منتديات مجلة أقلام - الرواق المنهجي...
منتديات مجلة أقلام

منتديات مجلة أقلام (http://montada.aklaam.net/index.php)
-   المنتدى الإسلامي (http://montada.aklaam.net/forumdisplay.php?f=10)
-   -   الرواق المنهجي... (http://montada.aklaam.net/showthread.php?t=71392)

ياسر سالم 17-04-2023 08:00 AM

الرواق المنهجي...
 

الرواق المنهجي..
....
هي إشارات سريعة تربوية، تناسب المقام هنا..
أوردها من كتاباتي التي ألتزم بها جادة القوم،
او اقتطفها من ومضات إخواني السالكين ذات الدرب..
إذ العلم رَحِمٌ بين أهله..
وأرجو لهذه الإشارات وتلك الومضات أن تعني بالتأصيل المعرفي المبنى علي نسق منهجي واضح وقواعد كلية منضبطة،
حررها ونقحها وصححها الأولى سبقوا ممن اختُصوا برسم الطريق الصحيح الذي وصل إلينا من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين..

ونرجو الله ألا نتنكب صراطهم وأن نحترز بحرزهم، ونغترز بغَرزهم من غير خطأ ولا خطل..

ونسأل الله تعالى الإعانة علي القصد، والاعتدال في الأمر، والاخلاص في القول، والإصابة والسداد
...


ياسر سالم 17-04-2023 08:04 AM

رد: الرواق المنهجي...
 


لا يُنزَع المِراءُ إلا من نفوسٍ زكيَّةٍ انتُزِعَ منها الغِلّ، ووجود الغِلِّ في النفوس هو مِراءُ الباطن، وإذا انتُزِع المِراء من الباطن ذهَب من الظاهر أيضا، وقد يكون الغِلُّ في النفس مع من يُشاكلها ويُماثلها؛ لوجود المنافسَة.

ومن استقصَى في تذويب النفس بنار الزَّهادة في حُظوظها انمَحى الغلُّ من باطنه، ولا تبقَى عنده منافسة دنيوية في حظوظٍ عاجلةٍ فانية.

وقد امتنَّ الله على أهل الجنة، فوصَفهم بقوله" ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين".

وجاء في الأثر: يدخلُ أهلُ الجنةِ الجنةَ على ما في صدورهم في الدنيا من الشحناء والضغائن، حتى إذا توافَوا وتقابَلوا نَزَعَ اللهُ ما في صدورهم في الدنيا من غلٍّ، وذلك من أعظم النِعم؛ لأنه بانقطاع التحاسُد وزوال التنافُس تنحسِم مادّة الشَّرّ.

- شيخ الإسلام أبو حفص السُّهْرَوَرْديّ، بتصرف
...


ياسر سالم 17-04-2023 08:14 AM

رد: الرواق المنهجي...
 

قلت لأحد اخواني (المتبعين) :

لابد لك من طريقة (صحية ) تعبد الله بها،
وليست ثمة طريقة متاحة للعوام أمثالنا الا ما استلمه اللاحق عن السابق واتفقت عليه كلمك اهل العلم ..بل وأجمعوا..
وهذه هي قسمة الله،
(فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون..)
غقسمت الآية الناس إلى قسمين:

- اهل علم (مجتهدون) يستنبطون حكم الله بما آتاهم الله من فضله ( فرضهم الاجتهاد)

- و مقلدين لا طاقة لهم بمعرفة كل هذه الأحكام ودقائقها ( فرضهم التقليد)
وليس ثمة قسم ثالث
والتظاهر باتباع الإسلام مجردا عن المذاهب او اتباع الكتاب والسنة؛ لا ينضبط مع من ليس لديهم من العلم الكافي والبناء الفقهي وتحرير القواعد والعلم بالمقاصد والاستقراء والدراية الواسعة بعلوم المعقول والمنقول وسائر العلوم التي تتعلق بفهم الشريعة وفقه تناولها وصياغة أحكامها..

قال الشيخ عليش المالكي في "فتاويه" (1/109): "وأمر عوام الناس باتباع الكتاب والسنة كلمة حقّ أريدَ بها باطل؛ إذ مراده ترك المذاهب المتبعة وأخذ الأحكام من الكتاب والسنة بلا واسطة، وهذا ضلال ، والأمر به أدلُّ دليل على الجهل؛ إذ من المعلوم لكل أحد أنّ النصوص منها المنسوخ ومنها المردود لطعنٍ في رواته، ومنها ما عارضه أقوى منه فتُرِك ، ومنها المطلق في محل وقد قُيِّد في محل آخر، ومنها المصروف عن ظاهره لأمر اقتضى ذلك، ومنها ومنها... ولا يحقق ذلك إلا الأئمة المجتهدون، و أعظم ما حُرِّرَ من مذاهب المجتهدين مذاهب الأئمة الأربعة المتبعين؛ لكثرة المحققين فيها، مع سَعة الاطلاع، وطول الباع. فالخروج عن تقليدهم ضلال، والأمر به جهل وعصيان".

.
...


ياسر سالم 17-04-2023 02:00 PM

رد: الرواق المنهجي...
 

منشور طويل..
مهم في كف النفس عن اعتساف القول في العلم فرحا ببعض قراءات مزجاة لا تقيم أود صاحبها او تصلح لإلزامه الجادة..

....

هل كنتَ ملتزمًا ، ثم صرتَ مُمَيّعًا !
....
قال لي صاحبي – وهو يحاورني - :
عشت زمانًا طويلًا على أن هناك أشياء محرمة قولًا واحدًا ، أو محرمة على الراجح ، فلما ابتلينا بهذا الأزرق عرفنا جماعة من أفاضل الشيوخ ، حكوا لنا خلافًا فيما كنا نظنه إجماعًا ، وأحلوا أشياء كنا نظنها محرمة ، فلم نعد ندري ما نفعل ؟


قلتُ : الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، اللهم إنا نعوذ بكَ أن نحلَّ ما حرمتَ ، أو نحرم ما أحللت ، اللهم إنا نعوذ بكِ من تضييع شرعكَ ، وتهوين أمركَ ، اللهم إنا نعوذ بكَ من طغيان العلم ، ونعوذ بكَ من شؤم الجهل ، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلًا وأنت تجعل الحزن إن شئت سهلًا .
أما بعدُ ؛ فرضي الله عنكَ صاحبي ، وهنا عدة إشكاليات ، وهي طائفتان ،
- إشكالية تتعلق بفهمكَ لتصرفات المفتين والمحررين للمسائل الشرعية ،
- وإشكالية تتعلق بالطريقة التي تلقيت بها الأحكام في أكثر الخطاب الإفتائي المعاصر .
....
الإشكالية الأولى :
سوء الفهم المؤدي إلى التترس بالخلاف .

بعض العامة إذا سمعوا عالمًا من العلماء يحكي خلافًا في مسألة فروعية معينة ، يظن أنه من حقه أن يتترس بهذا الخلاف في مواجهة من ينكر عليه إتيان المحرم .
فإذا أنكر عليه غيرُه أمرًا معينًا ، ردَّ عليه قائلًا : (يا أخي المسألة فيها خلافٌ) !
وهذا الردُّ خطأ في نفسه ؛ إذ وجود الخلاف ليس مما يُجَوِّز لكَ إتيان ما تعتقد تحريمه ، نعم يا أخي ، هناك خلافٌ في المسألة ، حسنًا ، أنتَ ما اعتقادُك ؟!
إن كنت مقلدًا لقول من أجاز .. فقل :
(إني أفعل كذا ؛ تقليدًا لفلانٍ المجيز) ، وتنتهي القضية ، ولا إنكارَ عليكَ ، على تفصيل سنورده بإذن الله بعد قليل .

وإن كنتَ مقلدًا لقول من حرَّم ، فلا يجوز لك إتيان الفعل ، بل مما ينبغي أن تحمد صنيع أخيك الذي أنكر عليك .
صحيحٌ ؛ العوام لا إنكار لهم في مسائل الخلاف ، ولكن نصَّ أهل العلم على أن هذا مخصوص بما إذا كان المنكَرُ عليه مجتهدًا أو مقلدًا لقول من أباح ، أما إذا كان المنكَر عليه معتقدًا للتحريم فإنه ينكر عليه .

ولذلك ذكر الزركشي [في المنثور في القواعد ج3/ص364] وغيره أن المنكَر عليه إذا كان يعتقد التحريم جاز الإنكار عليه ، كحنفي يلعب الشطرنج ؛ إذ إنه يعتقد تحريمه ، فيجوز الإنكار عليه ، بخلاف ما لعبه شافعيٌّ ؛ إذ إنه لا يعتقد تحريمه [ما لم يلعبه مع حنفي مثله يعينه على محرم في اعتقاد الحنفي]
الحاصل : أن وجود الخلاف في نفسه ليس مما يجوز لكَ إتيان المحرم تترسًا بوجود خلافٍ في المسألة .
هذه هي الإشكالية المتعلقة بكَ يا صاحبي ،
أما باقي الإشكاليات فهي متعلقة بالخطاب الإفتائي المعاصر المتوجه إليك ، وهذه الإشكاليات لا تشكل ظواهر فقهية في هذا الخطاب [ركز في هذين السطرين الله يسترك] ، هذه الإشكاليات [كمان مرة] لا تشكل ظواهر فقهية في هذا الخطاب ، ولكن لأنها صُدِّرَتْ في مسائل فروعية طبولية كان لها من الأثر العميق في نفوس العامة .

الإشكالية الأولى :
تصدير الفقه التوحيدي للعامة (فقه القول الواحد) :
لا شكَّ أن المفتي لا يجب عليه أن يبين الخلاف للمستفتي ، ولكن في الخطاب الإفتائي الإعلامي المعاصر ، تجد أن بعض المفتين ينصر قولًا معينًا ، مشدِّدًا النكير على القول المقابل ، مكيفًا الخلاف على أنه ضعيف غير معتبر ، أو نافيًا وجوده أصلًا ، فإذا نظرت إلى القول الذي ينصره المفتي وجدته قولًا مخالفًا لفهوم جماهير المجتهدين ، لم يقل به إلا طائفةٌ من آحاد الظاهرية .
مثالٌ : يسأل شيخ معينٌ عن حكم النمص – ودعني أمثل لكَ بالطبوليات – فيقول : (كل إزالة لشيء من شعر الحاجب محرمة ، بل يترك الحاجب على حاله ، لعن الله النامصات والمتنمصات ، ولم يقل أحدٌ من العلماء بجوازه بإذن الزوج ولا بغيره ، هذا قول بعض المعاصرين) .
هذا الذي قال به المفتي – على ما فيه من الجهل بمذاهب أهل العلم في عين المسألة – لم يقل به – حقًّا إلا الظاهرية ، أما هو فنصره وكأنه ينصر قول جمهور العلماء ،
أما الأحناف في معتمدهم فالحديث محمولٌ عندهم على ما إذا تبرجت بالنمص للأجانب [كما في حاشية ابن عابدين ج6/ص373] ،
والمالكية حملوا الحديث على المعتدة [كما في حاشية العلامة العدوي على الكفاية ج2/ص459] ،
والشافعية حملوا الحديث على ما إذا كان بغير إذن الزوج [كما في النهاية ج2/ص25] ،
والحنابلة في معتمدهم حصوره في النتف ، أما الحلق والقص فليس بنمص محرم [كما في الإنصاف ج1/ص99] ،....
فبأي المذهب الأربعة قال الشيخ ؟! لم يقل بشيء منها ، وإنما قال بقول الظاهرية .

يا أيها الشيخ الجليل ، قل ما شئت ، قل : محرم ، قل : حلال ، ولكن لا تتجرأ على مذاهب أهل العلم قبل الرجوع إلى كلام أهل العلم في المسألة ، ولا تتشنج في مسألة خلافية المذاهب الأربعة فيها على خلاف قولك .


الإشكالية الثانية :
القطع في مواضع الظن :

كثير من المتصدرين للخطاب الإفتائي المعاصر لا يفرقون بين مواضع القطع ومواضع الظن ،
فيقطون في مواضع الظن ، ويجعلون الظاهر نصًّا ، فأسهل شيء أن يقول : (هذا نص قاطع في كذا) .
مثالٌ : يسأل الشيخ عن حكم حلق اللحية ، فيقول : (حلق اللحية حرامٌ ؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم : (أعفوا اللحى) ، وهذا نصٌّ قـــــاطعٌ في وجوب إعفاء اللحية) .
وهذا القطع راجع في غالبه إلى البضاعة المزجاة في علم أصول الفقه ، فهذا النص الذي ادعى الشيخ أنه قاطعٌ في كذا : يردُ عليه – في ذهن المجتهد - من حيثية واحدةٍ أكثرُ من ستة وثلاثين احتمالًا عند علماء أصول الفقه ، انتبه هذا من حيثية واحدة ، وثم حيثيات أخرى ترد منه الاحتمالات ، فأين القطعية الدلالية في النص.
فستقول لي : هذا باب تمييع لنصوص الشريعة ، بورود الاحتمالات ، فما من نص إلا والاحتمال وارد عليه ؟
أقول لكَ : لا عليك صاحبي ، انتبه إلى الحيثية في كلامي التي تغفل عنها دائمًا ، الكلام هنا من حيث ورود الاحتمالات على النص الشرعي في ذهن المجتهد لا من حيث لزومية العمل ، فبعض هذه الاحتمالات ضعيفٌ واهٍ ، وبعض قوي مقارب ، وقوة هذا الاحتمال أو ذاك نسبية تختلف باختلاف أنظار المجتهدين .
فإن قلتَ لي : ماذا تريد إذن ؟ أتريد أن يقول للناس : (افعلوا ما شئتم) ؛ إذ النص ذو احتمال ؟!
أقول لك : لا ، لا أريد ذلك ، ولا يقول به مسلمٌ ، بل يقول الشيخ ما شاء ، فإن حرم فهو موافق لمعتمد السادة المالكية والحنابلة، وإن كره كراهة تنزيه فهو موافق لمعتمد السادة الشافعية ، ولكن الخطأ في تكييفه للنص ، فالصواب أن يقول : (هذا نص ظاهر في كذا) ، ومن لا يفرق بين النص والظاهر لا يجوز له الإفتاء .

فإن قلتَ لي : بل النص انتقل من ظنية الدلالة إلى قطعية الحكم ؛ بالإجماع الذي ساقه ابن حزم على حرمة حلق اللحية .
أقول لك : لا إجماع في المسألة ، وأخطأت في النقل على ابن حزم ، بل ساق ابن حزم إجماعًا على عدم الجواز ، ولم يسق إجماعًا على الحرمة ، وثم فرق ، وهذا إشكالٌ من إشكالات أربعة على هذا الإجماع المظلوم ليس هذا وقت تحريرها .

الإشكالية الثالثة : حكاية إجماعات وهمية :

مثالٌ : يسأل الشيخ عن حكم النقاب فيقول : (النقاب – عندي – فرضٌ قولًا واحدًا) .
هذا الكلمة – عند من عقلها – إجماعٌ ، وهذا إجماع عجيب ، بل جمهور العلماء على خلاف ما يقول به الشيخ ، وكأنه لم يطالع تصنيفًا فقهيًّا شافعيًّا فيرى جمهور المتقدمين على جواز أن ينظر الرجل إلى وجه الأجنبية من غير شهوة .!
اتفق مع هذا أو اختلف يا صاحبي ، لكن لا تحكي إجماعًا وهميًّا ، فلا المتقدمون أجمعوا ، ولا المتأخرون أجمعوا .

الإشكالية الرابعة :
التخويف بفهم السلف :

يسأل الشيخ عن مسألة من مسائل العلم ، فيرجح قولًا معينًا ، ثم يقول : (وهذا هو فهم السلف للمسألة) ، ثم إذا به يأتي بأثر صحابي يشهد لقوله .
مثالٌ مكرر للحاجة : يقول الشيخ : (إسبال الإزار محرم على الرجال ؛ وفهم السلف يدل على ذلك فإن عمر أنكر على الشاب الذي دخل عليه في مرضه إسباله إزاره) .
وهذا المسلك فيه نظر من وجهين :
الوجه الأول :
أن وجود أثر عن صحابي في المسألة لا يعني أن هذا هو فهم السلف جميعًا ، حتى ولو كان بمحضر جماعة من الصحابة الكرام ، على تحرير يعلم من محله في كتب أصول الفقه .

الوجه الثاني :
أن الأثر الذي ذكره الشيخ من أقوى ما يستدل به على الكراهة التنزيهية لا الحرمة ؛ إذ في استعمال عمر رضي الله عنه لصيغة التفضيل دلالةٌ واضحةٌ على ذلك ، كما لو قلت : «زيد أتقى من خالد» ؛ فإنك لا تنفي التقى عن خالد ، وإنما تثبت فضيلة لزيد على خالد في التقي ، فكذلك أثبت عمر رضي الله عنه فضيلة لحال تقصير على الإزار على إسباله ، فالأثر في الحقيقة دالٌّ على الكراهة التنزيهية لا التحريمية .

الوجه الثالث :
أن غير عمر رضي الله عنه من الصحابة قد ثبت عنه ما يؤيد القول بالكراهة التنزيهية ، فإن صدق حقًّا أن فهمًا للسلف يحكى فلتكن الحكاية للكراهة التنزيهية لا الحرمة ، والصحابيان هما ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما .
• فقد ثبت عن أبي إسحاق السبيعي أنه قال : (رأيتُ ابنَ عبَّاس - رضي الله تعالى عنه - أيام منى طويل الشعر ، وعليه إزار فيه بعض الإسبال ، وعليه رداء أصفر) ، وإسناده حسن كما قاله الهيثمي في المجمع ، وقد سبق التفصيل فيه في منشور سابق .
. • وثبت عن أبي وائل أن ابن مسعود رضي الله عنه كان يسبل إزاره ، فقيل له ، فقال : «إني رجل حمش الساقين ، وإسناده جيد كما قاله الحافظ في الفتح .
فالحاصل أنه لا يصح الاحتجاج بفهم السلف في المسألة إلا إذا تحقق فعلًا أن هذا هو فهم السلف ، لا فهمك أنت أيها الشيخ لكلام السلف .

الإشكالية الخامسة :
تجرئة العوام على الإنكار في الخلاف :

لا خلاف بين العلماء أن المجمع عليه يشرع لكل أحدٍ إنكاره .
أما مسائل الخلاف فليس للعامة إنكارٌ فيها ، قال النووي رحمه الله في (الروضة) (ج10/ص219): (وإنما يأمر وينهى من كان عالمًا بما يأمر به وينهى عنه ، وذلك يختلف بحسب الأشياء ، فإن كان من الواجبات الظاهرة والمحرمات المشهورة كالصلاة والصيام والزنا والخمر ونحوها فكل المسلمين علماء بها ، وإن كان من دقائق الأقوال والأفعال ومما يتعلق بالاجتهاد لم يكن للعوام الابتداءُ بإنكاره ، بل ذلك للعلماء) .
ويستثنى من عدم إنكار العامة ثلاث صور :

الصورة الأولى :
أن يكون للمُنْكِر حقٌّ يتعلق بعَيْن المنكَر عليه ، فيجوز له أن ينكر عليه ، كأن يمنع الزوج الشافعيُّ زوجته الحنفية من شرب النبيذ .

الصورة الثانية :
أن يكون المنكَر عليه معتقدًا للحظر ، فإن كان معتقدًا للحظر وأتى الفعل أنكر عليه ، كأن يتزوج شافعي بلا ولي مثلًا ، أو أن يعلب حنفي الشطرنج ، فهذا ينكر عليه ؛ لأنه معتقد لتحريمه .

الصورة الثالثة :
أن يكون مأخذُ مذهبِ المنكَرِ عليه ضعيفًا بعيدًا ، وبُعْدُه إنما يكون بمخالفته نصًّا قطعيًّا أو إجماعًا أو قياسًا جليًّا .
يقول الزركشي في «المنثور» (2/140) : «لم يزل الخلاف بين السلف في الفروع ، ولا ينكر أحدٌ على غيرِه مُجَتَهَدًا فيه ، وإنما ينكرون ما خالف نصًّا أو إجماعًا قطعيًّا أو قياسا جليًّا » .

وهذه الصورة الأخيرة من أكثر الصور التي يزل فيها الناس ؛ إذ ينكر العامي ويقول : (نعم ، أعلم الخلاف ، ولكنه غير معتبر) .
وهذا كلام عجيب غريب من وجوه :
1. تكييف خلافٍ معين بأنه سائغ أو غير سائغ إنما مرده إلى أهل الاجتهاد لا إلى العوام .

2. ومعيار تكييف الاجتهاد : قوة المدرك وضعفه.

3. يقصد بالقوة هنا : «ما يوجِب وقوفَ الذهن عندها وتَعَلُّقَ ذي الفطنة بسبيلها لا انتهاض الحجة بها ؛ فإن الحجة لو انتهضت بها لما كان أحدٌ من المجتهدين مخالفًا لها

4. . النظر إنما هو إلى المدارك لا إلى أعيان المجتهدين ، «فمن قوي مدركُه اعتد بخلافه وإن كانت مرتبته في الاجتهاد دون مرتبة مخالفه ، ومن ضعف مدركه لم يعتد بخلافه وإن كانت مرتبته أرفع ، وربما قوي مدرك بعضهم في بعض المسائل دون بعض ؛ بل هذا لا يخلو عنه مجتهد .

5. قوة المدرك وضعفه : «مما لا ينتهي إلى الإحاطة به إلا الأفــــــــــــــراد ، وقد يظهر الضعف أو القوة بأدنى تأمل ، وقد يحتاج إلى تأمل وفكر ، ولا بد أن يقع هنا خلافٌ في الاعتداد به ناشئًا عن المدرك قوي أو ضعيف .

..


بعد كل هذا أقول لكَ كلمة أخيرة :

سواءٌ أظهر لكَ الخلافُ أم لم يظهر ، علمت الحرمة أو الكراهة ، الفرضية أو الاستحباب ، فأهل المحبة مع الله لا يفرقون ، أهل المحبة مع الله لا يفرقون ، أهل المحبة لا يفرقون .
اللهم إنا نعوذ بكَ أن نحلَّ ما حرمتَ ، أو نحرم ما أحللت ، اللهم إنا نعوذ بكِ من تضييع شرعكَ ، وتهوين أمركَ ، اللهم إنا نعوذ بكَ من طغيان العلم ، ونعوذ بكَ من شؤم الجهل ، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلًا وأنت تجعل الحزن إن شئت سهلًا .
اللهم إني أعوذ بكَ أن أجهل ، أو يجهل عليَّ !
....

الشيخ /محمد سالم.. الشافعي الأزهري



.
...


ياسر سالم 17-04-2023 02:18 PM

رد: الرواق المنهجي...
 
الافتاء_بالمرجوح درءا للمفسدة:

قال العلامة الحافظ ابن رجب:
"وقد يُترك القول الراجح المجتهد فيه إلى غيره من الأقوال المرجوحة إذا كان في الإفتاء بالقول الراجح مفسدة.
وقرأت بخط القاضي مما كتبه من خط أبي حفص: أن ابن بطة كان يفتي أن الرهن أمانة ، فقيل له: إن ناسا يعتمدون على ذلك ويجحدون الرهون! فأفتى بعذ ذلك بأنه مضمون".

ياسر سالم 17-04-2023 02:30 PM

رد: الرواق المنهجي...
 

(لا يتهيأ لكل أحد أن يخبر بعذره):
___
في ترجمة إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي الله عنه: أنه كان يأتي المسجد، فيشهد الصلوات، والجمعة، والجنائز، ويعود المرضى، ويجلس في المسجد، فيجتمع إليه أصحابه..

ثم ترك الجلوس، فكان يصلي وينصرف،
وترك شهود الجنائز،
ثم ترك ذلك كله والجمعة،
واحتمل الناس ذلك كله،
وكانوا أرغب ما كانوا فيه،
وربما كُلم في ذلك، فيقول:
(ليس كل أحد يقدر أن يتكلم بعذره)!
وذكر الزبيدي أنه استمر على ذلك ثنتي عشرة سنة!
فهذا مالك الإمام، لا يصلي مع الناس في الجماعة، بل ولا يشهد الجمعة، ولا يعود مريضا، ولا يشهد جنازة، ويقول حين يُسأل: لا يتهيأ لكل أحد أن يخبر بعذره!!

هل له عذر؟
لا شك في ذلك،
وذكر المترجمون له أعذارا في هذا،
وعمدا تركتها لعدم فائدتها هنا.
هل أخبر مالك من سأله بعذره؟
لا.
هل سعى في تجميل صورته لئلا يقال: متكبر لا يؤدي حقوق الناس، أو مفرط في جنب الله؟
لا.
ولقد -والله- أبقى الله ذكره وعلمه، وجعل له لسان صدق في الآخرين، وعَبَد اللهَ على مذهبه أممٌ لا يحصون، وأجمع الناس على إمامته وهدايته ودرايته، وإن مكانته فوق ما أقول..

فأصلِح ما بينك وبين الله، ولا تبال بعد ذلك، ولا تشغل نفسك بحكم الناس والاعتذار لهم ما دمت قد أعددت لسؤال الله جوابا.
(ولا يحتج أحد بنحو: هذه صفية.. فليس من بابة ما نحن فيه)!

- ويا معشر المنقبين والباحثين عن عثرات الناس، والشاغلين أنفسهم بكل غاد ورائح، وماذا فعل، وماذا قال، ولماذا كان، وما عذر فلان، وما حجة علان= لستم حكما على العباد، وما استشهدكم الله على بواطن الناس، وربكم أعلم بما في نفوسكم ونفوس عباده، فاعملوا على نجاة أنفسكم، وانشغلوا بها، فبين يديكم موقف طويل رهيب بين يدي الله الذي لا يظلم مثقال ذرة، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ويحاسب على ما في القلوب، ولا يخدَع، وقد يُحبط عملَ المتألين عليه!
صونوا حسناتكم فهي قليلة، واحذروا الإفلاس يوم يعض الرجل على يديه ندما يتمنى حسنة واحدة تثقل كفته، وقد كان لديه كأمثال جبال تهامة ففرط فيها الأبعد!


من الرواق الحنبلي الأزهري

.
...


ياسر سالم 17-04-2023 02:36 PM

رد: الرواق المنهجي...
 

إلجام العامي المقلد (غير المجتهد) عن التشغيب على اختيارات الأئمة تذرعا باتباع الدليل...
...

«على أنه ينبغي التنبيه على أن إثبات أن إمامًا ما قد خالف حديثًا إنما ذلك في ظن قائله ما لم تكن المخالفة قطعية -وما أعز ذلك وأندره! لا سيما مع أئمة الاجتهاد-، وغايتُه حينئذ أن يكون هذا الإمام قد خالف ظاهر حديث، وهو غير نافع أيضًا في الاعتراض عليه به حتى يثبت عدم المعارِض الأقوى الذي جعل هذا الإمام يعدل عن ظاهر هذا الحديث -ما دام لم يُعلَم يقينًا أن هذا الحديث أو مِثله قد خفِي عليه وغاب عنه-، وعليه فلا ينبغي أن يُعترَض على أئمة الاجتهاد بأنهم خالفوا ظاهر حديث إلا ممَّن له نظر واستقراء وممارسة لمآخذ الفقهاء ومنازعهم في فقه النصوص.
فإن هؤلاء الأئمة مجتهدون مطلَقون أصحاب استقراء تام للشريعة، فإن أثبتوا أمرًا فإنما يكون بعد الاستقراء التام، فلا يُعترَض على أمثالهم بظواهر بعض النصوص إلا بعد انتفاء المُعارِض، وهو لا يكون إلا لمن كان من أهل الاستقراء في الشريعة، وهذا الأصل نبَّه عليه الإمام الفقيه الأصولي الشهاب القرافي في قوله:
«يقولون: مذهب الشافعي كذا؛ لأن الحديث صحَّ فيه. وهو غلطٌ؛ فإنه لا بُدَّ من انتفاء المُعارِض، والعِلمُ بعدم المُعارِض يتوقَّف على مَن له أهلية استقراء الشريعة حتى يُحسِن أن يقول: لا مُعارِض لهذا الحديث. وأمَّا استقراء غير المجتهد المطلَق فلا عِبرَة به».
وكذلك أومأ إليه شيخ الإسلام ابنُ تيمية في أثناء هذا التقرير، وهو: أن شرطَ المجتهد أن يَعلَم مُعظَم الأحاديث وجمهورَها، ولا يخفى عليه إلا القليل من التفصيل، وهذا القليلُ من التفصيل قد يبلُغه، ويُخالِفه لمُعارِض أقوى، ومع كون الأحاديث بعد الأئمة قد جُمِعت ودُوِّنت في الدواوين، إلا أن هؤلاء الأئمة كانوا أعلم بالسُّنة من المتأخِّرين بكثير؛ لأن كثيرًا ممَّا بلَغهم وصحَّ عندهم قد لا يَبلُغنا إلا بأسانيد فيها مقال، أو لا يَبلُغنا بالكلية، فهؤلاء الأئمة كانت دواوينُهم صدورَهم التي تحوي أضعافَ ما في الدواوين، والمتأخِّرون اعتمادُهم على الدواوين -ولا يجوز أن يُدَّعَى انحصار حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في دواوين معينة-، ومع ذلك فليس كلُّ ما في الكتب يَعلَمه العالم، بل لا يكاد يحصل ذلك لأحد، بل قد يكون عند الرَّجُل الدواوين الكثيرة وهو لا يحيط بما فيها، وهذا لا يشكُّ فيه مَن عَلِم القضية.
وممَّا يعضد هذا الأصل الذي قرَّره القرافي وابن تيمية قولُ أبي بكر الأَثْرَم: إنه سمِع الإمام أحمد وقد احتُجَّ عليه بأحاديث في مسألة كان يَتكلَّم فيها مع جماعة، فغضِب الإمام أحمد وقال: «صِبيان نحن؟! ليس نَعرِف هذه الأحاديث!». وكذلك ما رُوي أن رجُلًا قال للإمام مالك: «لِمَ رويتَ حديثَ «البَيِّعانِ بالخِيارِ» في «الموطأ»، ولم تعمل به؟ قال مالك: ليعلمَ الجاهلُ مِثلك أني على عِلم تركتُه».
ولهذا -كما يقول أبو إسحاق الشاطبي- فإن الحُذَّاق من أهل العلم يتحامَون الاعتراض على أئمة الاجتهاد، ويحتجُّون لهم ما استطاعوا مراعاةً منهم لهذا الأصل، فيَظُنُّ الشادي في العلم والجاهل أن هذا من باب التعصُّب للمذهب أو للإمام، وليس كذلك».

.....
من مقدِّمة تحقيق الدكتور أحمد فتحي بشير لكتاب:
(المنتقى من تنوير الصحيفة بمناقب أبي حنيفة)، لابن المبرد الحنبلي رضي الله عنه




ياسر سالم 17-04-2023 05:41 PM

رد: الرواق المنهجي...
 

من فقه النابتة العجيب..
(جعل اتباع أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في مقابل اتباع كلام المجتهدين من الأئمة رضوان الله عليهم أجمعين ) ..

.. يقول الدكتور احمد بشير حفظه الله:
المسلمون على أن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ليس لكونه محمداً هذا الرجل القرشي الصادق الأمين ذا النسب العريق، وإنما اتبعوه لأنه رسول مبلغ عن الله، ولهذا لا يقال عند المسلمين: نتبع كلام الله أم كلام الرسول.
وكذلك الأمر مع كلام العلماء الفقهاء مع كلامه صلى الله عليه وسلم ، فهم المبلغون عنه صلى الله عليه وسلم ما فهموه من كلامه صلى الله عليه وسلم ، ولهذا لا يقال: نتبع كلام الرسول أم كلام العلماء، إلا من وصل إلى رتبه هؤلاء العلماء من الإحاطة بالسنة والكتاب وعلوم الاجتهاد وكان ذا تصرف في فهم كلام الأيمة السابقين وفهم أقوالهم وأدلتهم وما بنوا عليه، فإن هو قد أحاط بهذا ثم ظهر له حديث ظاهره يخالف بعض السابقين فله المخالفة مع الإقرار باحتمالية الأمر، وعليه فلا تشنيع ولا جعل ما رآه هو عين مراد الرسول صلى الله عليه وسلم.
وهذا ما أوضحه ناصر السنة أبو إسحاق الشاطبي في قوله: إن العالم بالشريعة إذا اتبعه الناس في قوله وحكمه، فإنما يتبعونه من حيث هو عالم بها وحاكم بمقتضاها لا من جهة أخرى ، فهو في الحقيقة مبلغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المبلغ عن الله عز وجل. انتهى كلامه.
أما ما نراه اليوم من أناس لا يستطيع الواحد منهم قراءة كتاب صغير في الأدب قراءة صحيحة بله أن يحيط بهذه العلوم المشترطة في المتكلم في الشرع على طريق الاستقلال من التبجح بأحاديث لرسولنا صلى عليه وسلم ونسبه مذهب ارتضاه المسلمون لمخالفة السنة لمجرد ما فهمه ويفعل ذلك مع كل ما يتبناه= فهذا إجرام شديد ، وأن يموت المرء وهو زان قاتل غير تائب أهون من أن يموت وهو على هذه الحال المجرم أهلها؛ لأن هذه الحال معها تسقط علوم الشريعة رأسا، وتهدر كرامة وثقة حملة الشريعة ، وبهذا تسقط الديانة كاملة، ولعنة الله على من أشاع في الناس هذه الحال.


ياسر سالم 18-04-2023 03:18 AM

رد: الرواق المنهجي...
 

إلى السادة النابتة...
أصحاب (فقه الدليل ) واتباع (الإمام الراجح)
(المتبعين).. الدي استدبروا قبلة العلم، واخترعوا فهما شاذا من عند أنفسهم قوامه الاستحسان والتشهي،لم يقل به عالم يعتد بعلمه، وليس من الدين في شيء
واباحوا لأنفسهم رتبة الترجيح بين اقوال الأئمة وهي رتبة قلما يُسلم بها لمجتهد معين في مذهب واحد، فضلا عن مذاهب اربعة..
....
... المثال كما ساقه الشيخ الدكتور كمال المرزوقي رئيس جامعة الإمام مالك للعلوم الشرعية..
...

- نعم يجوز
- هل يمكن أن تخبرني بالدليل؟
- مسألتك هذه مبنية على:
إحدى عشر مقدّمة أصوليّة كما بيّنه ابن دقيق العيد رحمة الله عليه، وهي:
1- هل التّنصيص على بعض موارد العامّ بإثبات الحكم فيه يقتضي التّخصيص ؟
2- هل استنباط معنى من النّصّ يعود على اللّفظ بالتّخصيص يقبل أم لا؟
3- هل المؤرَّخ له يرجّح على المطلق في التعارض بين البيّنتين؟
4- هل يخصّ العموم بالعادة الفعلية؟
5- هل يجب في التّخصيص قصد الإخراج لمحلّ التّخصيص، وهل يشترط في التّعميم قصد الإدخال تحت العموم للفرد المعيّن؟
6- ما هي مراتب العموم في القوّة والضّعف ؟
7- هل القياس يخصّ العموم؟
8- هل العامّ بعد الخاصّ تخصيص أو نسخ ؟
9- إذا لم يعلم التّاريخ في العامّ والخاصّ أيّهما يقدّم ؟
10- إذا تردّد اللّفظ بين الحمل على الحقيقة الشّرعيّة، أو اللّغويّة فعلى أيّهما يحمل ؟
11- ما القانون المعتبر في التّأويلات وإزالة اللّفظ عن ظاهره ؟

يلزمنا بداية تحرير جواب كلّ واحدة من هذه لنبدأ الكلام في دليل هذه المسألة بعينها.
- طيب، جزاك الله خيرا ما فيش داعي يا مولانا
- كل سنة وانت طيب.

ياسر سالم 18-04-2023 05:32 AM

رد: الرواق المنهجي...
 
السياق ودلالة النص ..
....
ومما يعضد فكرة تسلط السياق على دلالات النص
ما اورده سعادة الدكتور سامي معوض الأزهري في هذا العرض السريع الذي يتخذ من العلامة الكبير الطاهر بن عاشور أنموذجا..
يقول الدكتور سامي معوض حفظه الله..
...
"في أحيان كثيرة تجد في معنى الآية الواحدة أقوالا كثيرة للسلف، بعضها قريب، وبعضها بعيد، وبعضها خطأ محض، والترجيح بينها يحتاج إلى بصَرٍ تام بعلوم كثيرة، كالعربية، وأسباب النزول، وأصول الفقه، والمناسبات.

وقد كان للعلامة الطاهر ابن عاشور رحمه الله في هذا الباب باعٌ طويل؛ وبسبب تمكُّنه من هذه العلوم كان يردُّ كثيرا من تلك الأقوال ولا يبالي، ويستمسك بما يدل عليه السياق ويُرشد إليه مقام الخطاب الإلهي، وكم عاب على المفسرين تفسيرَهم لبعض المفردات القرآنية بما يُعطيه المعنى اللغوي المعجمي المُجرَّد من غير اعتبارٍ بدلالة السياق ووورود الكلام في شأن خاص، وإن كان المعنى اللغوي للمفردة في نفسه صحيحا. وكان لنظرية السياق أهمية شديدة الخطورة عنده، انبنى عليها ترجيحات واختيارات في كثير من توجيه معاني الآيات.

مثلا: في قوله تعالى " ووالدٍ وما ولد" يُردِّد المفسرون احتمالات كثيرة في المراد من ذلك، فمنهم من يقول: المقصود بهذا هو آدم عليه السلام وولدُه، وعلى هذا تكون " ما " في الآية موصولة.

ومنهم من يقول : المقصود بالوالد: مَن يُولَد له، ليس واحدا بعينه، وما ولد: مَن ليس يُولَد له، وهو العاقر، وعلى هذا تكون " ما " نافية،

وحينما تنظر إلى السياق تجد هذه الأقوال قَلِقة جدا في مواضعها لا يخدمها سياق الكلام. فيختار الإمام الطاهر ابن عاشور أن المراد بقوله" ووالدٍ وما ولد": هو إبراهيم عليه السلام، وذريته من الأنبياء والمرسلين والصالحين، ومنهم - بلا شك - سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

وإنما كان كذلك؛ لأن فاتحة السورة:" لا أقسم بهذا البلد، وأنت حِلّ بهذا البلد" والسورة مكية، والبلد هي مكة - شرَّفها الله - وأشرَفُ ما في مكة هو البيت الحرام، فناسَب ذلك أن يكون المقصود بالوالد هنا هو إبراهيم عليه السلام؛ فهو الذي اتخذ ذلك البلد لإقامة ولده إسماعيل وزوجه هاجر.

وفي الإشارة إلى إبراهيم تعريضٌ بالمشركين من العرب من ذريته؛ بأنهم حادُوا عن طريقة أبيهم من التوحيد والصلاح والدعوة إلى الحق وعمارة المسجد الحرام.

وبذلك تنتظم أقسام السورة في سياق واحد ملتئم، والله أعلم.

وهذه الوظيفة عسيرة لا يقوَى عليها إلا أُولو البسطة في العلم والنفاذ في الفهم من أمثال العلامة الطاهر رحمه الله."

ياسر سالم 19-04-2023 06:55 AM

رد: الرواق المنهجي...
 

فلسفة بناء مسائل الفقه الحنفيّ وقواعده وأصوله أبعدُ ما تكون عن أفهام أهل الحشو والظاهر، فمن الطبيعي عداء هؤلاء لهم ورؤيتهم لهم منحرفين عن الشريعة، والقضية ليست في مسألة مخصوصة أو في فرعٍ معين، وإنما بناء المذهب كله وطرائق تكوُّن مسائله لا تلائم أبدا طريقة هؤلاء في الفهم ولا منهجهم في معرفة الأحكام، وقديما كان يقال لأتباع أبي حنيفة- رضي الله عنه-: أصحاب المعاني، من شدة غوصهم على معاني النصوص وبراعتهم في الاستنباط والاستخراج.

ومحاولة إقناع هؤلاء بآحاد المسائل مما يرونها مخالفة لفعل الرسول - صلى الله عليه وسلم- وخارجة عن منهج السنة = هي محاولة عبثية لا جدوى منها؛ لأن حاقّ الموضوع ليس مسألة ولا مسألتين ولا عشر مسائل، بل بناء متكامل لا يُستوعَب إلا بشروط مخصوصة من حُسن التعلّم والتعليم.
..
د. سامي معوض




ياسر سالم 19-04-2023 03:31 PM

رد: الرواق المنهجي...
 
هذه المذاهب الأربعة استقر الأمر على أنها مدار الإسلام، فمن وقع فيها أو في شيء منها على سبيل التنقص والازدراء، فعلى ولاة الأمور ردع من قام بهذا والتنكيل به.
ابن المبرد الحنبلي في كتابه
(تنوير الصحيفة بمناقب أبي حنيفة).


الساعة الآن 11:13 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والردود المنشورة في أقلام لا تعبر إلا عن آراء أصحابها فقط