوع متشابك وواسع.. ولنختر من بين ما نعثر عليه من أقوال وأحداث أبسطها وأفيدها..
عبدالله: طلبك صعب يا أبي.. ألا ترى أن سيرة الصديق عامرة بالخير والعطاء؟
الأب: ما دمت ذكرت لقبة الأشهر(الصديق) لنبدأ به الكلام.. والله يوفقنا لما فيه الخير..
قالت نورة: نعم يا أبي.. لنبدأ.. ولكني متأكد أنّ هذا بحر.. عرفنا شاطئه.. ولكن عمقه وبعده أبعد.






11– الصِّدِّيقُ مَنْ مِثلهُ

الأب وهو يصفق بشدة:
عظيم.. عظيم يا نورة..
ما أجمل ما سمعت منك من كلام..
وسأزيدك بالقول قبل الحديث عن قصة التسمية إنّ الإمام النووي رحمه الله تعالى قال مرة: كان أبو بكر من رؤساء قريش في الجاهلية وأهل مشاورتهم، ومحبباً فيهم، فلما جاء الإسلام آثره على ما سواه، ودخل فيه أكمل دخول..
وتابع الأب: سأحدثكم الآن عن سبب تسميته بالصِّديق، مع أنِّي متأكد أنكم تعرفون السبب، واشير إلى قول مصعب بن الزبير رضي الله عنه: إن الأمة أجمعت على تسميته بالصديق.. أما ما يقال يا نورة عن أن الصديق ليس لقباً من ألقاب أبي بكر.. فهذه حكاية أخرى.. لا أريد التكلم عنها.. بل سأشير إلى الواقعة التي كانت سبباً لتسميته بالصديق، وذلك لموقفه الشهير يوم الإسراء والمعراج عندما جاءه المشركون يقولون له: هل لك إلى صاحبك؟ يزعم أنّه أسري به الليلة إلى بيت المقدس.. فقال الصديق: أوَ قال ذلك؟ قالوا له: نعم، فقال دون تفكير: صَدَقَ، إني لأصدقه بأبعد من ذلك.. بخبر السماء غدوة وروحه..
عندها سماه رسولنا الكريم بالصديق واشتهر بذلك..

الأم: ما رايكم أن نعود إلى ذكر فضائل هذه الشخصية الكبرى في التاريخ كله..
قال الجميع: موافقون..
قالت الأب: فضائل أبوبكر الصديق كثيره وأعضم من أن تحصى.. ولكن من أهمها أنه ثاني اثنين كما جاء في القرآن الكريم في قوله تعالى: {ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا}.
قال الجميع: صدق الله العظيم.
تتابع الأم: يقول أبو بكر في هذا الموقف: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ونحن في الغار لو أن احدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا : فقال: ما ظنُّك يا أبَا بكر باثنين الله ثالثهما.
عبدالله: أبي.. أبي.. هل لأبي بكر ألقاب وأسماء غير هذا اللقب؟
قال الأب: نعم يا عبدالله، من أسمائه العتيق.. ومعناه: عتيق الله من النار، وهكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم عندما دخل عليه أبو بكر فقال له: أنت عتيق الله من النار... ولذلك سمي عتيقاً.. ويقال إن العتيق تعني أيضاً جمال الوجه.. وغير ذلك.
كما لقب أبي بكر بأنه سيد كهول أهل الجنة، فعن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين، ما خلا النبيين والمرسلين، لاتخبرهما يا علي.
وقال عنه النبي يوماً قولاً عظيماً، فعن عبدالله بن حنطب: أنّ البني صلى الله عليه وسلم رأى أبابكر وعمر فقال: هذان مني السمع والبصر..
الأم: الله.. ما أجمل وأروع هذا الوصف..






12- مواقف مضيئة


عبدالله: سأذكر لكم الآن مجموعة مواقف تؤكد علو مكانة أبي بكر في كل حين..
نورة: تفضل يا عبقري..
قال عبدالله: دعك من المزاح الآن.. سأنقل لكم مواقف رائعة جمعها أحد الفضلاء.
الموقف الأول: يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أخذته قريش فجأة وهذا يتلتله (أي يحركه ويزعزعه من مكانه) وهم يقولون: أنت الذي جعلت الآلهه إلها واحداً؟ قال: فوالله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر، يضرب هذا ويتلتل ويبعد هذا وهو يقول: ويلكم.. أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله.. ثم رفع علي بردة كانت عليه، فبكي حتى اخضلت لحيته.
الموقف الثاني: في يوم بدر كان عبدالرحمن بن أبي بكر مع المشركين، فلما أسلم قال لأبيه لقد أهدفت لي يوم بدر (أي أشرفت لي للقتال) فانصرفت عنك ولم أقتلك.. فقال أبو بكر لابنه عبدالرحمن: لكنك لو أهدفت لي لم أنصرف عنك..
قال عبدالله: في هذا الموقف يتجلى إيمان أبي بكر الذي كان مستعداً لقتل ابنه في المعركة، وفي هذا تقديم لمحبة الله ورسوله على كل ما سواهما، ليحقق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: لايؤمن أحدكم حتى أكون أحب اليه من نفسه..
الموقف الثالث: كان عمر يكلم الناس ويرفض القول بموت النبي صلى الله عليه وسلم لحظة وفاته فخرج أبو بكر وقال له اجلس ياعمر فأبي عمر أن يجلس، فقال اجلس ياعمر فتشهد، فقال: أمّا بعد، فمن كان منكم يعبد محمداً فإنّ محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإنّ الله حي لايموت.. وتلا قول الله تعالى: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين}..
وكأن الناس لم يعلموا أن الله عز وجل أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر فتلقاها الناس كلهم فما نسمع بشراً من الناس إلا يتلوها..
وقال عمر بن الخطاب: ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى ما تقلني رجلاي، وأهويت إلى الأرض وعرفت حين سمعته تلاها أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات.
الموقف الرابع: أيام الردة، فبعد وفاة النبي صلي الله عليه وسلم ارتدت طوائف كثيرة من العرب عن الإسلام ومنعوا الزكاة فنهض أبوبكر لقتالهم، فأشار عليه عمر وغيره أن يفتر عن قتالهم، فقال أبوبكر قولته الشهيرة: والله لو منعوني عقالاً أو عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها.
وعقد رضي الله عنه الالوية للقتال على جميع الجهات ولم تشهد الصحراء في حياة النبي صلي الله عليه وسلم مثيلاً لهذه المعارك الطاحنة، فقد اتسعت ميادينها وتتابعت امدادها وكثرت ضحاياها حتى تحقق النصر للإسلام وكسرو شوكة المرتدين فعاد من عاد الى الإسلام وهلك من هلك بعيداً عنه، وما هي إلا سنوات قلائل حتى كان الإسلام ملء البر والبحر ملء السمع والبصر بينما عاشت العقائد الأخرى على هامش الحياة، دون أن ننسى الفتوحات العظيمة.. وجمع القرآن الكريم.. وعدله.. وتواضعه للناس وخدمته للرعية.. وغير ذلك كثير كثير كثير..

****





13 – اللحظات الأخيرة في حياته

قالت نورة.. جميلة هذه المعلومات التي تتطاير من حولنا.. لقد مضى النهار.. وأمضينا وقتاً طويلاً وصلينا الظهر والعصر والمغرب والعشاء.. وما زالت قصص الصديق تترى بلا توقف.. هل تريدون الاستمرار حتى نصلي الفجر..
يضحك الأب ويقول: آه منك يا نورة.. وماذا تبقى لك من قوة حتى تنتظري طلوع الفجر؟؟
هيا ننام الآن لنكمل غداً حديثنا الشيق الطويل.. وربما نبدأ بعد صلاة الفجر مباشرة..
قالت الأم: موافقة.. هذه أجمل عطلة نهياة أسبوع.. نقضيها في رحاب النبوة الطاهرة وبصحبة الصاحب الصديق...
قال عبدالله: هل يمكن أن أضيف شيئا أخيراً:
قال الأب: تفضل يا عزيزي..وأمرنا لله.. فأنت وصديقك عاصم وتلك الرسالة الإلكترونية سبب كل ما قمنا به في هذا اليوم الجميل من بحث جليل..
قال عبدالله: أريد أن أختم لقاءنا هذه الليلة المباركة بذكر اللحظات الأخيرة في حياة الصديق، فقد كان أبو بكر يقول في لحظات حياته الأخيره لمن حوله من أقرب الناس إليه: انظروا ماذا زاد في مالي منذ دخلت الإمارة؛ فابعثوا به إلى الخليفة من بعدي..
وتقول عائشة رضي الله عنها: نظرنا بعد وفاته فإذا بعبد نوبي وبعير كان يسقي بستاناً له فبعثنا بهما إلى عمر فقال: "رحمة الله على أبي بكر، لقد أتعب من بعده تعباً شديداً".
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: إنّ أبا بكر لما حضرته الوفاة قال: أي يوم هذا؟ قالوا: يوم الإثنين، قال: فإن مت من ليلتي فلا تنتظروا بي للغد، فإنّ أحب الايام والليالي إلي أقربها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم قال لعائشة: اغسلي ثوبيَّ هذين وكفنيني بهما، فإنّما أبوك أحد رجلين: إمّا مكسو أحسن الكسوة أو مسلوب أسوأ السلب.
وأوصى ابنته عائشة أن يدفن إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما توفي حفر له وجعل رأسه، عند كتف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وألصق اللحد بقبر رسول الله.
وصلى عمر رضي الله عنه على أبي بكر بين القبر والمنبر، وكبر عليه أربعاً.
وقد توفي أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه ليلة الثلاثاء بين المغرب والعشاء لثمان ليال بقين من جمادي الآخرة سنة 13 للهجرة وهو ابن 63 عاماً رحمه الله ورضي عنه.
ولمّا كان اليوم الذي قُبض فيه أبو بكر رجّت المدينة بالبكاء، ودهش الناس كيوم قُبض الرسول صلى الله عليه وسلم، وجاء علي بن أبي طالب باكياً مسرعاً وهو يقول: ( اليوم انقطعت خلافة النبوة) حتى وقف على البيت الذي فيه أبو بكر مسجّىً فقال:
(رحمك الله يا أبا بكر، كنت أوّل القوم إسلاماً، وأكملهم إيماناً، وأخوفهم لله، وأشدهم يقيناً، وأعظمهم عناءً، وأحوطهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحدبهم على الإسلام، وآمنهم على أصحابه، وأحسنهم صُحْبة، وأفضلهم مناقب، وأكثرهم سوابق، وأرفعهم درجة، وأشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم به هدياً وخُلُقاً وسمتاً وفعلاً).

وعندما توقف عبدالله عن قراءة هذا النص التفت فرأى عيون أبيه وأمه وأخته قد احمرتا من البكاء...






(النهاية.... لكن القصة لم تنته بعد)







 
رد مع اقتباس